عدنان نصار*
لا صوت يعلو على صوت غزة الآن ..ولا مديح يتجاوز مديح غزة ..ولا إعلام يتقدم دون خبر رئيسي عن غزة الآن.
أقول ذلك؛ لسببين: الثاني منهما الإعلام التفاعلي الذي يفرض وجوده الآن بقوة، قد تخطى حاجز المحليات، وقفز خارج أسوار الوطن المحلي، إلى وطن عربي، وعالم متسع بفضاءاته دون قيود ..إعلام تفاعلي في تقديري ، عمل على قلب معادلة الإعلام التقليدي في نقل المحتوى للمتلقي، وهو بذلك يقفز، اي الاعلام التفاعلي بكل تفرعاته ومسمياته إلى مديات وفضاء من الصعب جدا السيطرة عليه أو “تكميمه” او “فرملته”.. بل ذهب الإعلام التفاعلي إلى التشبيك والشراكة الحقيقية مع جموع الناس في مختلف جغرافياتهم المحلية والعربية والعالمية، وخلق حالة جديدة من التشبيك التفاعلي الجماهيري المباشر دون اللجوء إذونات مسبقة ، أو موافقة مسبقة.. وطبيعة المحتوى الإعلامي هو الذي يفرض جماهيرته ، ويجيب على أسئلة، ربما كانت حتى وقت قريب ينسحب عليها “ممنوع من النشر” .!
وشكل السبب الأول وهو المهم في تقديري ، أحد أبرز عوامل سيرة ومسيرة النجاح ، وينمثل في: تغلب الوعي الجماهيري وارتفاع ذائقته ، على الكثير من أصناف المحتوى الإعلامي الهابط.. وهذا شكل قفزة في إنتاج وعي جديد ، وشكل مختلف من التشبيك الجاد والملتزم على كافة الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والترفيهية أيضا.
وأثبت الإعلام التفاعلي قدرته الفائقة بعد (طوفان الاقصى) على إعادة ترسيم وترسيخ القضية الفلسطينية ووضعها في الصدارة العالمية جماهيريا ، عبر إستخدام “السوشيال ميديا” بكل تفرعاته ، مما أعطى الزخم الجماهيري للقضية بشكل مواز لفضائيات ملتزمة بدورها الإعلامي المحترم الذي أيضا يحترم ذكاء الجمهور المتلقي ..وربما ، غير الإعلام التفاعلي قواعد اللعبة الإعلامية التقليدية ، و”أجبر” فضائيات محددة على تغيير جزء من سياستها الإعلامية كإستحابة طبيعية لمتغيرات قواعد اللعبة.
ثمة حكومات غربية وعربية، سقطت في الإختبار بفضل وفعل الإعلام التفاعلي، ودفع الإعلام ذاته إلى تغيير “سياسات” أحيانا، وفضح سياسات أخرى لدول وقفت إلى جانب الزيف عبر محاولات الخديعة الإعلامية التي كشفها الجمهور الواعي، بأسلوب الفعل المضاد لتلك الفضائيات الزائفة وكشفها وفضحها لدرجة وصلت حد مقاطعتها جماهيريا.
إعلام غزة بكل تواضع إمكانياته ، وتقنياته أبهر العالم بإعلامه التفاعلي ، عبر بثه لأخبار التصدي للعدوان الاسرائيلي الهمجي على قطاع غزة، وفضح إعلام غزة (المقاومة الفلسطينية) كل ممارسات الاحتلال الاسرائيلي البشعة وجرائمة التي ارتكبها بحق الإنسانية والابرياء والاطفال والنساء .
وأظن ، ان إعلام المقاومة لعب دورا فاعلا ، وتمكن من قلب موازين الإعلام “الرسمي” عند دول، وفرض قوة وصدقية الإعلام التفاعلي الذي تبثه المقاومة عقب كل عملية مقاومة ..، بالمناسبة ، حتى الأطفال من هم دون سن الثانية عشر التحقوا بهذا الإعلام التفاعلي بشكل مدهش ، عبر مقاطع أغنيات وطنية يرددها الأطفال من مثل: “بلادي.. بلادي ..او موطني ..او أنا دمي فلسطيني ” كل ذلك مرده إلى الإعلام التفاعلي الذي شارك في المعركة ، وكان جزء منها عبر تفاعله الجماهيري الذي أربك حكومات غربية وعربية، وأكبر بعضهم على تغيير قواعد اللعبة الإعلامية ، بما يتفق مع ذكاء الجماهير وقدرتم على رفض المحتوى الهابط الذي يسوق الكذب او الخداع السياسي ، مما أدى ذلك إلى سقوط نظرية “البروباغندا ” الإعلامية التي اعتمدها الاحتلال الاسرائيلي لتسويق بضاعته الفاسدة ..والكاذبة .!!
*كاتب وصحفي اردني..