الجمعة , نوفمبر 22 2024
الرئيسية / أخبار / في حوار حافل يوثق المشهدالثقافي اليمني لعقود.. طه الحداد..على خطى الورّاقين العرب… ثقافة وكُتب ومخطوطات يمنية مهربة..

في حوار حافل يوثق المشهدالثقافي اليمني لعقود.. طه الحداد..على خطى الورّاقين العرب… ثقافة وكُتب ومخطوطات يمنية مهربة..

اليمن الحر الاخباري/احمد الشاوش*

تحدثت في مقال سابق تحت عنوان ” المشهد الثقافي اليمني والزمن الجميل للكتاب خلال التسعينات في العاصمة صنعاء وعدن وتعز والحديدة وحضرموت وعمران وغيرها من المدن اليمنية وشوارعها وارصفتها وازقتها التي تحولت الى مكاتب للبيع والشراء تحوي امهات الكتب والمراجع التاريخية القديمة والحديثة ، كما سلطنا الضوء على بعض النجوم الثقافية الساطعة التي عملت في مهنة بيع الكتب الثقافية والسياسية والدينية والتاريخية والطبية والمخطوطات وغيرها ومن بينهم البائع والمثقف ” طه الحداد ” الذي شارك في بعض المعارض الدولية والمحلية والكثير من النجوم الذين حول البسطات والارصفة الى ساحات ثقافية على غرار شارع المتنبي في دجلة ودمشق والقاهرة والمغرب وتونس وغيرها من المدن ، والذي نُشر في موقع “سام برس ” ، يوم الاحد الموافق 31 مارس 202م.

ولاهمية المشهد الثقافي اليمني ودور الكتاب بعد ان أصبحت التكنولوجيا تلعب دوراً كبيراً في المنافسة و انتاج وتوثيق وارشفة الكتاب الالكتروني على حساب الطباعة الورقية وأهمية وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت شغلت الشاغل للشباب والكبار ، وهل مازال الكتاب الورقي حاضراً أم اندثرت مهنة النساخين؟ ..

كما تطرقنا في الحديث الى عمليات بيع وشراء وتهريب الكتب والمخطوطات اليمنية النادرة في ايام الامام وايام الجمهورية الى ايطاليا وبريطانيا وايرلندا والهند وباكستان وأفغانستان وفرنسا واسبانيا وغيرها من دول الشرق والغرب من خلال ايطالي كان له دكان في صنعاء متستر ، ويمنيين في إب وتعز وجبله وغيرها وبعض العرب ، كما تطرق الى لمحة سريعة عن مراحل القراءة والنسخ والكتاب في الاسلام..

لذلك كان لنا شرف اجراء الحوار الصحفي مع المثقف الرائع والبائع الامين والشخصية المتواضعة عبدالله الحداد ، بالعاصمة صنعاء حيث قال :

* أن الكتاب مازال سلعة ثقافية رائجة في الكثير من دول العالم ، لم تستطع التكنولوجيا الحديثة القضاء على رواجه ، وحين أفسحت التكنولوجيا الحديثة المجال للكتاب الإلكتروني ، ليكون في متناول القراء بسهولة ويسر ، فإن لفظة الكتاب لم تختف ، بل ظلت حاضرة كدلالة على محتوى معرفي يسمى الكتاب … وأصبح الكتاب الإلكتروني منافسا” خطيرا”، للكتاب الورقي، وأصبحت اﻷجيال الحديثة أكثر تعلقا” بالكتاب الإلكتروني، ﻷسباب وإمتيازات عديدة توفرها التكنولوجيا للقارئ….

لكن الكتاب الورقي لازال حاضرا” بقوة في قلوب عشاق القراءة، خاصة أولئك الذين تعلقوا بالكتاب قبل مجيئ التكنولوجيا الحديثة، ولم يستطيعوا إقامة علاقة حميمة مع الكتاب الإلكتروني، كتلك التي صنعوها مع الكتاب الورقي…

وإذا كان الكتاب الإلكتروني ، قد هز عرش الكتاب الورقي ، ولم يستطع إستئصاله ، فإن الكتاب الورقي المطبوع على المطبعة الحجرية، والمطبعة الحديثة فيما بعد ، قد أستطاع القضاء على مهنة الكتاب والنساخين ، الذين كانوا يسترزقون بنسخ الكتب يدويا” ، وأستطاع الكتاب الورقي أن يجد له مكانة سريعة بين القراء، واندثر عصر الكتاب المنسوخ يدويا”، ولم تستطع مهنة النساخين الصمود أمام قوة وجبروت آلة المطبعة ، التي تطبع كمية من الكتب في وقت قياسي، بينما ناسخ الكتب يحتاج لوقت طويل حتى يتم نسخ كتاب من الكتب، وقد لعب الناسخ والوراق دورا حضاريا بارزا في الحضارة اﻹسلامية…

*وقال طه الحداد ، أن له أكثر من 30 عاماً يفترش بسطته في ركنٍ منزوٍ بحي التحرير ، معلقاً يافطة صغيرة في مدخل الزقاق: «مكتبة النهضة الأكاديمية»..

خبرة كبيرة ومعرفة بالعناوين:

كتب متفرقة على جانبي المدخل موزعة بشكل عشوائي ، بعضها يبدو أنه قد سئم وضعه منذ أشهر ، وربما منذ سنوات.. تصادف عيناك بعض العناوين لكتب وروايات ليست مكتملة، تبحث عن بقية أجزائها، فتتعب سريعاً ، إذ ربما أنك لن تجدها وسط كل ذلك الركام. لكن بمجرد أن تخبر عامل البسطة عن العنوان الذي تريده ، حتى تسارع يداه آلياً في النبش ، لتجد ما طلبته قد أصبح أمامك.

وبفراسته وذكائه أصبح يعرف رواد الثقافة والباحثين عن الكتب من خلال تردد البعض منه على بسطته، فيسارع الى بإطلاع القارئ والباحث والسياسي والمثقف على مخازن قريبة يتركك هناك لانتقاء ما يحلو للزبون ، خصوصاً إذا كان يبحث عن كتب شتى لا يستحضر الشخص المهتم عناوينها ، ولا يكون هو في وارد أن يعددها لك تاركاً عمله ومنشغلاً بك، وبالتالي يوكل إليك مهمة البحث بدلاً عنه.

كتب الأرصفة كظاهرة عالمية:

وقال طه الحداد في لمحة سريعة : ان كتب الأرصفة هي ظاهرة عالمية تعكس اهتماماً متزايداً بالكتاب، وخصوصاً الكتب القديمة؛ فمنطقة البرامكة بدمشق مثلاً، وتحديداً تحت جسر الرئيس، مكان يؤمه آلاف السوريين يومياً بحثاً عن الكتب القديمة والمستعملة. كذلك الأمر في سور الأزبكية بالقاهرة وشارع المتنبي ببغداد، وسوق أربات وسط موسكو، وغيرها الكثير من أسواق وأرصفة الكتب التي يدين لها عدد جم من المثقفين، بحيث لا يكاد هناك مثقف ولا أديب إلا ويدين لتلك الأرصفة.

انحسار مبيعات الكتب:

مؤكداً ان صنعاء كغيرها من العواصم العربية عرفت كتب الأرصفة منذ عقود ، ولعل ميدان التحرير بقلب العاصمة هو المكان الذي عرف أكثر من غيره بتلك الظاهرة، حيث تحتل بسطات الكتب مساحة على امتداد رصيف الحديقة جوار البريد الرئيسي.. وإلى جانب تلك البسطات ، التي تم رفعها مؤقتاً مع فعاليات المولد النبوي من قبل البلدية ، هناك أيضاً البسطات الثلاث لطه الحداد، وبسطة مديدة لقابوس العزعزي عند فرزة الباصات ، وتحديداً جوار ما كان يسمى سجن الرادع ، والتي يقول عاملها مهيب عقلان إن أكثر مبيعاته من الكتب يكاد ينحصر في الآونة الأخيرة بكتب ” القانون والسياسة “، بالرغم من أن تلك المبيعات انحسرت جداً مقارنة مع الفترة السابقة، وبالذات من بعد أزمة كورونا، بحسب مهيب، مضيفاً أن كثيراً من الكتب المعروضة في بسطته هي «كتب تحت التصريف ، من قبل أناس يريدون بيعها».

وأشار الى انه كان هناك رصيف كتب واسع في منطقة العرضي القريبة من باب اليمن لكنه اختفى مع “الحريق ” ، الذي ضرب المنطقة في 2013، بالإضافة إلى بسطات الكتب أمام بوابة جامعة صنعاء، وأخرى جوار وزارة الشباب والرياضة في شارع الزبيري.

كثير من الكتب تطبع محلياً بسبب الحصار
يشير قابوس العزعزي، صاحب البسطة التي بجانب فرزة الباصات، إلى نقطة هامة، وهي أن كثيراً من الكتب، خصوصاً في مجال المذهب الزيدي والفلسفة والتنمية البشرية، أصبحت تطبع محلياً بسبب الحصار؛ وذلك حرصاً على الاستفادة.

يقول فؤاد الأبيض ، وهو طيار في القوات الجوية ومدرب في التنمية البشرية ، إن استفادته كقارئ ومرتاد لهذه الأماكن كبيرة جداً ، بحيث يلقى هناك كل مبتغاه ، مؤكداً أن وجود الكتاب في المجتمع مازال يمثل وجهاً حضارياً.

دارا التقدم ورادوغا الروسيتان :

وقال طه الحداد انه في مطلع الألفية الجديدة ، حصل على صفقة كتب معظمها عن داري التقدم ورادوغا، ذات الأغلفة المتينة التي تغريك بشرائها مهما كلف الثمن. لكن الجميل أنها كانت تباع بثمن بخس، مقارنة بأسعار كتب أخرى: 100 ريال لكل نسخة، أنطون تشيخوف، مكسيم غوركي، شولوخوف… الخ.

ولفت العملون الى انه حصل عليها من مخازن في عدن بعد الوحدة ، ومايزال هناك مخازن أخرى ينتظر تهريبها من هناك «مع بائعي القات وأصحاب الخضرة». باع منها ما باع، وبقي بعضها حتى أكلت الشمس والغبار عناوينه وألوانه.

يقول فيصل طه (الابن)، ذو الـ17 عاماً، إنه مستعد الآن أن يدفع في النسخة الواحدة بدل المائة ألف وألفي ريال. فالكمية التي كانت بحوزتهم نفدت أو تكاد، والطلب زاد كثيراً على تلك الكتب بالذات.

فيصل طه يعمل منذ 5 سنوات على واحدة من بسطات والده الأربع، اثنتين متقابلتين في نفس الزقاق، وواحدة في الجهة المقابلة إلى جوار التوجيه المعنوي، والرابعة جوار بوابة جامعة صنعاء، بالإضافة إلى 5 مخازن (دكاكين مستأجرة إلى جوار البسطتين الرئيستين). يقول فيصل إن الإقبال على شراء الكتب خف إلى أقصى حد في الآونة الأخيرة نظراً للعدوان وللوضع الاقتصادي المتردي، بحيث لم يعد هناك حركة بيع رائجة في سوق الكتب.

وكنوع من الاستعراض، يأخذ فيصل في سرد عناوين لكتب يعرف أنها ستلفت انتباهك، مضيفاً أنه ليس مجرد بائع كتب ، بل مطلع جيد ، أصبح يستطيع أن يقدر أهمية وقيمة كل كتاب ، ثم يقود نظرك بإشارة من إصبعه إلى اللوحة : إننا مكتبة النهضة الأكاديمية، وكل باحث وصاحب دراسات عليا يستعين بنا ويجد عندنا من المراجع ما لا يجده عند غيرنا. أما سعر الكتب فمنخفض جداً مقارنة بسعرها في المكتبات الرسمية.

مصادرة 10 آلاف كتاب وسجن عامين :

وقال طه الحداد انه في 2013، تمت مصادرة 10 آلاف نسخة من مكتبته، بحجة أنها كتب تروج للزيدية ولآل البيت ، متهماً حزب الإصلاح وحكومة الرئيس الاسبق صالح ، مشيراً الى انهم لم يكتفوا بمصادرة الكتب ، بل أضافوا إليها عقوبة أخرى لطه الحداد بحبسه لمدة عامين في عمران.

من جانبه قال فيصل نجل طه الحداد لم اجد جواباً على سبب سجن والدي في عمران ، إلا أنه رجح أن السبب في النهاية قد يعود إلى ما كانت تمثله عمران في تلك الآونة مدينة ينتشر فيها حزب الإصلاح.

ملاحقات البلدية :

أما مضايقات البلدية لهم فلا تفتأ تتكرر من حين لآخر، بحسب فيصل ، مستدركاً ان والده عنده نفس ومُشارع كبير لمدة 6 سنوات حتى يئسوا إلا من هَبّات ومطارادات يقومون بها من حين لآخر لمنع بيع الكتب على الارصفة والازقة مما احدث لدى القراء والباحثين امتعاض من تصرفات البلدية.

عبده الجعفري :

عامل البسطة المقابلة ، يعمل منذ 7 سنوات لدى خاله طه ويبدو عليه انه شاب خجول وأكثر خبرة.. يقول عبده إن أكثر الكتب المرغوبة والتي يكثر شراؤها الذي أصبح شحيحاً هذه الأيام ، هي ” التاريخية ” ، بالدرجة الأولى ، تأتي بعدها ” الروايات “، ثم البقية.

نشتري كتب أكثر مما نبيع :

واشار الى ظاهرة أصبحت ملحوظة في الآونة الأخيرة أكثر من ذي قبل ، وهي أن شراءهم للكتب أصبح أكثر من بيعهم لها، فكثيرون يأتون لبيع كتبهم وقد تكون كتباً هامة وقيمة، فيشترونها منهم إما مباشرة أو عبر سعاة، بحيث يكادون يستغنون عن شراء أي كتب من المكتبات الرسمية. بل قد لا يكون لدى تلك المكتبات ما لديهم هم من كتب يشترونها من الناس، كما يضيف.

كتب نادرة وثقافة الجوال:

يوافقه نجيب الجلال ، الجالس باهتمام على كرسي مركون إلى الظل ، وبين يديه كتاب مصور لمخطوطة ما.. يقول نجيب إن بسطة الحداد هي أكثر الأماكن التي يرتادها ، بعيداً عن حياة التقنيات وقنوات الإعلام التي جعلت من الكثيرين ، وخصوصاً هذا الجيل ، مفرغاً لا يهتم بالقراءة ولا المطالعة ، بحيث أصبحت ثقافتهم محصورة في هاتف جوال وإنترنت.

أما سبب تردده من حين لآخر على هذا المكان ، فيرجعه نجيب إلى احتواء بسطة طه الحداد على الكتب النادرة، وعدم وجود تلك الكتب حتى في المكتبات العامة ، مضيفاً أنه حصل فيها على مجموعة من الكتب هي عنده بمثابة ثروة ، ومتأكد من أنه لن يحصل عليها في مكان آخر.. «كما أن الأسعار مناسبة هنا»،.. يقول نجيب. «حيث إن معظم الذين يريدون بيع كتبهم يتجهون إلى أصحاب الأرصفة ، وإلى هذا المكان بالتحديد باعتباره أشهر مكان ، فيتاح لي أن أحصل على عناوين مهمة جداً بالنسبة لي ، خصوصاً في التاريخ ، فاهتماماتي متركزة على هذا الجانب، وبالذات تاريخ اليمن».

الابناء يبيعون كتب آبائهم..ازمة اقتصادية :

وقال الجلال ، أما ظاهرة بيع الناس لكتبهم بشكل متزايد فيحيلها إلى الأزمة الاقتصادية الخانقة واضطرار الأسر لبيع كتبها لدى أصحاب الأرصفة، ثم إلى عدم تقدير تلك الأسر لما تملكه ، فعندما يكون الأب مثقفاً ويحرص على تكوين مكتبة في بيته ، كجزء من اهتماماته ، يأتي من بعده الأولاد باهتمامات غير اهتماماته وينظرون إلى تلك الكتب بنظرة أقل ، وبمجرد أن يُتوفى يبادرون إلى بيعها كأشياء لا تعنيهم ، غير مدركين أهميتها ولا قيمتها».

بائعو كتب مدرسية بلامعرفة :

* تتجه جنوباً إلى قلب ميدان التحرير ، حيث مازال في جدولك امتداد مهيب من أرصفة الكتب لا بد من التعريج عليها، والتعرف على أصحابها الذين يقول عنهم فيصل الحداد إن غالبيتهم بائعو كتب مدرسية لا أكثر وليسوا مطلعين أو ضليعين في مجال عملهم حتى لو تكدست من حولهم الكتب والمجلدات. فالواحد منهم، بحسب فيصل، تأتي لتسأله عن عنوان معين فيجيبك مباشرة بأنه غير موجود، فيما قد يكون الكتاب خلف رأسه مباشرة.

لم أصدق رواية الحداد الابن ، ووجدتها من باب التنافس بين بائعين ، بل ربما أنني حدثت نفسي ، وأنا على بعد خطوات من أماكنهم ، بأن العكس سيكون هو الصحيح ، وأنهم لا يقلون اطلاعاً عن ذلك الشاب المتحمس لإمكانياته.

البلدية ترفع بسطات الكتب :

المفاجأة التي لم يخبرني عنها فيصل ، والتي لا شك يعرف أنني ذاهب إليها ، هي أنه لم يعد لأولئك ولا لبسطاتهم من وجود في ذلك الامتداد الذي كان يملأ النظر.. كان المكان خالياً تماماً ، وليس ثمة من كتب إلا نزر يسير من كتب مدرسية متفرقة هنا وهناك ومركونة كما تركن قوارير البنزين في السوق السوداء.

سألت أحدهم: «أين اختفت الكتب؟»، ليجيبني مباشرة: «أي كتاب تبحث عنه وأنا أجلبه لك في الحال». اعتبرت جوابه تهرباً ، فكررت السؤال ليجيب بأنه لم يعد ثمة من بسطات ، وبأن المجلس المحلي والبلدية «كرشونا»، بحسب تعبيره ، من هنا منذ يوم المولد النبوي.

بشير الخديري يبدو واحداً من الذين لم يعودوا يأملون بعودة بسطاتهم إلى أماكنها ، على الأقل في القريب العاجل ، فيترصدون لمن يأتي سائلاً عن كتاب ما ، ليحضروه إليه من مكان ليس من المتاح معرفته كما يبدو.

اطقم المولد النبوي:

يقول بشير: «كان هناك ما لا يقل عن 8 بسطات، ثم في ليلة المولد النبوي الشريف، ودون سابق إنذار، داهمتنا 10 أطقم من المجلس المحلي لمديرية التحرير، وصادروا على كل بسطة من 5 إلى 10 شِوَالات كتب، بحجة أن البسطات تشوه المنظر والآن بدل أن تجد أمامك مشهد كتب، أصبحت تجد مشهد القراطيس والنفايات»، مضيفاً أن النبي لم يكن ليرضى بأن تعدم رزقها 30 أسرة، حيث كان على كل بسطة ما لا يقل عن 4 عمال.

مجلس محلي بلا ثقافة وارصفة لمخوني القات:

وقال ان المجلس المحلي مغلق والثقافة لا شأن لها وانه اتجه إلى مبنى المجلس المحلي لمديرية التحرير، المحاذي لمجلس النواب ، علّي أجد جواباً لما حدث ، فأجده مغلقاً. فاعتقدت أنني سأجد الإجابة المقنعة في وزارة الثقافة ، التي لا تبعد سوى القليل من الخطوات عن البسطات ، فاتجهت مسرعاً إلى هناك ، ملتقياً أول مسؤول صادفته ، ليخبرني بأنه لا علاقة لوزارة الثقافة بتلك البسطات لا من قبل ولا من بعد ، وأن أمانة العاصمة هي المسؤولة عن إزاحة بسطات الكتب عن أرصفتها بحيث أصبحت أرصفة فارغة لمخزّني القات في ساعات النهار..

يضيف آخر إلى جانبه: «صحيح أن أصحاب البسطات كانوا يلجؤون إلينا عندما تضايقهم البلدية ، فتقوم الوزارة حينها بمخاطبة أمانة العاصمة بكف الأذى عن أرصفة الكتب ، فتعود من جديد.. لكن هذه المرة يبدو أن الوزارة نفسها لم تعد في وارد أن تتحمس لتلك المبادرات نظراً لما تعيشه من وضع بائس»، قبل أن يشير بيده إلى قناديل المكتب المطفأة، ودون أن يحتاج إلى القول بأنها وزارة بلا كهرباء.

حكاية وراق…

لم يكن طه الحداد ، يدرك وهو القادم من أعماق الريف إلى العاصمة صنعاء، أن مهنة بيع الكتب، ستكون المهنة اﻷثيرة لديه، بعد أن تنقل في مهن عديدة، إلى أن استقر به الحال، في مهنة بيع الكتب في بسطة وفرشة، في منطقة التحرير، وأصبحت بسطة كتبه، وجهة للكثير من المثقفين والباحثين ، الذين يجدون عنده مايبحثون عنه، خاصة تلك الكتب القديمة والنادرة…وبجانب بسطته استأجر مخزنا” أو مخزنين، كدس فيها قرابة عشرة آلاف عنوان، في فنون ومعارف مختلفة، وفرها على مدى سنوات طويلة، خدمة للباحثين عن المعرفة… والتميز الحقيقي لطه الحداد، هو في توفيره لكتب التراث القديمة، ومجلات ودوريات كلاسيكية…أطلق طه الحداد على بسطته اسم مكتبة النهضة اﻷكاديمية، إيمانا” منه بأهمية الكتاب في صناعة نهضة الشعوب.

مكتبة تحتوي على امهات الكتب :

في مكتبته تجد شيخ المؤرخين ابن جرير الطبري يلقي على مسامع طلابه تاريخ الملوك والرسل، وفي زاوية من مكتبته تجد ابن خلدون وتاريخه المبتدأ والعبر، إلى جانب ابن مسكويه يحدث عن تجارب اﻷمم، وابن كثير يعلو صوته بأخبار البداية والنهاية، وهنا الحريري يتحف السامعين بمقاماته، والهمذاني يستعد لتسليم مقاماته للناسخين والناشرين، وابن اﻷثير قد فرغ من كتابه الكامل في التاريخ يسطر أخبار التتار في العراق ومافعلوه بالخليفة العباسي، ..

وفي زاوية أخرى من زوايا مكتبة الحداد تسرد شهرزاد حكايات السندباد لشهريار، وابن المقفع يكتب قصصا على ألسنة الحيوان، ويحاول جاهدا” أن يكون لكليلة ودمنة، ذلك الحضور القوي لحكايات ألف ليله وليله، لكنه سيخسر حضوره القوي أمام شهرزاد التي تحكي حكايات السحر والعشق والغرام، وماهي إلا لحظات يسيرة وصوت طه حسين العذب يقرأ صفحات من كتاب البيان للجاحظ، وجاء التوحيدي ومعه العقاد ليملي عليه كتابه الجديد اﻹمتاع والمؤانسة، …في مكتبة الحداد ستجد أبو العلاء المعري والبردوني والمقالح ودرويش وأدونيس، وأفلاطون وسقراط، والمسعودي، وابن بطوطه، وبنت الشاطئ، ستجد الرفوف مزدحمة بالعمالقة، كلهم يريد عرض فكره، فيتولى طه الحداد تسويق أفكارهم للجمهور…

هذه هي حكاية وراق ، مازال يؤمن بقوة الكتاب الورقي ، ومازال على قناعة تامة أن القراءة هي السبيل اﻷوحد للتطور والتقدم …هو ليس وراقاً” بالمعنى القديم ، فهو لا ينسخ الكتب ولا يجلدها ، كما كان يفعل الوراق القديم ، إنما يبيع كتباً” طبعت في المطابع الحديثة ، لكنه يستحق هذا اللقب التشريفي (وراق) ، نظير توفيره للباحثين مايحتاجونه من كتب بأسعار رمزية، تغنيهم عن الذهاب للمكتبات الكبرى ، وأسعارها التي لا تتناسب مع القدرة الشرائية للمثقف، خاصة وأغلب المحبين للثقافة والقرآءة هم الفقراء…ودمت طه الحداد، وراق الفقراء

وهنا مبحثان من مباحث التراث نهديهما للوراق طه الحداد وللقراء……
المبحث اﻷول

في سنة 854هـ/1450م؛ أخرج العالِم الألماني يوهان غوتنبرغ للناس اختراعه “المطبعة” وبقدر ما كان هذا الإنجاز فتحاً تقنيا غيّر وجه التاريخ الثقافي للعالَم؛ فإنه سجل أيضا بداية النهاية للمنظومة التي أبدعت أعظم ظاهرة ثقافية أهدتها الحضارة الإسلامية للإنسانية، وأنتجت أغنى تراث علمي عرفته البشرية حتى العصر الحديث؛ إنها ظاهرة: “الوِراقة والوراقين”.

وفيما سيأتي ؛ سندخل عالما كان -على مدار أكثر من 1000 عام- نابضا بالحيوية والإبداع ، وحافلا بالجدل والصخب الثقافي، ولا يخلو من الحقائق المدهشة والطريفة؛ لنرصد كيف دارت ماكينة إنتاج الكتاب في العالم الإسلامي، وكيف احترف مهنة نسخ الكتب علماء كبار وأمراء مشاهير وربات بيوت سعياً لتحصيل دخل يوفر لقمة العيش، وكيف شارك في هذه الصناعة ناسخون من أديان أخرى ساهموا في نشر الأعمال الإسلامية.

أمة اقرأ:

وتحدث الحداد عن لمحة تاريخية للقراءة .. بقوله جاء الإسلام وقد عرف العرب القراءة والكتابة على نطاق ضيق ، والترجمة من اللغات الأخرى في حدود أضيق؛ ولكن الدين الجديد -بما تضمنه القرآن والسنة من إشادة بالعلم والعلماء- كان من أول لحظة إيذانا بميلاد “أمة اقرأ”، التي ستملأ الأرض علما ومعارف وتشغل الناس ثقافة وآدابا.

فقد اكتمل جمع القرآن وتدوينه في خلافة أبي بكر الصديق (ت 13هـ) فكان ذلك إشارة لأهمية التدوين العلمي في حياة الأمة؛ ولكن القرن الأول بأجمعه ظل قرنا للرواية الشفهية لنصوص الإسلام (قرآنا وسنة) ولغته العربية، ولم يشهد حركة تدوين للمعارف المنبثقة منهما إلا في حالات محدودة.
ومع بزوغ شمس القرن الثاني الهجري (100-200هـ) الذي يُعرف بـ”عصر التدوين”؛ تفجرت ينابيع العلوم واكتملت دورة إنتاجها الشفهي ، فكان لا بد من استيعابها في أطر صلبة تنقلها من الصدور إلى السطور، فتحفظها من الضياع وتجعلها قابلة للتداول بين الناس والتوارث بين الأجيال.

وقد أدت فتوح الإسلام إلى الاختلاط بحضارات مغايرة ونُظم ثقافية متباينة في الملل والنِّحل في العراق وفارس والشام ومصر؛ فجرت مع أصحابها مناظرات جدلية ومثاقفات علمية، واحتِيج إلى الترجمة عن لغاتها والاقتباس من مناهجها في الحِجاج بما يعين على المغالبة الثقافية، فازدهرت سوق الترجمة وتوسعت حتى شملت آنذاك أكثر من عشر لغات، فازداد بذلك نشاط التدوين والنشر اتساعا.

وتعزز ازدهار الكتابة والتدوين بعاملين مهمين: أولهما المكانة العالية التي حازها “كتّاب الدواوين” (وزارات الدولة وإدارتها) منذ العصر الأموي وازدادت أهميتها أيام ورثتهم العباسيين؛ وثانيهما استخدام الورق في الكتابة مع مطلع العهد العباسي، ذلك الاستخدام الذي ترسخ ببناء أول مصنع للورق ببغداد أيام هارون الرشيد في سبعينيات القرن الثاني.

وبذلك عرف الناس “صناعة الكتاب” بشقيه: “الأصيل” المؤلَّف و”الدخيل” المترجَم، ثم سرعان ما أصبحت “صناعة الكتاب” صنعة من صنائع المدنية في الحضارة الإسلامية تُدعى “الوِراقة”؛ فتخصصت فيها طائفة وافرة تسمى “الوراقين” ضمت في عضويتها كافة أطياف المجتمع الفكرية والأدبية، وطوائفه الدينية والمذهبية؛ ووُضعت لها ضوابط وأعراف، وخُصصت لها أماكن وأسواق، ونشأت في فضائها فروع وتخصصات، وتحصلت منها لأصحابها أموال وثروات.

عميد الوراقين :

وقال انه من الناحية التاريخية؛ ارتبطت “الوراقة” -في بدئها ‏بوصفها مهنة- باحتراف نسخ القرآن الكريم تكسُّبًا، فقد ذكر النديم (ت 384هـ) في كتابه ‘الفهرست‘ أن الناس “كانت تكتب المصاحف بأجرة”، وكان أول من عُرف بتخصصه في ذلك عمرو بن نافع مولى عمر ‏بن الخطاب‏، لكن النديم عزا إلى المؤرخ محمد بن إسحق (ت 151هـ) أن “أول من كتب المصاحف في الصدر الأول -ويوصف بحسن الخط- خالد بن أبي الهياج”، لعمله “ورّاقا” للخليفة الوليد بن عبد الملك (ت 96هـ).
بيد أن أول من أطلِق عليه لقب “الوراق” -فاستحق بذلك علينا أن ندعوه “عميد الوراقين”- هو مطر بن طهمان (ت 129هـ) الذي اشتهر بـ”مطر الوراق”، ويقال إنه كان من موالي علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، كما أن معاصره مساور بن سوار الكوفي (ت نحو 150هـ) “كان وراقا ينسخ الكتب”. ‏‏

ومع أواسط القرن الثاني؛ انضم إلى نسخ القرآن جمعُ الحديث النبوي، وتوثيقُ فتاوى الصحابة والتابعين، وتدوينُ لغة العرب وأشعارها؛ فظهرت “مصنفات” في شتى العلوم، ومن أوائل تلك المؤلفات -مما وصل إلينا نصُّه موّثقَ النسبة- “الموطأ” للإمام مالك بن أنس، و”الرسالة” للإمام الشافعي، و”المبسوط” للإمام محمد بن الحسن الشيباني، و”الكتاب” في النحو لسيبويه الفارسي، وقاموس “العين” للفراهيدي، و”مختارات” من أشعار العرب مثل “المفضليات” و”الأصمعيات”.

وأدت كثرة طلاب العلم وازدياد انشغال العلماء بإقبالهم على التأليف إلى اتخاذ بعض الأئمة “ورّاقاً” أو ‏”كاتباً” خاصا به كما اتخذ كل شاعر “راوية” لديوانه؛ فكان مثلا حبيب بن أبي حبيب وراقا للإمام مالك (ت 179هـ)، وعُرف محمد بن سعد (ت 230هـ) بأنه “كاتب ‏‏الواقدي” المؤرخ (ت 207هـ).‏
وقد انتشرت لاحقا عادةٌ عمّت جميعَ طبقات العلماء والأدباء بل وحتى الخلفاء والأمراء، وهي اعتماد وراقِين محددين ‏كما يعتمد المؤلفون الكبار في عصرنا ناشرا معينا لطباعة كتبهم. فقد كان محمد بن أبي حاتم وراقا للإمام البخاري (ت 256هـ)، وأحمد بن محمد النِّباجي وراقا للإمام يحيى بن معين (ت 233هـ). وورد أن الخليفة العباسي المعتمد (ت 284هـ) “كان له وراق يَكتب شعره بماء الذهب”.

وأوضح الحداد انه قد يكون لبعضهم وراقان كما كان للواقدي ولأبي عُبيد القاسم بن سلام مؤلف كتاب “الأموال” (ت 224هـ)، ولأبي داود (ت 275هـ) صاحب “السنن” وراقان أحدهما ببغداد والثاني بالبصرة، وللجاحظ (ت 255هـ) وراقان: أبو القاسم عبد الوهاب بن عيسى وأبو يحيى زكريا بن يحيى.

تألق وازدهار :

وتابع الحداد ، انه بحلول نهاية القرن الثاني؛ كانت “صناعة الوِراقة” -بتعبير ابن خلدون (ت 808هـ)- قد بلغت شأواً بعيدا في الانتشار وسلكت طريقها نحو الازدهار في القرن الثالث ، بحيث تحددت فروعها بأنها شاملة “للانتساخ والتصحيح والتجليد وسائر الأمور الكُتبية والدّواوين” مثل بيع الورق والقراطيس، وصارت لهم “دكاكين” تضمها “أسواق الوراقين” التي “اختصّت بـها الأمصار العظيمة العمران”. وبعضهم عمل في مكتبات الدولة مثل “بيت الحكمة” ببغداد، و”دار العلم” بالقاهرة، و”خزانة العلوم” بقرطبة.

وقبل ابن خلدون بأربعة قرون؛ حدد أبو حيان التوحيدي (ت بعد 400هـ) -في رسالة لأحد أصدقائه- بعض أدوات صنعة الوراقة ومشمولاتها الداخلة في عمل الناسخين المجوِّدين؛ فذكر منها “الحبر والورق والجلد والقراءة والمقابلة ‏والتصحيح”.‏ على أنه في عصور انحطاط الوراقة صار معروفا أن “غالب من يكون خطه حسنا لا يخلو عن الجهل”.

وقال الحداد .. يكفي أن نتذكر أن الجاحظ -حسبما رواه صديقه الشاعر أبو هفّان العبدي (ت 257هـ)- كان “يكتري دكاكين الوراقين ويبيت فيها للنظر”. ووصف الرحالة المقدسي البشاري (ت 380) أهلَ الأندلس بأنهم “أحذق الناس في الوراقة”، فراجت ببلادهم سوقها لما كان لهم بها من شغف واحتفال، حتى إن القاضي والوزير القرطبي أبا المطرف ابن فطيس (ت 402هـ) اتخذ “ستة وراقين دائمين” ينسخون له الكتب.

وقد عمل في هذه المهنة آلاف الوراقين من الرجال والنساء، ومن جميع طبقات المجتمع من كبار العلماء والأدباء وأبناء الملوك السابقين -بل والأمراء- إلى الموالي والأرقاء. فمن مشاهير العلماء الذين عملوا وراقين تكسُّبا: الإمام أحمد بن حنبل (ت 241هـ) الذي كان “ينسخ الكتب للناس بأجرة” ليسدّ فاقته أيام طلبه العلم، والإمام النحوي القاضي المعتزلي أبو سعيد السيرافي (ت 368هـ) كان “ينسخ الكتب بالأجرة ويعيش منها”.

وعُرف إمام الحنابلة في زمنه ابن مروان البغدادي (ت 403هـ) بـ”الوراق” ‏لأنه كان “ينسخ الكتب ويقتات من أجرتها”، متعففا عن هدايا السلاطين. وورد أن الإمام أبا حامد الغزالي (ت 505هـ) “كان ينسخ الكتب والمصاحف.. ويبيعها”.

ومن الأمراء الذين “احترفوا” الوراقة -وهم في السلطة- السلطانُ الشهيد نور الدين زنكي (ت 569هـ) الذي كان “يأكل من عمل يده فكان …. ينسخ الكتب”. ومن أبناء الملوك الأمير شرف الدولة يحيى بن المعتمد بن عباد الذي مارس نسخ الكتب -بعد زوال سلطان عائلته بإشبيلية- ووُصف بأنه “مثابر على نسخ الدواوين”. ووصلتنا أجزاء من نسخة “الموطأ” التي كتبها لسلطان المرابطين علي بن يوسف بن تاشفين (ت 537هـ)

المخطوطات اليمنية..تعرضت للنهب والاحراق..

قال الحداد في حديثة عن المخطوطات اليمنية ، انه تعرضت كسائر – المخطوطات العربية والإسلامية – لأعمال النهب والسرقة والإحراق والإتلاف والتحريف والشطب، والقليل منها نجا من ذلك ، مشيراً الى ان المخطوطات لها أهمية خاصة عند العلماء والباحثين ، لا تقل عن أهمية الآثار والنقوش ، وربما زادت أهمية للمخطوطات – عندهم – على الآثار، وذلك لأن الأثر أو النقش – يحكي في صمت عن مرحلة وحقبة معينة من التاريخ، بينما المخطوط يحكي – ويكاد ينطق – عن مراحل وأزمنة مختلفة، ناهيك عن ما تحويه المخطوطات من علوم ومعارف تذكرنا بما وصل إليه الآباء والأجداد من مكانة علمية رفيعة..

تاجر ايطالي بصنعاء يهرب المخطوطات :

وقال الحداد .. من هنا أود التوقف مع بدايات رحلة – المخطوط اليمني – وخروجه من البلاد، وتنقله بين مكتبات العالم المختلفة، لنقف على الحقيقة ونلمس عن قرب بداية المأساة التي صنع أول خيوطها التاجر الإيطالي “جوزيف” الذي عاش في صنعاء – أيام حكم الإمام يحيى- وعنه يحدثنا الأستاذ عصام محمد الشنطي فيقول :”وذكر المنجد قصة ذلك التاجر الإيطالي في صنعاء الذي كان يبيع للناس الأقمشة والمواد الغذائية ويطلب مقابلها مخطوطات، فاستطاع أن يجمع ما يقرب من 6000 آلاف مخطوطة حملها معه هدية إلى مكتبة الفاتيكان ، ومن ثم أهدتها هذه المكتبة إلى مكتبة أمبروزيانا”، وتعرض مؤرخ اليمن الكبير العلامة/ إسماعيل بن علي الأكوع لشخصية جوزيف أثناء حديثه عن الإمام يحيى، حيث يقول:” فمن ذلك أنه – أي الإمام يحيى – كان على صلة قوية بالبقال الإيطالي جوزيف “يوسف” كابروتي الذي كان له بقاله في سوق الملح في أعلى صنعاء، ليخفي نشاطه السياسي كعملية للمخابرات الاستعمارية ضد الدولة العثمانية، وكان موجوداً في صنعاء خلال السنوات 1323،1322،1321،1320هـ تقريباً الموافق سنة 1902-1905م تقريباً، وخلال وجوده في صنعاء اقتنى مجموعة كبيرة من المخطوطات والآثار”.

وكان لا بد لهذا الإيطالي من واسطة، يقول القاضي إسماعيل الأكوع ، متمماً لما سبق:”اشترى ما اشتراه من المخطوطات بواسطة الوراق ” أحمد مصلح السكري ” ، وقد باعها إلى مكتبة دير الأمبروزيانا ، في مدينة ميلانو بإيطاليا بواسطة المستشرق أو جينو غريفيني سنة 1923م، وعددها 1610″
وذكر هذه القصة كذلك الدكتور صلاح الدين المنجد – الذي نقل عنه الشنطي ما تقدم إلا أنه جعل عدد المخطوطات التي هربها” جوزيف” ستة آلاف مخطوطة، ولا ندري من أين استقى هذا الرقم في كتاب :”فهرست المخطوطات العربية بمكتبة الأمبروزيانا” حيث قال:”المجموعة الجديدة، وقد دخلت المكتبة في أوائل القرن العشرين، ويبلغ عددها 180 مخطوطاً جمعت من اليمن، وأهداها إلى المكتبة سنة 1914م السيناتور الإيطالي LUCA1BELTRAMI ثم أضيف إلى المجموعة الجديدة في عام 1919م قسم جديد يبلغ عدده 1610، وكان هذا القسم قد جمعه تاجر إيطالي عاش في صنعاء ثلاث سنين”1910-1913م”، ونقله إلى إيطاليا، ثم أهدي إلى الامبروزيانا عام 1919م في عيدها المئوي الثالث”، وجوزيف جزء من حركة الاستشراق والاستعمار الغربي للبلدان العربية، والتي أسهمت كما يقول الدكتور مجبل المالكي:”في تسرب مجاميع كبيرة من المخطوطات اليمنية لتستقر في المتاحف والمكتبات الكبرى في أرجاء مختلفة من العالم.

وقال : فعلى سبيل المثال تحتوي مكتبة الأمبروزيانا بميلا نوفي إيطاليا على ما يقرب من 7000 مخطوط من التراث اليمني مما كتب عن اليمن أو خطه مؤلفون يمنيون، كما توجد مخطوطات كثيرة في مكتبة الأسكوريال بأسبانيا، والمكتبة الوطنية في باريس ، والمكتبة السليمانية في استانبول ، ومكتبة برلين ، ومكتبات بريطانيا وايرلندا والهند وباكستان وأفغانستان”.

ويواصل كلامه قائلاً:” وكان جريفيني الإيطالي قد اقنع كابروتي التاجر الإيطالي ببيع مخطوطاته اليمانية وعددها”160″ وقد اشترتها منه مكتبة ميلانو ولا زالت مكتبة الأمبروزيانا تحتفظ بتلك المخطوطات التي صنفها جريفيني”، وذكر كذلك المستشرق R.B. SERJEANT والذي بدأ برحلاته لليمن سنة 1940م وقد نجح في حمل عشرات المخطوطات اليمانية، ومازلنا مع المالكي الذي يذكر أن مكتبة فينا الوطنية تضم المئات من المخطوطات العربية النفيسة، و205 مخطوطاً من مؤلفات الزيديين جمعها جلازر من اليمن والذي سبق وأن باع 246 مخطوطاً للمكتبة الملكية ببرلين عام 1877م و250 مخطوطاً باعها للمتحف البريطاني كلها من التراث اليمني.

نوادر الكتب تُباع لجامعة الامام محمد بن سعود:

وممن اشتهر بجمع المخطوطات اليمنية وبيعها العلامة مشرف بن عبد الكريم المحرابي ، الذي يحدثنا عنه القاضي/ إسماعيل الأكوع فيقول” جمع ثروة كثيرة من المخطوطات وفيها نوادر لا مثيل لها، وهو ميسر لاقتنائها بيسر وسهولة، فقد كان مسلطاً على كثير من بيوت العلم في جبلة وإب وتعز وكثيرٍ من مدن تهامة.. باع عدداً من نوادرها إلى مكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وربما إلى غيرها ، ولديه مشروع يسعى إلى تنفيذه وهو تصوير المخطوطات لفاكسميل لبيعها والاحتفاظ بالأصول ، وكنت قد عرضت عليه أن أجعله وكيلاً للهيئة العامة للآثار ودور الكتب لشؤون المخطوطات لنستغل موهبته في سرعة اقتناص الكتب لشرائها لدار المخطوطات قبل أن تتلف أو تباع فتنتقل إلى خارج اليمن، فوعدني بأنه سيرد علي بالموافقة ، ولكنه لم يفعل.

كتب آل المجاهد والمتوكل :

وقد آلت لهذا الرجل أكثر كتب علماء بني المجاهد ومكتبة حاكم جبلة علي بن الحسين بن المتوكل، وأحمد بن إسماعيل بن المتوكل وأحمد بن محسن بن المتوكل وغيرهم بالشراء من ورثتهم بأرخص الأثمان لجهلهم بقيمتها وحاجتهم للمال.

وقال ولا ننسى العلامة حسين السبيعي الذي رحل إلى الهند كما يقول المؤرخ/ إسماعيل الأكوع وأقام عند ملك بهوبال محمد بن صديق بن حسن القنوجي ، وكان يجلب له الكتب النفيسة من اليمن، ومنها بعض كتب الإمام البدر محمد بن إسماعيل الأمير،وبعض كتب الإمام شيخ الإسلام الشوكاني وغيرهما، وقد انتحل محمد بن صديق كثيراً منها، ونسبها إلى نفسه ونشرها باسمه.

كتب اليمن في مكتبة العبيكان بالرياض:

ومن المكتبات التي احتوت على نفائس من المخطوطان اليمنية مكتبة العبيكان في الرياض وقد زارها القاضي/ إسماعيل الأكوع فقال:”ولم أنس أن أزور مكتبة الشيخ محمد بن عبدالرحمن العبيكان في الرياض ، وقد جمعها كلها من اليمن حينما كان ” سفيراً للمملكة العربية السعودية ” ، فيها في عهد ما قبل الثورة في اليمن ، وفيها من نفائس المخطوطات شيء كثير، وجمع كذلك تحفاً كثيرة من الآثار اليمانية النادرة”، أخيراً هذا ما توقفت عليه من القصص التي تحكي بداية المأساة” لمخطوطاتنا التراثية”.

مسلسل تهريب الكتب :

وأشار الى انه ، مازال مسلسل تهريب المخطوطات مستمراً، وإن كان هؤلاء الذين ذكرتهم قد أودعوا المخطوطات التي استولوا عليها مكتبات عالمية ، فإن نفراً آخرين قد تعرضت ” المخطوطات التي بحوزتهم” للإتلاف والتمزق والضياع.. وصارت في عداد المجهول..

الحداد ” يطالب بـ”3.000″ كتاب أخذتها البلدية :

وخلال الحوار الهام الذي اجريناه مع الاخ طه الحداد ، ناشد المواطن/ طه نعمان الحداد ، وزير الدولة أمين العاصمة بالتوجيه إلى الجهة المعنية بمديرية صنعاء القديمة بإعادة كتبه التي أخذها موظفو البلدية بالمديرية المذكورة ـ بائع كتب متنوعة ولديه مكتبة كبيرة في التحرير ـ فإن عمال وموظفي بلدية صنعاء القديمة قاموا بمصادرة أكثر من “3.000” عنوان بعد مشاركته في المعرض الأخير الذي أقيم في ميدان التحرير والذي أقامته مكتبة الجيل الجديد بمشاركة الكثير من المساهمين.

وأضاف “الحداد” أن معرضه الدائم في ميدان التحرير يعمل على خدمة المجتمع بما يقدمه لكافة شرائحه من الكتب والمراجع القيمة والنادرة بأسعار زهيدة، كما يعمل على السماح للباحثين وطلاب الجامعات بأخذ المراجع القديمة والنادرة لتصويرها بغرض مساعدتهم، كونهم باحثين ومن الواجب تقديم المساعدة لهم.

ورغم أن كافة أهالي الحي في صنعاء القديمة لا يمانعون أبداً في إقامة معرض ومكتبة “الحداء” ، كونها لا تشكل أي إزعاج أو ضرر عليهم، بل على العكس يفضلون بقائها باعتبارهم أكبر المستفيدين منها.

مصادرة كتب وتوجيهات لم تنفذ :

كما شكى الحداد من مضايقات كثيرة أصبح يتعرض لها في الآونة الأخيرة ، كان آخرها استحداث قوائم حديدية على الرصيف الذي يعرض فيه كتبه ، الأمر الذي ألحق بمكتبته أضراراً كبيرو وقد وجه أمين عام المجلس المحلي مكتب الأشغال ومدير المنطقة بسرعة إزالة الضرر ، لكن شيئاً من هذا لم يحدث ، ناهيك عن 3000 عنوان تم أخذها من قبل رجال البلدية ولم يتم إرجاعها إليه حتى اليوم رغم التوجيهات الصريحة التي تلزم من أخذها بسرعة ردها ، من ايام امين العاصمة السابق عبدالرحمن الاكوع مروراً بالكحلاني والامين الحالي حمود عباد والذي مايزال على امل اعادة كتبه القيمة أو التعويض العادل .

نحن في صحيفة ” سام برس ” ، نناشد أمين العاصمة حمود عباد وكافة المؤسسات الثقافية اعادة ماتم مصادرته من الكتب البائع والمثقف طه الحداد وتشجيعهم للثقافة والمثقف الذي يقع على كاهله وتنوير المجتمع ـ إنصاف “الحداد” الذي ليس له من ذنب سوى أنه نذر نفسه منذ نعومة أظفاره لنشر الثقافة والعلوم في المجتمع، كما نأمل من أمين العاصمة توجيه الجهات المعنية بسرعة حل قضيته التي أخذت منه الكثير من الوقت والمال والجهد من باب العدالة والانصاف.
“نقلا عن سام برس”

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

مجاهدو القسام يجهزون على 15 جنديا صهيونيا من المسافة صفر ببيت لاهيا

اليمن الحر الاخباري/متابعات أعلنت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الاسلامية “حماس”، مساء اليوم الخميس، …