الخميس , نوفمبر 21 2024
الرئيسية / اراء / عُقدة الاحتلال!

عُقدة الاحتلال!

العميد. محمد الحسيني*
عقب جريمة الاغتيال المزدوجة التي نفذها العدو الصهيوني وأدّت إلى استشهاد كل من رئيس المكتب السياسي لحركة حماس “اسماعيل هنية” في مدينة طهران والقائد الكبير في حزب الله “فؤاد شكر” في ضاحية بيروت الجنوبية، كثرت التصريحات عن تجاوز الكيان المحتل للخطوط الحمراء، وبغض النظر عن الخصوصية القيادية للشهيدين الكبيرين وحسابات توقيت الاغتيالين وحساسية مكان تواجد كل منهما، لا بد من التمهل قليلاً والتوقف للتدقيق في مصدر عبارة “الخطوط الحمراء”؟ وأسباب تداولها، ومن ذا الذي وضعها وقام برسمها وأقرَنَها بتجاوز العدو لحدوده؟ وبقدر ما أنّ الجواب يبدو مختصراً وبكلمة واحدة فقط، وهو “الاستعمار” لكنها خطيرة في التفصيل والمضمون…
نعم إنّه الاستعمار بذاته والدعاية الأمبريالية الناشطة من أمامه، لأجل حماية الاحتلال من خلال التسويق لهذه العبارة، الذي اعتاد منذ نشأته على استخدام القوة المفرطة في تدمير المنازل الآهلة والتنفيذ العلني لجرائم القتل والاغتيال والإبادة الجماعية من دون أي رادع من أحد، فكان لا بد للغرب من الترويج لمقولة جديدة ورنانة يُرضي بها حلفاءه العرب ويُلَهّي بها شعوبهم، حتى بات مع الوقت يرددها الجميع بمن فيه المعتدى عليه لتصبح من أدبيات الخطاب السياسي العربي مذيلة بعبارة أخرى “نحتفظ بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين”…فهي نظرياً وصفة طبية غربية تفعل فعل المُسَكّن، أرادت الإمبريالية العالمية من خلال إطلاقها تهدئة العرب والمسلمين وتخديرهم، وهي أكثر من ذلك إذ تكرس الوجود الصهيوني وسط العالم العربي كأمر حتمي ومصيري، عبر فرضها على العرب والمسلمين تحمل وزر أعماله وتقبل جرائمه برحابة صدر، بواسطة المُهدئ الجاهز للابتلاع “لقد تجاوز الخطوط الحمراء”؟!…
إذا هي باختصار عملية إيهام للدول العربية والإسلامية بوجود خطوط حمراء هي في الأصل وهمية لا قيمة ولا وجود لها، صُنعت أساساً لأجل تحصين الدفاعات السلبية للكيان الغاصب في حال تمادى في اعتداءاته ضد محيطه، إفساحاً في المجال للديبلوماسية الغربية لممارسة الضغوطات على هذه الدول عبر الاعتراف الضمني لهم بتجاوزات العدو للخطوط الحمراء، على أن لا تكون هناك ردات فعل عسكرية أو أمنية أو حتى شعبية قد تقوم بها الدول المعنية اتجاه العدو ودفنها في مهدها، من خلال الإيحاءات الكاذبة عن تأنيب من هنا أو هناك لتجاوزات الاحتلال لهذه الخطوط، لا تقترب البتة من حد الإدانة…
وبما أنها ليست المرة الأولى في التاريخ التي يُذكر فيها بأن الكيان المحتل قد تجاوز الخطوط الحمراء، بعدما جرى استهلاكها على مدى عقود من الصراع مع العدو من دون أي نتائج تُذكر لصالح القضية الفلسطينية، وبما أنها ليست المرة الأولى أيضاً التي تتزاحم فيها الاتصالات الديبلوماسية مع كافة الأطراف للتهدئة والردع في نتائج سابقة كانت في غالبيتها لمصلحة العدو، وبما أنها ليست المرّة الأولى التي تقف فيها المنطقة على حافة الحرب الإقليمية، مع ما يواكبها من حشود لقوى الاستعمار في القواعد العسكرية في الشرق الأوسط وللأساطيل في البحر المتوسط والخليج العربي أو الفارسي…وبما أن الشيء بالشيء يُذكر، فإنّه قد سهى عن بال الكثيرين وغاب عن ذهنهم، أنّ العدو الصهيوني في أصل وجوده على أرض فلسطين هو تجاوز للخطوط الحمراء…وطرده للشعب الفلسطيني من أرضه وكذلك سكان القرى السبع ومزارع شبعا اللبنانية والإبقاء على احتلاله للجولان السوري هو تجاوز للخطوط الحمراء…وفي استمرار نهجه الاستيطاني والاعتقالات التعسفية هو تجاوز للخطوط الحمراء…فعن أي خطوط حمراء يجري الحديث بعد هذا ؟
أمّا عن سجله في المجازر بدءاً من “وعد بلفور” إلى وقتنا هذا، فنجده حافلاً بجرائم الإبادة بحق الشعب الفلسطيني خاصة والشعوب العربية عامة والاسلامية، هذه الجرائم التي أزكمت ولا تزال تُزكم أنوف كافة دول العالم شرقيّة كانت أم غربية، وليس آخرها مجازر الإبادة الجماعية في قطاع غزة التي مازالت مستمرة منذ شهور من قتل وتدمير وتجويع وتشريد… قد تجاوزت كل الخطوط الحمراء منها والصفراء والزرقاء بكافة أشكالها … هذا إذا كان لديه في الأساس خطوط تردعه ليتوقف عندها، فالخطوط عنده كلها خضراء وبجوازات سفر دولية.
أما عن جرائمه في الاغتيالات فلا تُعد ولا تُحصى بعدما بلغت الآلاف منذ أوائل القرن الماضي إلى يومنا هذا…حين طاف حول العالم يقتل هنا ويُفجر هناك فكانت ضحاياه من رجال السياسة المعارضين له والقادة العسكريين البارزين والعلماء العرب و المسلمين و حتى رجال الأعمال والحقوقيين الدوليين، ولايزال مستمر في غيّه، فيقتل من دون حساب أو رادع…ويُنفّذ جرائم اغتيالاته هذه من دون أي وازع أخلاقي بسقوط أبرياء، أو حتى كابح ديبلوماسي سواء كان التنفيذ على أراضي دول على عداء معها أو صديقة له أو حتى حليفة معه…أليس في هذا انقلاب على ما اصطلح في تسميته “قواعد الاشتباك”؟ مما بات يفرض إعادة للنظر في الأبعاد القانونية والعسكرية والإستراتيجية والسياسية والعملياتية لقواعد الاشتباك وجدوى استمرارها بين البلدان المتحاربة تحديداً مع الكيان المحتل، بعد أن أسقطها كلياً خلال المواجهات الأخيرة، متمسكاً بنرجسية عالية بأن لا حل يعلو فوق استخدام القوة، والقوة المفرطة إلى أقصى حد بعد عرقلته لكافة الحلول الممكنة إن لوقف إطلاق النار في غزة أو في الاعتراف بالحقوق الفلسطينية أو حتى حل الدولتين…
ومازال يسير من تصعيد إلى آخر ومن تعقيد للتسويات إلى أشدها تعقيدا، حتى سيطرت على ذهنيته “عقدة” لا يبين منها أي طرفٍ لحل يُمكّن لأحد من فكها. هذا ما يقودنا مباشرة الى السؤال التالي، ما هو السبيل لفك هذه “العقدة الصهيونية” القديمة الجديدة؟ ومكمن الجواب في أن لا حل لها سوى على طريقة “الاسكندر المقدوني”، الذي اجترح حلاً سريعاً لعقدة “غورديوس” بعد أن عجز عن فكها الكثيرون عبر مئات السنين… بعدما اقترب “إسكندر” من “العقدة” ونظر إليها يمنةً ويسارا، استل سيفه وضربها ضربة واحدة فتناثرت أرضاً، وحينما سأله أصحابه عن فعلته، أجاب: “هناك عقدٌ لا تُحل إلا بالسيف”….أمّا نشأة عقدة “غورديوس”، فتتحدث الأسطورة عن عرّافة في تلميسوس (في تركيا اليوم) قد تنبأت بدخول رجل للمدينة راكب على عربة يجرها ثور، سيصبح ملكاً على المدينة، وبالفعل دخل المدينة الفلاح “غورديوس” على عربة يجرها ثور فأعلنه الكهنة ملكاً، قام ابنه “ميداس” بعد وفاة والده بمحاولة إحياء لذكراه بواسطة تقديم العربة إلى المعبد، بعد ربطها بعقدة لا يبرز منها أي طرف حبل، مما يصعب حلها، وسُميت “عقدة غورديوس”.
لذا آن الأوان أن يتوقف التدوال بالخطوط الحمراء من هنا أو هناك وأن تُفك قواعد الاشتباك نهائياً، وبما أن القضية قضية “وجود وبقاء أو عدم وفناء” فقد حان وقت قطع هذه “العقدة الصهيونية” بالقوة، وبما أن لا سبيل إلى ذلك إلا بحد السيف، وبما أن السيف أصدق أنباء…فليكُن الخيار المُرّ، في حربٍ هم أرادوها، وشاملة هم روجوا لها، وللتتوسع في مسرح عملياتها إلى إقليمية، عسى أن تُصيب قوماً بها فيقعوا في شر حيادهم …لأنّ “ما أُخذ بالقوة لا يُسترد بغير القوة”….
*كاتب لبناني

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!

محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …