د. سلام العبيدي*
هناك ما يكفي من الدلائل على أن دونالد ترامب سيفوز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية. لا يمكن منع ذلك إلا من خلال وفاته المفاجئة أم التصعيد غير المسبوق للصراع سواء في أوكرانيا أو في الشرق الاوسط أو حتى في المنطقتين في آن واحد مع الانخراط الحتمي للقوات المسلحة الأمريكية بشكل أو بآخر في هذه الصراعات.
لنفترض أن ترامب سيصبح سيد البيت الأبيض مرة أخرى. يتلاءم ذلك مع انتخابات التجديد للبرلمان الأوروبي وفي عدد من الدول الأوروبية. بادئ ذي بدء، في فرنسا. الجناح اليميني في السياسة الأوروبية يزداد قوة. عمليا، هذا الجناح يعد حليفا منطقيا لترامب الذي يمثل الاتجاه التقليدي المحافظ في النخب الأمريكية. سيسعى المشككون في الاتحاد الأوروبي إلى نوع من المصالحة مع روسيا. تتناسب الدبلوماسية المكوكية التي يقوم بها رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان مع كل من الاتجاه اليميني الأوروبي وسياسة ترامب المحافظة. يمكن الافتراض بالفعل أن الرئيس الجمهوري للولايات المتحدة سيفرض السلام في أوكرانيا بطريقته الخاصة. يريد أن يبدأ أنشطته بنجاح دبلوماسي مضمون وأن يعرف باسم “حمامة سلام”. في رأينا، سيقترح ترامب تجميد الصراع في أوكرانيا داخل الحدود الإدارية لمنطقتي دونيتسك ولوهانسك، وسحب القوات الروسية تدريجيا من الأراضي المحتلة في منطقتي زابوريزيا وخيرسون، وربما حتى الاعتراف بشبه جزيرة القرم على أنها روسية. من المحتمل أيضا أن يعارض ترامب التطلعات الأوروبية الأطلسية لأوكرانيا وجورجيا. سيكون هذا حافزا إضافيا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لبدء مفاوضات حول شروط ترامب، أخذا في الاعتبار أن سيد الكرملين وضع سقفا للتفاوض، ما يعني إمكانية النزول بعض الشيء عن هذا السقف. وبطبيعة الحال ، ستكون هذه العملية طويلة وصعبة وستجري بنجاح متفاوت وفي بعض الأحيان مع انتهاك لنظام وقف إطلاق النار. هذا على صعيد الصراع في أوكرانيا.
الاتجاه الأخر الذي يريد ترامب ان يحقق فيه نجاحا دبلوماسيا هو الشرق الأوسط، تحديدا الكارثة التي تسببها العدوان الاسرائيلي على غزة. المؤاتي في هذه المسألة، فوز مسعود بزشكيان المنعوت بالاصلاحي والمعتدل في الانتخابات الرئاسية الإيرانية. رئيسان جديدان في كل من الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية – فرصة تاريخيّة لا بد ان يجرب كلا الرئيسين الاستفادة منها. ترامب سيرفع غصن زيتون آخر، وهذه المرة كصانع سلام في الشرق الأوسط. اما بزشكيان، فسيعمل على طمأنة الداخل الإيراني وتهدئة الجبهة الاقليمية لتحقيق استقرار نظام الجمهورية الإسلامية. وهذا التوجه، على ما يبدو، مرسوم من قبل المرشد الأعلى السيد علي الخامنئي. طهران تعي أن المعركة مع الكيان الاسرائيلي في ظل حكم ترامب ستؤدي إلى صدام مباشر مع الولايات المتحدة. ايران تحتاج إلى وقت واستقرار لتعد العدة لمعركة الحسم، التي ليس بالضرورة أن تكون عسكرية في ضوء قدرة فصائل المقاومة على احتواء العدوان الاسرائيلي واحباط مخططاته التصفوية والتوسعية.
كل ما تقدم علاه يفترض فوز ترامب وتسليم الديمقراطيين بالهزيمة. لكن ماذا لو رفضت ادارة جو بايدين مثل هذه الآفاق؟ يمكننا ان نستحضر من ذاكرة التاريخ السياسي الأمريكي الاغتيال الغامض للرئيس الأمريكي الأسبق جون كيندي. هناك احاديث كثيرة اليوم عن ان إبعاد ترامب عن سدة الحكم في البيت الأبيض يمكن ان يتم بمختلف الوسائل. إن عجزت السياسة، توجد وسيلة العزل الجسدي (سجن، مرض، قتل)! في جعبة من لا يريد أن يرَ ترامب رئيسا للولايات المتحدة يوجد ايضا سبيل التصعيد العسكري غير المسبوق، على الجبهة الاوكرانية مثلا، ما يستدعي انخراط قوات الناتو في القتال. المهم هو تأجيل الانتخابات الأمريكية لاعتبارات الامن القومي في ظروف الحرب، او تحقيق ما يمكن تصوريه كانتصار عسكري على روسيا، ما يمكن توظيفه كإنجاز كبير يضمن فوز الديمقراطيين في الانتخابات الرئاسية.
في الحالتين كلتيهما، عودة ترامب إلى البيت الأبيض ام بقاء بايدين او من يمكن ان يستبدله في منصب الرئاسة، يبقى العالم كله رهينة الصراع السياسي على قمة هرم السلطة الأمريكية.
*****
قال رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، في مقابلة مع صحيفة بيلد الألمانية، إنه في الأشهر المقبلة سيكون هناك المزيد من الأعمال العسكرية المروعة، وكلا الجانبين على استعداد للحرب ويعتقدان أنهما يستطيعان الفوز.
يبقى السؤال كما هو في عام 2022: من هو المستفيد النهائي من الإبادة المتبادلة للروس والأوكرانيين؟
هذا يرجح فرضيتنا بان الديمقراطيين سيسعون إلى تصعيد عسكري غير مسبوق في أوكرانيا على أمل تحقيق ما يمكن تصويره نصرا عسكريا على روسيا بغية البقاء في البيت الأبيض!!!
*مدير مركز اتجاهات للدراسات والتنبؤات واستشراف المستقبل