السفير. محمد السادة*
تاريخياً لم يستفد اليمن من موقعه الجيوإستراتيجي الذي يضم البحــر الأحمــر الذي كان يُسمى قديماً “بحر اليمن” إلى جانب بحــر العــرب والمحيــط الهنــدي، فهذه الأهمية الحيوية لموقعه هي من جلبت الغزاة والمحتلين، فكان البحر الخاصرة الرخوة لليمن والتهديد الرئيسي لأمنه القومي، في ظل ضعف قدراته العسكرية لاسيما البحرية ، وغيرها من العوامل التي لم تُمكن اليمن خلال المراحل السابقة من حقه المشروع في إستثمار موقعه الحيوي بما يؤهله لممارسة واجباته والقيـام بـدور فعال في تعزيز الأمن والإستقرار على المستويين الإقليمي والدولي.
بعد قيام ثورة الحادي والعشرين من أيلول/ سبتمبر 2014م والتخلص من الوصاية الخارجية تمكنت القيادة اليمنية من توظيف موقع اليمن كأحد أهم عناصر القوة التي يمتلكها اليمن، لاسيما بعد إعادة بناء المؤسسة العسكرية والإهتمام الكبير بالتصنيع والتكنولوجيا العسكرية، حيث تحولت القوات البحرية من مجر قوات أمن لخفر السواحل وفق مخطط الولايات المتحدة لتجريد اليمن من أي قدرات عسكرية دفاعية وهجومية إلى قوة بحرية جعلت من اليمن جزء لايتجزء من معادلة الأمن والإستقرار على المستويين الإقليمي والدولي
ماذا حققت المراحل الأربع من التصعيد العسكري اليمني
أظهرت صنعاء قدرة عسكرية وسياسية عالية في عملية إدارة المعركة من خلال دقة التوقيت في توظيف معطيات الوضع على مستوى الداخل الفلسطيني وكذا على المستويين الإقليمي والدولي، بالإضافة للتدرج في تصعيد عملياتها العسكرية من خلال أربع مراحل من التصعيد العسكري ، كما أثبتت للمجتمع الدولي أن الهدف من عملياتها العسكرية محصور فقط على كيان العدو الإسرائيلي ومصالحه، ورداً على العدوان الأمريكي-البريطاني على اليمن ، وأن عملياتها لن تنتهي إلا بإنهاء العدوان والحصار على غزة، وعلى اليمن .
أظهرت مراحل التصعيد العسكري اليمني ضد ثلاثي الشر الأمريكي-البريطاني- الإسرائيلي فشل تحالف ما يُسمى حارس الإزدهار الذي شكلته واشنطن لحماية كيان العدو الاسرائيلي ومصالحه، وليس لتأمين حركة الملاحة الدولية كما تدعي، حيث يعترف المسؤولين العسكريين الأمريكيين بصعوبة الحد من عمليات صنعاء العسكرية، وأنهم يخوضون أعنف معركه بحرية منذ الحرب العالمية الثانية، كما يُقر الأوروبيين بتصاعد العمليات العسكرية اليمنية وصعوبة مواجهتها الأمر الذي دفع قائد القوة البحرية الأوروبية في البحر الأحمر فاسيليوس غريباريس للمطالبة بمضاعفة عدد القطع الحربية.
إقرار الفشل الأمريكي – الأوروبي بصعوبة الحد من عمليات صنعاء البحرية رغم ما يمتلكون من إمكانيات عسكرية وإستخباراتية هائلة، يُعطي أفضلية عسكرية وإستخباراتية لصنعاء على إمتداد مسرح العمليات، ويعكس ذكاء ودقة في العمليات العسكرية اليمنية ، وقدرة صنعاء على ضبط قواعد الاشتباك، والإحتفاظ بعنصر المفاجئة وإرباك العدو، إلى جانب قدرتها على الخداع الاستراتيجي الذي يتضح من خلال الفشل الكلي للغارات الأمريكية- البريطانية للحد من القدرات العسكرية لصنعاء.
منذ بدء عملياتها العسكرية المساندة لغزة نجحت صنعاء في فرض حصار بحري على الموانئ الفلسطينية المحتلة من قبل كيان العدو الإسرائيلي، وفي مقدمتها ميناء ام الرشراش المُسمى “إيلات” الذي توقف العمل فيه بشكل كلي، وفي إطار فرض الحصار البحري على إسرائيل تم إستهداف أكثر من (153) سفينة تجارية وعسكرية حاولت كسر قرار صنعاء بحظر دخول الموانئ الفلسطينية المحتلة، وفي مقدمة تلك السفن المستهدفه القطع العسكرية البحرية الأمريكية والبريطانية التي عجزت عن حماية نفسها، وبالأخص حاملة الطائرات الأمريكية “ايزنهاور” وهي إحدى أكبر حاملات الطائرات في العالم ،حيث تعرضت أربع مرات للإستهداف، رغم تغيير موقع تمركزها أكثر من مرة، وإبتعادها إلى أطراف البحر الأحمر، وإدراكاً منها بأن الهجمات القادمة على “ايزنهاور” ستكون أكثر قوة وتأثيراً، لذا أعلنت الولايات المتحدة سحبها من البحر الأحمر، حفاظاً على ماتبقى من هيبتها العسكرية على المستوى الدولي، فقد كشفت صنعاء في مواجهتها البحرية مع الولايات المتحدة عن نواحي الضعف العسكري والسياسي لدى الولايات المتحدة التي تمر اليوم بمرحلة الشيخوخة والإنحسار التي تُنبئ عن قيام نظام دولي جديد متعدد الأقطاب، تنتهي فيه الهيمنة الأمريكية.
بالإضافة إلى قيام القوات اليمنية بإغراق (3) سفن إنتهكت الشركات المالكة لها قرار صنعاء حظر دخول موانئ فلسطين المحتلة، إلى جانب إحتجاز السفينة الاسرائيلية (جالكسي ليدر) ، وضرب أهداف حيوية في أم الرشراش “إيلات” ، بالإضافة إلى ذلك شهدت المرحلة الرابعة عمليات مشتركة بين القوات اليمنية والمقاومة العراقية، تم فيها ضرب أهداف حيوية في مدينة حيفا المحتلة، ناهيك عن الأثار الاقتصادية التي طالت كيان العدو الإسرائيلي والولايات المتحدة والغرب
كما شهدت المراحل الأربع من التصعيد العسكري توسيع لمسرح العمليات العسكرية اليمنية بدءاً بالبحر الأحمر وباب المندب والبحر العربي ثم المحيط الهندي وصولاً إلى البحر الأبيض المتوسط، كما شهدت إستخدام أسلحة نوعية جديدة مثل “صاروخ فلسطين” البالستي بعيد المدى الذي يتميز بصعوبة رصده ، بالإضافة إلى إستخدام زوارق بحرية مسيرة مثل “زورق طوفان” الذي يتميز بقدرات تدميرية هائلة.
خلال مراحل التصعيد الأربع بلغ عدد الغارات والقصف البحري الأمريكي-البريطاني على اليمن حتى الأن (527 ) غارة وقصف، نتج عنها (55) شهيداً و( 83) جريحاً. الفشل العسكري الأمريكي ورفض صنعاء لعروضه مقابل وقف عملياته العسكرية دفع واشنطن إلى إدراج مكون أنصارالله ضمن ما يُسمى قوائم الإرهاب الأمريكية، وعرقلة الجهود السياسية لإحلال السلام بين اليمن والسعودية من خلال تجميد تنفيذ الإتفاق الذي تم بين صنعاء والرياض، بالإضافة لتحريك الورقة الاقتصادية مجدداً لزيادة المعاناة الإنسانية لليمنيين من خلال فرض عقوبات اقتصادية جديدة على صنعاء عبر الرياض ومرتزقتها في اليمن تتمثل في وقف التعامل مع ستة من أكبر البنوك في اليمن التي مقراتها في صنعاء ، وإلغاء التعامل بالعملة اليمنية الصادرة حتى عام 2016م .
سيناريو التصعيد العسكري في المرحلة الخامسة
لاشك أن صنعاء تستعد عسكرياً لأي إحتمالات تدفعها للإنتقال إلى المرحلة الخامسة من التصعيد العسكري ضد ثلاثي الشر الأمريكي-البريطاني-الإسرائيلي، لاسيما إذا أقدم كيان العدو الإسرائيلي على شن حرب شاملة ضد لبنان وحزب الله، يعني إنزلاق المنطقة نحو حرب إقليمية ، وإنتقال صنعاء للمرحلة الخامسة دون سقف للمواجهة حيث يتم كسر قواعد الإشتباك التي فرضتها صنعاء في البحر، والإنتقال الى معركة بحرية تكون فيها صنعاء أكثر جُرئه وقدرة عسكرية على إستهداف وإغراق قطع حربية أمريكية وبريطانية أو حتى أوروبية إذا ورطت الولايات المتحدة الدول الأوروبية في المعركة.
ومن المتوقع أن تشهد المرحلة الخامسة القيام بعمليات عسكرية مشتركة كُبرى في إطار محور المقاومة تستهدف العمق الحيوي لكيان العدو الإسرائيلي، والقواعد الأمريكية في المنطقة، وإستخدام القوات اليمنية لتكتيكات عسكرية جديدة، وكثافة في عمليات ضرب الأهداف المعادية، وقد تتطلب طبيعة المعركة إستخدام أسلحة إستراتيجية جديدة.
كما قد تطال عمليات المرحلة الخامسة وقف إمدادات الطاقة من المنطقة إلى الغرب، وضرب أهداف حيوية في العمق السعودي والإماراتي إذا تورط الأوروبيين عسكرياً في الحرب وقيام النظامين السعودي والإماراتي بتقديم الدعم العسكري لثلاثي الشر الأمريكي-البريطاني-الإسرائيلي ، أو تحريك مرتزقتها في الداخل اليمني لمعاودة فتح جبهات القتال لإشغال وتعطيل عمليات صنعاء العسكرية إسناداً لغزة ولبنان.
ختاماً، سيكتب التاريخ أن ارادة صنعاء في إسنادها لفلسطين عسكرياً وشعبياً فاقت إرادة دول العالم والمجتمع الدولي ككل، وأن تدخلها العسكري هو التدخل الأكثر إنسانية ومسؤولية في التاريخ الحديث، لذا لاشك أن هذا الموقف القوي لن يكون الأول والأخير، فصنعاء بقيادتها الحكيمة التي يُساندها الشعب اليمني العزيز وما يملكه من إيمان وتمسك بالقيم الإنسانية ستكون حاضره للدفاع عن القضايا العادلة للأمة العربية والإسلامية، وللبشرية جمعاء، وستكون حاضرة بقوة مع لبنان ومقاومتة الباسلة لدحر أي عدوان إسرائيلي وهزيمته.
*نقلا عن رأي اليوم
شاهد أيضاً
كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!
محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …