د.عبد الحميد فجر سلوم*
هذه المنطقة (الشرق الأوسط) لم تخلو من المحاور منذ نيلِ استقلالها وحتى اليوم.. لاسيما بعد المد القومي العربي الواسع في زمن الرئيس جمال عبد الناصر، والمحور المناهض له بقيادة المملكة العربية السعودية..
لن أعود لتلك الحُقبَة الزمنية، الخمسينيات والستينيات، وإنما إلى ما نحن فيه اليوم..
لا يخفى أن هناك محورين رئيسيين في الشرق الأوسط اليوم..
محورٌ يضمُّ السعودية والإمارات وقطر والأردن ومصر، ومحورٌ يضمُّ ما هو معروف منذ عام 1979 بمحور المقاومة أو (المقاومة والممانعة) وهذا ضمّ بالأساس سورية وفلسطين وإيران وحزب الله اللبناني، ثم توسع ليضم حركات مقاومة أخرى فلسطينية، وقِوى أخرى في اليمن والعراق، ويهدف إلى مناهضة ومقاومة المشاريع الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة، وتأييدِ ودعمِ كل مقاومة فلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي.. طبعا السلطة الفلسطينية الرسمية لم تكُن لاحقا من هذا المحور..
طبيعي أن يكون المحور الأول مدعوما من الولايات المتحدة وحلفائها في الغرب، وكذلك من إسرائيل، لاسيما أن معظم دولهِ قد طبّعت مع إسرائيل وأقامت معها شتى أنواع العلاقات..
**
قبل ذلك كان هناك محور (جبهة الصمود والتصدّي) الذي تأسس في ليبيا في 5 كانون أول / ديسمبر عام 1977، وذلك بعد أسبوعين من زيارة أنور السادات للقدس في 19 تشرين ثاني / نوفمبر 1977 ..
محور جبهة الصمود والتصدي دعا إليه معمر القذافي، أكيد بعد التشاوُر مع أطرافه، وانعقد اجتماع القمة في طرابلس الغرب بين 2 و 5 كانون أول / ديسمبر 1977 .. وضمّت: ليبيا وسورية والعراق وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (حينئذٍ) ومنظمة التحرير الفلسطينية..
وتقرّر تجميد العلاقات الدبلوماسية مع مصر، ولاحقا تمّ تعليق عضويتها في الجامعة العربية ونقل مقر الجامعة من القاهرة إلى تونس.. وجاء هذا القرار في مؤتمر القمة العربي في بغداد في 2 تشرين ثاني / نوفمبر، عام 1978 الذي انعقد بعدأسابيعٍ من توقيع السادات على اتفاقية كامب دافيد في 17 أيلول / سبتمبر عام 1978 ..
وجاء في أول قرار ما يلي: (لمّا كانت اتفاقيتا كامب دافيد تمسّان حقوق الشعب الفلسطيني والأمة العربية في فلسطين، والأراضي العربية المحتلة، وتمّتا خارج إطار المسؤولية العربية الجماعية، وتتعارضان مع قرارات مؤتمرات القمة العربية، لاسيما مقررات الجزائر والرباط، وميثاق الجامعة العربية، وقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بقضية فلسطين، ولا تؤدّيان إلى السلام العادل الذي تنشده الأمة العربية، لذلك فإن المؤتمر يقرر عدم موافقته على هاتين الاتفاقيتين وعدم التعامل مع ما يترتب عليهما من نتائج، ورفضه لكل ما يترتب عليهما من آثار سياسية واقتصادية وقانونية وغيرها من آثار)..
وجاء في القرار الثاني الفقرة 1: (يؤكد المؤتمر ضرورة توحيد الجهود العربية كافة من أجل معالجة الخلل الاستراتيجي، الذي ينجم عن خروج مصر من المعركة)..
وفي الفقرة 2 :(تنسِّق الدول التي لديها الاستعداد والمقدرة على المشاركة عسكريا بجهد فعال، مع أطراف المجابهة مع العدو، من أجل إجراء الترتيبات لتوحيد جهودها، وإعداد الخطط اللازمة لهذا الغرض)..
وفي القرار الثالث تمت دعوة مصر للتراجع عن اتفاقيتي كامب دافيد وعدم توقيع أية معاهدة صلح مع العدو الصهيوني..
وفي القرار الرابع تم تعليق عضوية مصر في الجامعة العربية، ونقل مقرِّها إلى تونس..
**
طبعا لا ننسى ما يُعرفُ بـِ (جبهة الرفض الفلسطينية) التي قامت عام 1974 وضمّت: الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الشعبية القيادة العامة، وجبهة التحرير العربية، وجبهة النضال الشعبي الفلسطيني..
وهذه الحركات عارضت قرارات المجلس الوطني الفلسطيني حينها، في دورته الثانية عشر في القاهرة في حزيران 1974 ، والتي أقرّت بقيام الدولة الفلسطينية على أي جزء من فلسطين.. وجمّدت مشاركتها في نشاط منظمة التحرير الفلسطينية.. فهي تريد فلسطين من البحر إلى النهر.. ولكنها غيّرت مواقفها لاحقا..
**
إذا كل قرارات مؤتمر بغداد لم ترى الضوء، وجاء غزو صدّام حسين للكويت في 2 آب / أغسطس 1990 ، ليقلب الطاولة على كل ذلك، ويُدخِل العرب في أتون انقسامات عنيفة، زاتدتهم شرذمة وضعفا، وأدّت بهم إلى مؤتمر مدريد للسلام في آخر تشرين أول /أكتوبر 1991 ..
ثمّ كرّت السبحَة، كما يقال بالعامية، فكانت اتفاقية أوسلو، ووادي عربة، ومن ثم الاتفاقات الإبراهيمية..
**
جاءت عملية طوفان الأقصى التي لم تكن متوقعة، بعد أن وصل التمادي الإسرائيلي إلى أقصى مداه، والتخاذُل العربي، إلى أدنى مداه، وبعد أن تمّ نسيان القضية الفلسطينية، فهل ستقلب عملية طوفان الأقصى الموازين والمعادلات مجددا؟. وإلى أي مدى ستنجح بذلك؟.
هذا ما ننتظر لنراه في المستقبل، في ظل هذه الجهود الأمريكية المحمومة وزيارة وزير خارجيتها الخامسة للمنطقة منذ تلك العملية، ومشاوراته مع المحور العربي الحالي، السعودية والإمارات وقطر والأردن ومصر، والذين عقد وزراء خارجيتهم اجتماعا تشاوريا في الرياض يوم الخميس 8 / 2 / 2024 ، بمشاركة السلطة الفلسطينية، وصدر عنه بيانا شدّد على حل الدولتين، والاعتراف بدولة فلسطينية على حدود 1967 ، وأكد أن غزة جزءا لا يتجزّأ من الأرض الفلسطينية المحتلة.. ورفض كل عمليات التهجير القسري..
فهل سنرى العرب اليوم بمستوى هذا التحدّي، ويثبتون على هذه المبادئ، ويقطعون الطريق أمام كل طروحات وشروط نتنياهو؟.
.. سنرى..
*كاتب سوري
شاهد أيضاً
كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!
محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …