فيصل مكرم*
لا يزال المُجتمع الدولي عاجزًا عن التصدي لجرائم إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وفي الضفة الغربيّة والقدس على حد سواء، وكلما حققت المُفاوضات التي يقوم بها الوسيطان القطري والمصري، بما فيها الضغوط الأمريكية الناعمة على نتنياهو، تقدمًا، نجحت حكومة الاحتلال في عرقلتها، وغالبًا إعادة هذه المُفاوضات إلى نقطة الصفر، في آخر استطلاعات الرأي في إسرائيل أكد نحو 58 في المئة من الإسرائيليين أن نتنياهو يعمل على إطالة العدوان على غزة لأهداف شخصية تتعلق بعدم فقدانه الحصانة وفقدان مُستقبله السياسي في حال توقف الحرب، وهؤلاء يؤيدون إبرام حكومة الحرب صفقة إطلاق الرهائن الإسرائيليين لدى كتائب المُقاومة الفلسطينية بأي ثمن، بما في ذلك وقف الحرب وسحب الجيش وفتح المعابر لدخول المُساعدات لسكان القطاع، ونتيجة هذه الاستطلاعات بين الإسرائيليين تُظهر تراجع التأييد الذي كانت تحظى به حكومة الحرب بعد السابع من أكتوبر الماضي، غير أن نتنياهو فشل في تحقيق أي من أهداف العدوان على غزة بعد نحو 160 يومًا على هذه الحرب، حيث خسرت إسرائيل التأييد من حلفائها، وفقدت ثقة المُجتمع الدولي الذي لم يعد يحتمل أكاذيب نتنياهو وحكومته ولا ألاعيبهم ولا غطرسة إسرائيل واستخفافها بالقوانين ذات الصلة بالعدالة الإنسانية وحقوق الإنسان ومُخالفتها كل قواعد وقوانين الاحتلال وما يتضمنه ميثاق الأمم المُتحدة بهذا الشأن، كما أن واشنطن باتت تشعر بالقلق من عدم اهتمام نتنياهو بنصائحها وعدم الحرص على صورة الولايات المُتحدة لجهة التزاماتها الإنسانية والعدالة الدولية ومواقفها المُناهضة لجرائم الحرب والإبادة الجماعية العنصرية التي لا تزال حكومة الاحتلال تُمارسها بحق الشعب الفلسطيني، وتبرير ارتكابها بحقها في البقاء والدفاع عن النفس.
جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها حكومة وجيش الاحتلال باتت أمام العالم مُكتملة الأركان، والمجازر تُرتكب يوميًا بحق سكان غزة وأطفالها ونسائها، ويتم تدمير البنى التحتية للقطاع بشكل مُمنهج لكي لا يبقى لسكانه مأوى ولا خِدمات طبية ولا مدارس ولا جامعات، ومنعت حكومة الاحتلال دخول المُساعدات الإغاثية، حتى أصبحت غزة أكثر بقعة في الكرة الأرضية تُعاني المجاعة ويموت أطفالها لعدم حصولهم على الحد الأدنى من الغذاء لكي يُبقيهم على قيد الحياة، وَفقًا لمُنظمات الإغاثة الأممية ووكالات الإغاثة الإنسانية التي لم تتوقف وهي تستغيث العالم لإغاثة سكان غزة، أليس هذا التجويع والحصار الذي تفرضه حكومة الاحتلال جريمة إنسانية؟، وحتى واشنطن حليف إسرائيل تقر بصورة غير مُعلنة بحدوث جريمة التجويع، حين وجهت بإنزال مُساعدات غذائية عن طريق الجو وعبر طائراتها العسكرية، في حين ينوي الرئيس بايدن إنشاء ميناء في غزة من قِبل الجيش الأمريكي بهدف إيصال المُساعدات إلى سكان القطاع الذين يواجهون كابوس الموت جوعًا، وبالرغم من كل ذلك لا يزال نتنياهو مُصممًا على تحقيق انتصاره في العدوان على قطاع غزة بالتفاوض بعد أن فشل جيشه في تحقيقه عسكريًا، وبعد مضي خمسة أشهر على عدوانه البربري ومجازره الوحشية وجرائم الإبادة العنصرية بحق الشعب الفلسطيني، لا يزال نتنياهو يتملص من كل اتفاق يتوصل إليه الوسطاء لوقف الحرب والانسحاب من القطاع وعودة النازحين إلى منازلهم ومدنهم ومُخيماتهم ومدارسهم وإدخال قوافل المُساعدات الإغاثية والطبية إلى القطاع في مُقابل إطلاق الرهائن الإسرائيليين ووقف العمليات العسكرية من جانب فصائل وكتائب المُقاومة، ولعلَّ نتنياهو يُدرك أن قَبوله صفقة تؤدّي إلى وقف الحرب في هذا التوقيت سيؤدّي إلى انهيار حكومة التحالف اليميني المُتطرّف التي يرأسها، وتدمير مُستقبله السياسي، وبالتالي يُسابق نتنياهو الزمن مُستفيدًا من انشغال واشنطن والرئيس بايدن بمعركة الانتخابات التي بدأ السباق على مضمارها مع الرئيس السابق الجمهوري ترامب بانتخابات الثلاثاء الكبير التمهيدية الأسبوع الماضي، حيث يلعب اللوبي الصهيوني في أمريكا دورًا محوريًا في توجيه مسارها، غير أنه يتوجب على كتائب المُقاومة أن تُدركَ أن أي تنازلات يمكن تقديمها في المُفاوضات غير المُباشرة مع إسرائيل لن يوافقَ عليها نتنياهو ما لم تُلبِ طموحه، وتقديم نفسه للشعب الإسرائيلي كقائد مُنتصر، وبما يُمكّنه من التحكم بمصير المُقاومة وإنهاء وجودها على الأرض وفرض شروطه التي تصبّ في مشروع إسرائيل لجهة تفريغ مِلف القضية الفلسطينية.
*نقلا عن جريدة الراية
fmukaram@gmail.com
@fmukaram