الجمعة , نوفمبر 22 2024
الرئيسية / اراء / وصلنا النهايات واقترب الوعد الآخرة!

وصلنا النهايات واقترب الوعد الآخرة!

 

خالد شـحام*
نعلم يا أبا العبد العزيز بأنك مشروع الدرجة الرفيعة منذ ركبت مركب الشهداء الخالد فوق جنان فلسطين ، نعلم أيضا بأن شهادتك لا توقف قافلة الحرية الطويل ولا رحلة الخلاص الأخير ، لكننا نشعر بفراق كبير من دونك ، نعلم بأن نشوتهم الجبانة لن تهز مقامك الخالد فينا لكننا لا زلنا تحت الأنقاض قرب دمك الزكي الموزع هدايا إلى أشلاء الحكم العربي ، نعلم بأن رحيلك سيكون ملهما ومرشدا لجيل كامل من شباب العرب نحو نهاية الكابوس الاسرائيلي لكننا منذ صباح أمس نتجرع شربة من مرارة رحيلك يا صاحب القسام .
لن نحزن يا أبا العبد لأنك دخلت التاريخ حبا وكرامة وأصبحت ملكا من ملوك المرحلة بجدارة ، ماذا نقول لك يا اسماعيل وقد غطى سناج الطائرات الأمريكية كل وجوهنا ومدننا وحياتنا وخرجت أنت أبيض الوجه باسم الشفتين كما عهدناك دائما ؟ ماذا نحكي من بعدك لغـزة التي تحبك ؟ كيف يمكننا ابتكار لغة مشتركة يفهمها الشهداء وتفهمما المدن ذات الصمود؟ كيف يمكننا أن نخاطب عيون الأطفال ودموع الأمهات وقد أصبحنا جميعا مشردين في الخواء العربي ؟ أنت أيها المقاتل فوق ركام العرب وحطام مدن الملح ، قل لنا قبل الرحيل ما تركت فينا ؟ أنت أيها الواقف فوق الألم والمؤامرة مثل الطود العظيم ، قل لنا سر سعادتك وما طعم الشهادة !
ad
ما الذي يريده المجرمون من كل هذا القتل ؟ ما الذي تريده الطائرة والدبابة الاسرائيلية ؟ هل تريدون أن تكونوا الآلهة التي تحكم حياتنا بالموت أو الحياة حسب قوانين الصلاحية الاسرائيلية ؟ هل هنالك طائرة مسيرة لكل منا أو صاروخ مبيت في معامل الولايات المتحدة ينتظر كل عربي ؟ ما الذي تريد أن تقوله وحشيتكم ؟ لقد تحول العالم على سعته إلى خرابة كبيرة تشتعل فيها النيران بين شرق وغرب ، هؤلاء الهمج يخوضون حرب الإنكار لوجود كل العرب وحتى العالم ، استكبار في الأرض واحتقان في النفوس ولا راد لأمر الله ، ما هي رسائل هؤلاء الوباء لكل سكان العرب سوى القتل والإبادة والتي أصبحت ركنا أساسيا في معاني وجودهم ؟ من هو أشد خطورة برأيكم : فيروس شلل الأطفال في الماء الملوث في غزة أم الشعب المختار ؟ من هو أشد فتكا بجسم الإنسان : الطاعون أم بن غفير ؟ من هو أشد وساخة : بثور الجلد الناجمة على أجساد الأطفال أم السيد بيبي ؟ من له رائحة أكثر كُرها : اكوام النفايات في شوارع غزة المنكوبة أم رئيس هيئة الأركان الحيوان ؟ فلتسقط هنا السياسة وعلوم الاقتصاد والعلاقات الدولية وسائر القوالب الحداثية ، لتعلو النبؤات والنصوص ذات الرؤية الثابتة ، لقد انتهى الأمر وأصبح العرب جميعا في موقع التهديد والإزالة والإنقراض الوجودي ودخلنا كلنا في المنطقة التي تتحدث فيها الأرض : إما أنتم أو هم ! قضي الأمر الذي فيه تستفتيان !
في ظل موجة الحر السياسي التي اندلعت مع هذا التصعيد ، تثور الأسئلة والتكهنات والمخاوف ثم تعود لتتخدر ببعض المسكنات الآنية التي يحرص اللاعبون على حقن الأنظمة والشعوب بها ، ما الذي جرى خلال يوم واحد وكيف تمكن العدو من تسديد ضربة رباعية مجددا ؟ هل نحن مقدمون على حرب طاحنة تأكل الأخضر واليابس ؟ اسمحوا لي بتلجيم هذا الاندفاع في النقاط الاتية لنفهم بعضا من الإجابات :
1 ـ إن النقطة الأولى المهمة هي أن العقلية الأمريكية التي تلعب في المنطقة تشتغل ضمن استراتيجية قديمة ممتدة عنوانها العريض الإبـقاء على حالة الإجهاد والصراع وعدم الاستقرار لكامل الشرق الأوسط: لا يمكن ايجاد حلول ، من المحظور وجود فسحة لتحالفات أو تضامن أو نجدة ، لعبة الصراعات والتهديدات يجب أن تتواصل ، انعدام التنمية السياسية والاقتصادية والبقاء في دائرة الضعف والتبعية واستيراد السيادة الوطنية والاقليمية .
2- إن مستوى الوقاحة العدوانية تجاوز كل الحدود وتحول الشرق الأوسط بكامله إلى أرض اسرائيلية مباحة يحلق ويعربد ويفعل فيها ما يشاء دون محاسبة أو رصد أو ردع دون أدنى اعتبار لدول أو هيئات أممية أو قوانين عالمية ، إنهم يعتدون على وجه العالم وكامل أسسه التي استقر عليها ، لم يعد ما يسمى بالمجتع الدولي شيئا مختلفا عن نكتة (السيادة العربية ) فإما ان فهمنا بأكمله لكل المجريات خاطىء أو أن هذا الكيان وبإدارته الأمريكية يلعب لعبته الأخيرة لإجراء الاختبار الحقيقي لكل الأطراف في محور المواجهة ، ونخص بالذكر هنا الرئاسة الايرانية الجديدة التي وضعت الان تحت المحك والتصادم المباشر الذي لم يعد من الممكن تجنبه.
3-في ظل التمكن التكنولوجي الأمريكي تبدو كل الأهداف مكشوفة وسهلة المنال وسهلة الاختراق ، ويبدو أن الوعي الحقيقي لكل المشتبكين مع العدو من قادة ومقاومين وصحافيين أو هيئات أو حتى حكومات لم يرتق إلى مستوى الاحتياط الصحيح مثل كل مرة ، إن العالم الرقمي المعاصر بكل مشتقاته من الهواتف والربط الفضائي والتواصل عبر الانترت يمثل المنفذ الأساسي لاصطياد الأهداف المطلوبة بدقة تامة ، إن العزلة الرقمية التامة هي أولى الأولويات لتلك الفئات .
4-لا يمكن استثناء الدور الذي تلعبه مؤسسة أمنية عربية في تتبع القيادات ومحاولة تزويد العدو بكل بياناتها ، كما لا يمكن إقصاء زيارة المجرم نتانياهو الى واشنطن وارتباطها ببرنامج الاغتيال ، إن هذا السعاروالجرأة في شهوة القتل والاغتيال يأتي كرخصة أمريكية للتعويض عن الفشل الذريع في غزة ، وعملية الاغتيال الرباعية واسعة المساحة ليست الا عملية انعاش امريكية لحالة الهزال الكبرى التي يعيشها الكابينت الصهيوني بقيادته الخاسرة ورموزه المجرمة .
5- إن اغتيال الشهيد اسماعيل هنية في هذا التوقيت لا يعني بأنه تم اصطياده لحظيا ، بل من الواضح أن كل القيادات السياسية مكشوفة وتحت الانتظار في أية لحظة ، هذا يعني أن الشهيد وصل نقطة التصفية لأنه حقق انجازا ما أو مفصلا ما من المعركة تسبب في ايلامهم او أربك حساباتهم ، ونفس القول ينطبق على صحفي الجزيرة الشهيد اسماعيل الغول .
6-إن الجهة الوحيدة التي تخشى الحرب الشاملة هي الكيان الصهيوني والراعي الأمريكي وحذار من فهم العكس ، في الوقت الذي لا يخشى حلف المقاومة اندلاع هذه الحرب بل على العكس هو يرحب بها وفقا لكل المعطيات الميدانية.
7-عندما اغتالت يد الغدر الصهيونية احمد ياسين ومن بعده الرنتيسي والأمثلة كثيرة ، كانت الفرضية تقول بأن حماس ستهلك وتنكمش على نفسها وتنهار في نواتها ، لكن الذي حدث هو العكس تماما حيث أزهرت هذه الزَرعَة المباركة وصارت قوةً يُعتد بها ، واليوم بعد هذه التضحيات العظيمة تحولت المقاومة الى جسر الحياة وجسر الحرية لكل شعوب العرب ومنقذة مصيرهم المرصود ، ربما يكون تعداد قوات المقاومة اليوم 50 أو 40 ألفا ولكن على الامريكان أن يفهموا تماما أن العدد القادم سيكون من فئة ربع المليون ولن يقتصر الأمر على الجنسية الفلسطنية وحدها .
9-إن أساس التحضير للحرب هو وجود وقود نفسي مفرط للحرب ولا يتولد ذلك إلا من الظلم الفادح والاصطدام الكامل مع الرغبة الجامحة في الثأر ، هنالك قدركبير ، بل قدر هائل من الاحتقان لدينا جميعا ، لدى شعوب العرب والعالم ضد هؤلاء المجرمين ومن وقف معهم ، أول المعنيين به هم الذين فقدوا أبناءهم وأحباءهم واهليهم داخل غزة ومدن فلسطين ، لا يمكن التسامح ولا الغفران مهما طال الزمان ومهمــا اشتد إجرامهم ، هذا الاحتقان هو طاقة الوضع المخزونة في الشعوب والذي يحضر الذهنية العربية والعالمية لحرب طاحنة يجب أن تقع لنرى أينا سيبقى على قيد الوجود.
10- إن المعارك لم ولن يوما تكون محسومة بالقدرات العسكرية ، حلف الشيطان الذي يعتد بأعتى أسلحة العالم ويعتقد بأنه امسك ناصية البشرية يراهن على كيد الشيطان ، وكيد الشيطان لم يزل ضعيفا واهنا ، في الوقت الذي يراهنون فيه على أسلحتهم وحلفائهم وطيرانهم وبوارجهم تراهن شعوبنا على العنصر الإنساني المؤمن بالله وبأرضه وبدينه الذي يصنع من الإنسان أعظم أداة مقاومة عبر التاريخ .
11-إن اللاعبين الكبار في المستوى العالمي وهم الصين و روسيا لا يمكنهم البقاء في منطقة الظل ، الاتزان الصيني والعظمة الروسية لا يمكن أن تبقى في وضع معلق بين السلم والحرب وبين فنون الحرب الباردة التي تتقمص الآلاعيب الاقتصادية والعقوبات الدولية المفتعلة امريكيا ، سيصل الجميع إلى نقطة التصادم القادمة لا محالة ولن تشفع الممرات الاقتصادية والاتفاقيات المائية والحدود البحرية وحصص التجارة العالمية وصراع المراكز التجارية العالمية ، كل هذا سوف يتحول إلى مقدمات ووقود للتصادم النهائي ، وبمجرد ترنح الولايات المتحدة من الضربة الأولى سوف يساق هذا العالم إلى ظاهرة الاستقطاب والتكتل التي طالما لعبتها الولايات المتحدة ضد الدول المستهدفة والان جاء دورها لتكون هي المستهدفة فيها ، الهند والبرازيل وايران وتركيا وغيرها ستكون بؤرا ساخنة للاستقطاب الجديد والانقسامات الحادة في العالم .
12-مهما كان وجه السيناريو الانفجاري المرجح فإن تحجيمه أو تسكينه بالقدر المعاير كما كل مرة لن يعفي المنطقة للأسباب انفة الذكر من الصدام الحتمي القادم حتى الاشتعال المطلق ، إن المنطقة في انتظار ضربات نووية وأعداد القتلى العرب ربما تتجاوز الملايين والدمار هو الصورة الموضوعة في ضمير هذا الحال المرعب الذي نعيشه ،وبمعية ذلك سيكون الكيان الصهيوني هو أول المحترقين بأكمله ، في هذه الأثناء الحرجة تبقى الشعوب العربية معزولة لأنها حبيسة ورهينة للخبز والسكر والزيت ، وما دامت حبيسة في هذا السجن الذي لفقه الحكم العربي وجعله غاية الحياة فلا يمكن أن تتحرر هذه الشعوب أو تتخذ سلوكا إنقاذيا ، بل ستتحول إلى وقود في أتون الصدام القادم .
من كان يعتقد ان طريق المقاومة مليء بالديباج والحرير فليذهب الى غير هذا الطريق ، إنه طريق النار والنور ، يتقد ليجعل من جسده هَديَاً للشعوب على درب النصر والتحرير، لقد وُجِدت المقاومة كي تكون حائط صد عنيد ، حائط صد يتلقى ضربات موجعة يذهب فيها خيرة القادة ، حائط يدفع أثمانا من دماء أبنائه وتضحيات عائلاتهم ليصنع مستقبل الجميع ، إن هذه الضربة الرباعية لا تستهدف محور المقاومة فقط بل تستهدف أولا الحاضنة الشعبية والروح المعنوية لها ، لا يهز المقاومة سقوط الشهداء لأن الشهداء وجدوا لكي يرحلوا ، لكن المستهدف هو معنويات الشعوب العربية لدفعها الى اليأس والتسليم ، والعصرِ يا شعوب العرب إنكم لفي خسرٍ وهزيمة ، إلا الذين صبروا وقاتلوا حتى تشرق الشمس ، والعصرِ يا أهل غزة إنكم لفي نصر مبين وشرف عظيم وفتح قادم ، لا محالة قادم .
نستودعك الله يا أبا العبد العظيم ، نستودعك فضاء فلسطين ونجومها وشجرها وشُهبها التي تأتي شوقا كي تطهر الأرض للميلاد الجديد .
*كاتب فلسطيني

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!

محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …