د. حسناء نصر الحسين*
يستمر الكيان الاسرائيلي بممارساته الإرهابية ضد الشعب الفلسطيني ويتنقل في تنفيذ مجازره من بقعة إلى أخرى ومن قطاع لآخر ، وكأن الشهور الثمانية على سفك دماء النساء والأطفال لم تشبع رغباته المتوحشة المتعطشة لشرب دماء أبناء النضال ، في سابقة خطيرة لم يعرف لها العالم الحديث بكل ما استقر عليه من مبادئ وقواعد تحرم وتجرم هذا النوع من الحروب .
ولما كان النضال المسلح حق مشروع للشعوب الواقعة تحت سلطة الاستعمار بما تضمنه القوانين الدولية التي استقر عليها هذا العالم ، وجدت أسياده الثغرات الموجودة في معظم القوانين لتدخل من خلالها للعب بهذا الحق في محاولة منها لقلب المعايير بل ونسفها من خلال التعامل مع أبطال النضال والتحرر من هيمنة الاستعمار المتمثل بالكيان الاسرائيلي الدخيل على الجسد الفلسطيني كما جسد الأمة برمتها على أنها جماعات إرهابية وبذا تشرعن القوة العظمى المسيطرة على القرار الدولي بكل ما تمتلكه من قوة تصفية المقاومة بل والشعب .
قرابة الثمانين عاما والشعب الفلسطيني يعاني من الاحتلال وخلال هذه العقود الطويلة تعرض لمختلف انواع التصفية ولعل العنصرية التي تعد أبرز السمات لهذا الكيان كانت ومازالت هي السمة التي عانى ومازال الشعب الفلسطيني يعاني منها وعقدة تميز العنصرية التلمودية مازالت حاضرة في فكر أسياد الكيان خلال هذه العقود الطويلة .
سعت الولايات المتحدة الأمريكية ومعها الغرب المتصهين ومن يدور في فلكهما من اعراب أصبحوا أغرابا عن هذه القضية التي تمثل جوهر القضايا العربية التي تعاني منها ومن تبعاتها الشعوب العربية والإسلامية، لتفكيك العناصر القانونية الثلاثة التي بموجب توفرها يتم الاعتراف بها في المنظمات الدولية بأنها دولة كاملة السيادة وغياب أحد هذه الأركان يؤدي إلى التعامل مع هذه الدولة على أنها دولة ناقصة السيادة وهذا بالتالي ينعكس على وضعها الدولي وهذه الأركان الثلاثة المتمثلة بالأرض والشعب والسلطة هي الأركان التي يتم التعامل مع الدول على أساسها .
وبالنظر للقضية الفلسطينية لابد من أن ننظر لما يجري في غزة خلال الاشهر الطويلة الماضية بل والعقود الماضية ما هو الا استكمال المشروع الأمريكي الغربي الصهيوني هدفه تفكيك هذه الأركان وبالتالي نسف حق الشعب الفلسطيني في المطالبة بحقوقه المشروعة التي منحته اياها القوانين الدولية فتمثل السعي الأمريكي في دعم إسرائيل لقضم مساحات كبيرة من أرض فلسطين التاريخية من خلال الحروب الهمجية وبناء المستوطنات ومنح الأراضي والمنازل الفلسطينية للمستوطنين ، وفي هذه الخطوة تكون أمريكا في طريقها لنسف ركن من أركان الدولة الذي يتيح للشعب الفلسطيني المطالبة بحقوقه في المنظمات الدولية .
وأما عن الركن الثاني المتمثل بالشعب وبالنظر إلى حرب الابادة الجماعية التي يمارسها الكيان بضوء أخضر أمريكي ومباركة غربية وصمت عربي الهدف منها قتل اكبر عدد ممكن من أبناء فلسطين وتهجيره مجبرا تحت آلة القتل الممنهج وما المحاولات الكثيرة لأمريكا وإسرائيل بإلغاء حق العودة للشعب الفلسطيني الا خير دليل على هذا المشروع واليوم يستكمل من خلال هذه الحرب الظالمة بهدف القضاء على الركن الثاني من أركان الدولة .
اما بالنسبة للركن الثالث المتمثل بالسلطة عمدت أمريكا وإسرائيل ومنذ احتلال فلسطين على اتباع سياسة فرق تسد بين أبناء الشعب الواحد والذي يجمعهم مصير مشترك وأتت بحكومة فلسطينية ضعيفة تابعة للكيان وملزمة بموجب اتفاقيات أمنية مع هذا الكيان اللقيط بالتعاون الأمني ضد أبناء الشعب الفلسطيني وبالتالي كانت السلطة ضعيفة وعميلة ولا تمثل الشارع الفلسطيني المقاوم فكانت هذه السلطة ناقصة كونها اشتغل عليها أمريكيا الا تكون سلطة للشعب بل عليه وهذا ما جعل فلسطين حتى يومنا هذا مازالت تحت الوصاية ولم تنال استقلاليتها من خلال هذه المؤامرة الكبرى والذي تعد منظمة الأمم المتحدة الشريك الأساسي فيها وبعدها مباشرة جامعة الدول العربية التي كانت فكرة إنشائها بريطانية بحتة.
لتبقى القضية الفلسطينية جرح نازف في هذا الجسد العربي المتآكل بفعل العمالة لمصالح شخصية لبعض الزعماء.
أمام هذه المؤامرة التي مازال يعاني منها الشعب الفلسطيني البطل والذي بصموده يفشل المشروع الأمريكي الصهيوني بتصفية حقوقه من خلال تصفية أركان الدولة الأساسية ولا ننسى في هذا المقام مصالح أمريكا في منطقة الشرق الأوسط وأهمية الحفاظ على ذراعها الأيمن في هذه المنطقة المتمثل بالكيان ، وهنا تأتي أهمية الدم الفلسطيني ومقاومته وحالة الصمود الكبيرة رغم حجم الآلام لنقول أن هذا العمل المقاوم يقضي على أكبر مشروع تصفية للشعب الفلسطيني ومن خلال هذه الحالة الفلسطينية من الصبر وتمسكهم بأراضهم وجلوسهم فوق الركام احيوا حقوقهم المسلوبة على مستوى الرأي العام العالمي الذي يطالب بالحرية لفلسطين وبالأراضي الفلسطينية الممتدة من البحر إلى النهر ، ويبصق إسرائيل وهذا ما جعل أمريكا والغرب يطالبوا بحل الدولتين وهذه المطالبة هي جوهر فشل المشروع الأمريكي الغربي الصهيوني ودفنه في عقر داره .
وفي الختام ونحن على مقربة من اجتماع القمة العربية لابد من أن تحذوا جامعة الدول العربية حذو طلاب الجامعات الأمريكية الغربية وان تمثل الضمير العربي للشعب العربي ولابد أن تكون هذه الحكومات تمثل هذا الضمير وان تتلقف المتغيرات الدولية والإقليمية لتعقد هذه القمة بقضية مشرفة تعيد للجامعة العربية كرامتها من خلال اعتماد القضية الفلسطينية كعنوان أبرز وأكبر وأهم العناوين المدرجة على جدول أعمالها ويجب أن تنعكس هذه القمة بنتائجها بشكل إيجابي بما يضمن وقف آلة القتل الإسرائيلية بحق أبناء شعبنا في فلسطين المحتلة وتجريم الكيان بكل قطرة دم عمل جاهدا على سفكها والعمل الجاد على الحفاظ على أركان الدولة الفلسطينية ومنعه من الانهيار لتبقى القضية الفلسطينية حية كما هي اليوم في الضمير والوجدان العالمي.
*كاتبة سورية وباحثة في العلاقات الدولية
شاهد أيضاً
كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!
محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …