د.رجب السقيري*
إضافة إلى ما تلقته قواتها العسكرية من نكسات متوالية نتيجةً لكمائن المقاومة الباسلة بما في ذلك كمين يوم أمس السبت الذي أوقع قتلى وجرحى وأضاف أسرى جدداً إلى من هم في حوزة المقاومة ، وإضافة أيضاً إلى المظاهرات والاحتجاجات غير المسبوقة التي يشهدها العالم ضد ما ترتكبه إسرائيل من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة ، تلقت حكومة نتنياهو خلال الأسبوع المنصرم ثلاث صفعات دبلوماسية وقانونية أفقدتها توازنها وأدت إلى اكتمال عزلتها الدولية مما جعلها تغرق في حالة من الإرباك وتفاقم الخلافات بين أعضائها واشتداد أوار الاحتجاجات الداخلية والخارجية ضدها ، بل وانتقالها دولياً وبشكلٍ غير مسبوق إلى مصاف الدول المارقة الخارجة عن القانون الدولي .
كانت الصفعة الأولى لتلك الحكومة اليمينية المتطرفة عندما أعلن السيد كريم خان مدعي عام محكمة الجنايات الدولية International Criminal Court في لاهاي يوم الإثنين الماضي أنه قد تقدم بطلبٍ إلى قضاة المحكمة لإصدار مذكرات اعتقال بحق كلٍ من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يواف غالانت . ورغم أن مذكرات الاعتقال المزمع إصدارها قد شملت أيضاً ثلاثة من قادة المقاومة ، في محاولة لإضفاء نوعٍ من التوازن على قرارات المحكمة ، إلا أن ذلك لم يخفف من الأثر المدمر لهذه الانتكاسة التي ألمت بالحكومة الإسرائيلية وأظهرت فشلها الذريع مما جعلها تستعين بحلفائها الغربيين لاسيما الولايات المتحدة حيث وجه عدد من أعضاء الكونغرس تهديدات للمحكمة وقضاتها . إضافة إلى ذلك فقد أفاد كريم خان في مقابلةٍ له مع CNN أنه قد تلقى تهديدات من مجهولين إضافة لاتهامات له وللمحكمة بمعاداة السامية ، علماً بأن لا الولايات المتحدة ولا إسرائيل من ضمن الدول الموقعة على نظام روما الأساسي لهذه المحكمة ، أما فلسطين فقد قبلت عضويتها منذ عام 2015 .
جدير بالذكر أن الولايات المتحدة التي كانت تشجع الدول الأخرى على الانضمام إلى المحكمة قد استنكفت هي نفسها عن الانضمام ، بل لقد استصدرت واشنطن بعد إنشاء المحكمة قانوناً لحماية العاملين في حكومتها من مدنيين وعسكريين من المسؤولية القانونية أمام المحكمة ، وبناءً عليه فقد مارست ضغوطاً وعقدت اتفاقيات ثنائية مع العديد من الدول الموقعة على نظام روما الأساسي لضمان إعفاء الأمريكيين من أية مسؤوليات قانونية أمام المحكمة .
أما الصفعة الثانية التي تلقتها حكومة نتنياهو خلال الأسبوع الماضي فكانت إعلان ثلاث دول أوروبية غربية كانت تعتبر من حلفاء إسرائيل وهي إسبانيا وإيرلندا والنرويج اعترافها بدولة فلسطين ، علماً بأن دولاً أخرى من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بما فيها مالطا وسلوفينيا وربما بلجيكا تتأهب أن تحذو حذو الدول الثلاث وتعترف بالدولة الفلسطينية . لا شك أن ما حظيت به فلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة من تأييد 143 دولة لمنحها العضوية الكاملة في الأمم المتحدة قد شجع الدول الثلاث المذكورة على اتخاذ هذه الخطوة ، طبعاً إضافة إلى ما كانت قد حظيت به فلسطين من تأييد مجلس الأمن لولا أن الفيتو الأمريكي كان بالمرصاد لإحباط ذلك . وهنا لابد من ملاحظة أن عزلة إسرائيل في المجتمع الدولي قد بدأت تنتقل إلى واشنطن التي أصبحت تقف وحيدةً في دعمها لتل أبيب وأنفض عنها أقرب حلفائها وبدأوا يتخذون مواقف مستقلة عن الموقف الأمريكي .
الصفعة الثالثة التي تلقاها نتنياهو وحكومته يوم أمس الأول الجمعة تمثلت في القرار الذي اتخذته محكمة العدل الدولية في لاهاي بناءً على طلب دولة جنوب أفريقيا ، والذي يأمر إسرائيل بوقف أعمالها العدوانية في رفح فوراً وإيصال مواد الإغاثة والمساعدات الإنسانية إلى مناطق غزة كافةً والسماح للجنة التحقيق الخاصة بالمحكمة للبدء في أعمالها داخل قطاع غزة . ولعل أهمية هذا القرار تكمن أولاً في أنه اتخذ بشبه إجماع من القضاة ، أي بأغلبية 13 قاضياً من القضاة الدوليين الخمسة عشر ، حيث لم يصوت ضده سوى القاضي الإسرائيلي والقاضية الأوغندية (التي سبق أن تبرأت حكومة بلادها منها) . ومع أن قرار المحكمة ملزم لكنها لا تملك آليةً لتنفيذه والمتوقع أن يدعو وفد الجزائر العضو العربي في مجلس الأمن إلى عقد جلسة للمجلس بهدف اتخاذ قرار ملزم لتنفيذ قرار المحكمة . ولكن كما هو متوقع دائماً يخشى من استخدام الولايات المتحدة لحق النقض (الفيتو) وفي هذه الحالة سوف تمر واشنطن بأحلك ظرفٍ دبلوماسي سيزيد من عزلتها ومن امتهانها للقوانين الدولية وسيؤكد لحلفائها وللعالم أجمع سياستها المتمثلة في الكيل بمكيالين عندما يتعلق الأمر بحليفتها المدللة .
أما إذا قررت الإدارة الأمريكية أن تشرب حليب السباع وتمرر قراراً ملزماً في مجلس الأمن يطلب من إسرائيل التنفيذ الفوري لقرار المحكمة واستمر مع ذلك رفض تل أبيب للتنفيذ فلا يتبقى من حل لهذه المعضلة سوى فرض عقوبات مشددة على إسرائيل ، ولكن موقفاً كهذا من واشنطن يبدو بعيد المنال . والله من وراء القصد .
*دبلوماسي اممي سابق وباحث في العلاقات الدولية والدراسات الدبلوماسية
شاهد أيضاً
كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!
محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …