د. محمد بكر*
من استهداف الضاحية الجنوبية وما قيل أنه استهدافٌ اسرائيلي لشخصية عسكرية بارزة في حزب الله إلى اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران ، يختلف الأسلوب ربما ولكن الأهداف والغايات الاسرائيلية هي ذاتها في التصعيد وتوسيع الاشتباك وإشراك الحلفاء وفرض وقائع ميدانية جديدة .
البحث في أسباب التصعيد ولماذا يلجأ نتنياهو لنقل المعركة خارج جغرافية غزة ويوجه ضربتين ” ثقيلتين ” في الميزان العسكري واحدة في لبنان والثانية في طهران ، يمكن استقراؤه من خلال زيارة نتنياهو الأخيرة لواشنطن وماتبعها من تصريحات أميركية بالجملة ، لجهة أن الصدام بين حزب الله واسرائيل ليس حتمياً وإن واشنطن تكثف الجهود للوصول لحل دبلوماسي ، ربطاً مع اول تصريح إسرائيلي بعد استهداف المبنى في الضاحية لجهة أن العملية انتهت مالم يرد حزب الله، كل ذلك يقودنا بالضرورة إلى أن السلوك الإسرائيلي ليش شاذاً عن المسارات الأميركية وانما وفقاً لضوابط ومحددات تعرفها واشنطن جيداً وربما ترسمها وتشرف عليها ، تماما كما كان الرد الايراني بالمسيرات على الأراضي الفلسطينية المحتلة وفقاً لسقوف محددة في مشهدية الاشتباك، تضمن بقاء الأمور تحت سيطرة بعينها .
كذلك اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس كان على العين الأميركية ووفق مسار تريده واشنطن في النهاية أن يكون ” مثمراً ” بالمعنى السياسي ويضع نهاية للحرب المستمرة في غزة منذ عشرة أشهر ، هذه الحرب التي لم تكرس فقط صورة الاجرام الإسرائيلي على امتداد العالم ، بل باتت تشكل حلقة ضغط واضحة على الإدارة الأميركية سياسياً وشعبياً لضرورة رسم النهايات، وتصنيع الصيغ السياسية المناسبة ، فاستمرار المجازر الإسرائيلية واعطاء المزيد من الوقت للاسرائيلي لتحقيق إنجازات ميدانية على الأرض ، قد بات عبثياً وبلا جدوى ، فلا مؤشرات مطلقاً على انهيار القدرات القتالية لحماس وبقية الفصائل، ولا دلائل فعلية على قدرة الإسرائيلي على حسم المعركة.
اغتيال رئيس الحركة إسماعيل هنية، وإن كان ذو دلالات كبيرة وحدث وازن في مشهدية الاشتباك الحاصلة ، لكنه لن يؤثر مطلقاً على الهيكلية الإدارية للحركة التي ستسمي رئيساً لها خلال الساعات والأيام القليلة القادمة ، ولن تُضعف العزيمة فيما يحدث في الميدان بل على العكس، ستؤسس لمفاجآت أقوى وأشد .
هنا يبقى التساؤل حاضراً ، ما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على الاستثمار السياسي فيما فعله الإسرائيلي ويكون هذان الحدثان بداية النهاية للحرب ، وملئاً كافياً للسلة الإسرائيلية بالثمار السياسية وإن كانت عديمة الطعم والرائحة ؟؟
مهما كان شكل التصنيع السياسي الحالي الذي تريده واشنطن وترسم ملامحه لمحاولة حفظ ماء وجه نتنياهو ، لكن المؤكد أن اليوم الذي يلي نهاية الحرب سيكون يوماً فلسطينياً بامتياز ، وامتداداته وثماره الحقيقية أيضاً فلسطينية بامتياز ، أما نتنياهو فلن يكون إلا طريداً ، ليس فقط على مستوى العدالة وصورة إجرامه التي ستبقى ملتصقة فيه للأبد ، بل على مستوى القضاء الإسرائيلي نفسه .
* كاتب إعلامي فلسطيني
شاهد أيضاً
كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!
محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …