الأربعاء , أبريل 30 2025
الرئيسية / اراء / لا تحزن يا مجمع الشفاء..!

لا تحزن يا مجمع الشفاء..!

خالد شــحام*
( يا الله ، يا الله أفرجها علينا من عندك يا الله ، بملائكتك ، بجندك من الســماء والأرض ، كن معنا يا رب ، زلزل طائراتهم ، أوقف دباباتهم ، انصرنا عليهم ، إحمنا من عندك يا رب)
في فناء المشفى الحزين المؤلف من خليط الحطام وبقايا الشهداء ورائحة البلاستيك المحترق تقف ممرضة فلسطينية قادمة من زمن ما بعد غزة لتثبت أن ما بعد غزة هي غزة بمقاومتها ورجالها وبطولتها ، المشهد مهيب والملائكة تكاد تمسك على قلبها من هول المشهد وبدعاء يعلو في رنين القلب بكلمات تقشعر لها الأبدان ، وبيدين تتسعان بدعاء مهيب ، هذا ما صاحت به الممرضة الفلسطينية في باحة الألم الأقصى والفقدان العظيم .
المكان هو مجمع الشفاء ، الزمان هو ساعة رحيل الهمج وانسحابهم من الخرائب التي يحسنون صنعها ، هؤلاء هم غيلان العصر الذين تتألف لحومهم من الموبقات وأنفاسهم هي الخطايا والآثام ، المشهد هو واجهة بناية لا تختلف في وقفتها وهيبتها عن ذلك الذي يركض بقذيفة الياسين ، تطل على جهات أربع ، المبنى بكامله مصاب بأعراض الهمجية الصهيونية ولمساتهم النازية ، السناج الأسود يعلو الجدران وفوق النوافذ ، الرماد يملأ كل شيء ، إنها الصورة الاسرائيلية المفضلة في الإعلام لبث الرعب وإظهار المنعة والبطش واليد الضاربة ، وتقديم التقرير السليم لبايدن ومن يقدم القذائف ، وهي الصورة التي تمثل ما يطلبه المشاهدون الاسرائيليون وحرس تلفزيون الهزيمة العربية والنذالة الرسمية .
في كل يوم يتحفنا جيش الأنذال بمفاجأة جديدة تحقق سبقا على كل جرائمه وإنحطاطه السابق ، لم يعد من شيء إلا ومسه الأذى من أيديهم ، كل المحرمات التي يعرفها العالم دخلت في قاموس جديد على أيديهم ، يبدو أن المستشفيات ومجمع الشفاء بشكل خاص يشكل حساسية من نوع خاص أيضا لهؤلاء ولعقلية نتانياهو المجرم ، حساسية دفعت بإصابته بالوسواس الفلسطيني .
لا يمكن وصف الصور والمشاهد التي نقلتها الكاميرات لحالة مجمع الشفاء والجثث المحترقة والغرف المتفحمة إلا بأنها صور صادمة فوق التصور ، صادمة للوعي والوجدان والإنسانية وليس من الممكن التعامل معها بلغة الصحافة الرتيبة والمجردة من المشاعر حيث هنا تصبح الخطبة الوجدانية ضرورة مهنية أشد إلحاحا وأكثر حرفية ، جبين المستشفى المدمر والمحترق والنازف وجعا هو إدانة لكل عربي ولكل مسلم ، هو نذير لكل شيء حي على هذه الأرض بأن هذه الكائنات عاثت فسادا وشبعت كفرا ، هذا المشفى هو إدانة لكل حضارة الأرض وكل رقي البشرية ودليل على عصر الانحطاط الأعظم .
جرت عادة الزمان والأحزان أن أحدا لا يقصف المشافي إلا إن كان ساديا وعديم الشرف ، وجرت العادة أيضا أن أحدا لا يقتل المرضى ولا يُعدِم الأطباء والممرضين إلا من كان يعاني من الانقلاب عن الإنسانية نحو الوحشية ، هؤلاء دعاة الهولوكوست يقومون بابتكار نسخة محدثة وصناعة آخر تحديث من الهولوكوست الفلسطيني حتى يثبتوا للعالم أنهم على حق ، لا يقوم بالحرق والقتل والتدمير إلا من جمع الانحطاط مع النذالة الحضارية والكفر المطلق عبر التاريخ ، إنهم أعداء البشرية في كل مكان حلوا فيه وكل زمان مكثوا فيه .
ما ترونه في مشفى الشفاء هو الأماني والرؤى والهولوكوست الفلسطيني الذي يضمره أمثال نتانياهو وبن زفير وبن سترتش وحفنة المجانين الذين لا تعرفونهم ، هذا هو انعكاس ما في نفوسهم وما تخفيه أرواحهم الشيطانية ، ما جرى لمشفى الشفاء هو طقس شيطاني أوروبي لا غير ، ما جرى لمشفى الشفاء هو امنيات بايدن ورؤيته الحقيقية للحرية والديموقراطية الأمريكية وطبيعة فهمهم لهذا القسم من العالم ، هذا المشهد هو ما يريد أن يضعه المجرمون في الكابينت في اعين المجتمع المتعطش لمزيد من دماء الفلسطيني والتشفي بمزيد من عذاباتهم ونزيفهم وحرق حياتهم ، أهلا بالعرب والعالم في الهولوكوست الفلسطيني المبتكر على يد أصحاب الهولوكوست النازي .
في العقل الاسرائيلي المريض الذي كسر كل قواعد الوحشية وتعداها نحو الحيوانية العبثية يجب تدمير وحرق غرفة الولادة النسائية كي لا تلد نساء فلسطين مقاتلا أو مقاوما في المستقبل ، يجب حرق قسم الكلى عن بكرة أبيه لكي يموت الفلسطيني المصاب ألما ونزفا فهذا جزاؤه لأنه فلسطيني ، يجب تجريف القبور ونثر الجثث المتحللة شمالا ويمينا كي يفهم الفلسطيني أن الهولوكوست الخاص به غير ذلك الخاص بهم ، يجب اعتقال الطبيب والممرض والمعالج الفلسطيني كي يفهم بأن إنسانيته وعلاجه وخبرته الطبية هي إثم وخطر عليه وإدانة له ، يجب قتل كل شيء ، الأجهزة ، الأرض ، البشر ، المرضى ، المعالجين ، قَسَم الطبيب وشرف المهنة ، يجب قتل روح الفلسطيني وحتى الأمل في عينيه ، هذا هو جيش الأنذال وابناء القردة وقتلة الأطفال وجيش الأكاذيب الرخيصة المفضوحة .
التفسير الوحيد لما جرى في مشفى الشفاء هو التفسير الطبي الوحيد الذي يقدمه المشفى بنفسه بحكم أهليته وخبرته ، بشهادته وذاكرته لكل ما حصل ، المشفى بذاته هو الوحيد المؤهل لتشخيص هذه الحالة المرضية المسماة بالإصابة بأعراض الهذيان من شدة الفشل الاسرائيلي ، الإصابة بأعراض الاحباط والفشل الذريع رغما عن كل هذه الوحشية والكلف المرعبة والفضائح المدوية ، لقد فشل العدوان بكامل طواقمه وعدته وعتاده ، فشل الاجتياح البري ، فشل تحطيم أسطورة المقاومة ، فشلت مهمة اقصاء القيادات ، فشلت مهمة إغراق الانفاق ، فشلت مهمة المفاوضات ، فشلت مهمة رفح ، فشلت القبة الحديدية والقبة الفلكية، فشل كل الحلفاء البعداء والأقرباء في تحقيق وعودهم وتحقيق النخب العالي عقب الانتصار لأن معدن غزة أكثر صلابة من كل الحسابات التنبؤية التي وضعها طهاة المؤامرة وممولو الجيش الأسود ، فشلت الطائرات والجسر البحري ، فشل في الشمال وفشل في الوسط وفي الجنوب ، أليس من الطبيعي ان اعراض الجنون هي التي تفسر كل ما يجري ؟
كل المرضى توفوا يا مجمع الشفاء وكل الغرف كساها اللون الأسود الخاص ببني اسرائيل الملعونين في كل الكتب ، كل الجدران تبكي على الرحمة والشفقة والمتوجعين ، كل الأطباء يرثون الأطباء والممرضين يجرون التنفس الصناعي لأمة بأكملها ترفض أن تحيا أو تنهض من فوق السرير الاسرائيلي .
لكن لا تحزن أيها المشفى الحزين لأن زمان الخنازير أوشك على النفاذ ، فاصبر صبرا جميلا ، أبناء فلسطين واليمن ولبنان وسوريا والعراق وسائر شعوب العرب الباقية على قيد الحياة ستعيد لك اللون الأخضر وتمنح أجهزتك وطواقمك الأكسجين الحقيقي ، المقاومة البطلة ستعيد لك بلسم الحياة وتشفي كل المرضى وترفع رأس كل اليتامى والثكالى والمعذبين ، لا تحزن أيها المشفى لأن هنالك من سيعيد بناءك وتجديد الأمل وبعث الحياة فيك لكل الجرحى وكل المصابين ، لا تحزن لأنك ستحتضن ولادات جديدة لقيادات جديدة تعيد لك المجد والحرية وتبني للعرب شمسا من جديد.
*كاتب فلسطيني

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

الفشل الأمريكي الذريع في اليمن!

عبد الفتاح البنوس* تواصل الولايات المتحدة الأمريكية عدوانها الهمجي على بلادنا من خلال الغارات الجوية …