فؤاد البطاينة*
أمريكا دولة هي الأقوى على وجه الأرض، عسكريا واستخباريا واقتصاديا وبعون الدولار غير المغطى، والأهم حقاً هو نفوذها وتأثيرها النافذ ً في دول العالم وعلى سياسات وقرارت هذه الدول، ولكن بالمقابل شعبها كله من المهاجرين بما فيه الأنجلو سكسون، وكلهم في مجالسهم يعبرون عن انتمائهم ووقوفهم لجانب بلدانهم الأصلية، فنحن نحتاج الى أجيال عديدة لتشكل شعب أمريكي منتمي كأمة، وحتى رموز النطام من رجال المال والنفط ومصانع الأسلحة والمتطرفين من اليمين المسيحي المتشعوذ فانتمائهم جميعاً لمصالحهم، وباختصار، أمريكا رغم امتلاكها للقوة الأعظم الا انها هشة من الداخل ولا يوجد فيها شيئاً اسمه الإنتماء والكرامة الوطنية، وهي أشبه ما يكون بالكيان الصهيوني.
هذه الدولة كانت في القرنين التاسع عشروبداية العشرين مستوعبة للهجرات اليهودية الخزرية الصهيونية على أسس من الاختراقات الدينية وتعدد منظماتها في أمريكا، ثم داعمة للوكالة اليهودية الصهيونية وعصاباتها في قيام الكيان، ولكن ما أن وصلنا الى أواخر القرن العشرين والى الواحد والعشرين حتى كانت المنظمة الصهيونية قد انتفلت من موقع الحليف الأدنى والباحث عن المعونة من الغرب الى موقع المسيطرة على دوائر القرار في الدول الغربية وأمريكا بشكل خاص ومُحْكم ومهين، مستغلة في هذا الوضع الخاص للولايات المتحدة والمشار اليه في الفقرة الأولى، حتى أصبحت مصالح الكيان وحمايته وتحقيق مخططاته مقدما على مصالح الولايات المتحدة نفسها.
وأصبح الكيان المستعمَرة المتقدمة للغرب هو المستعمِر الفعلي للولايات المتحدة، وعلى الأقل المسير لسياستها وقراراتها في ما يخص القضية الفلسطينية والدول العربية، وزيادة على ذلك تمارس أمريكا بثقلها العسكري والسياسي والمالي الضغوطات على أي دولة نامية لتنصاع للكيان ولمصالحه ومطالبه المناهضة للدول العربية والقضية الفلسطينية، حتى جعلت من الكيان المفتاح لرضى أمريكا عن هذه الدول وكف شرها عنها، ولولا ملحمة 7 اكتوبر لقطع الكيان شوطا كبيراً في مسألة التطبيع وضم الضفة والأقصى. وسيقى هذا الحال قائماً الى أن تتفكك الولايات المتحدة من الداخل ،أو إلى أن تتشكل الهوية الأمريكية المنتمية للوطن وتنتهي نظرة شعبها للولايات المتحدة كفرصة عمل لا كوطن. فالعين الصهيونية على كل موظف في أمريكا بالقطاعين الخاص والعام ومن لا يسحج لليهودي يفقد عمله.
ففي هذا السياق، حتى لو لم تطبع الأنظمة العربية ولم تتحالف مع العدو وتتأمر على القضية الفلسطينية وعلى شعوبها فلن تكون جيوشها قادرة على تحرير فلسطين، لأنها ستكون في الواقع في مواجهة مع أمريكا، لذلك كانت الخدمة التي تقدمها الأنظمة العربية الخائنة للكيان هي الإضرار والطعن في القضية الفلسطينية الذي ابتدأ بخيانة قادة جيوش الأنظمة العربية في حرب 1948، وهي الحرب الوحيدة التي كانت ستصنع فرقاً، وكذلك مهمة تدمير دولها وخنق شعوبها وتغيير عقيدة جيوشها وتقديم الخدمات اللوجستية للكيان بما فيه وضع أراضيها وسمائها تحت تصرفه.
فالمقاومة وحدها المؤهلة والقادرة على قهر جبروت أمريكا والكيان والتحرير، وأذكر هنا يقول السيد حسن نصر الله بأن فلسطين لا تحرر في الضربة القاضية بل في النقاط.. وهو ما عبرت عنه بالقول أنه لو قامت جهة بالهجوم على الكيان وتدميره فإن، أمريكا والصهيونية والغرب سيعيدون بناءه ومده بالمستوطنيين والمال والسلاح والخبراء، لأنهم يعتبرونه ذراعا ضاربا للغرب في تحقيق مصالحهم وفي اخضاع أنظمة العرب والمنطقة، ناهيك عن الخرافات الدينية المزروعة في عقول المتطرفين المسيحيين الغربيين، وأن فلسطين يمكن تحريرها فقط وألف فقط بإجبار الكيان على الاستسلام والتفاوض على الرحيل عندما تنجح المقاومة بتشكيل القناعة لديه باستحالة استقراره أو تحقيق شعوره وشعور مستوطنيه بالأمن وشعور أمريكا والغرب بعدم جدوى مساعدة الكيان بأسلحتهم المدمرة. وهذا بدوره لا يمكن تحقيقه إلا بالمقاومة التحريرية الهجومية والمستمرة بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة وبكل الوسائل الممكنه، على أنه في الحالة الفلسطينية الجغرافية والطوبوغرافية غير المواتية، وصعوبة عمل المقاومة وهي في سجن كبير محاصر وعدد السجانيين المدججين بكل انواع اسلحة الإبادة الجماعية والأجهزة الاستخبارية من جيش وأمن الكيان ومن أجهزة السلطة المتعاونة يساوي عدد شعبنا في الضفة وغزة ، فلا بد من استراتيجية توسيع ساحة المقاومة وملاحقة هذا الكيان ومصالحه وامتداداته في كل مكان، والإقتداء في هذا بحزب الله وحماس في استثناء الدول العربية والإسلامية من أي نشاط غير سلمي لسلامة التوجه، فشعوب هذه الدول هي الرصيد الأساسي للمقاومة، وأن يكون الصراع الحقيقي والعملي والإستهداف السليم والمؤثر هو مع صاحب القراروالتناقض الأساسي وهوالكيان أو الإحتلال. ونذكر هنا بأن اليمن هو الموطن الأصلي للعرب العاربة ونقطة نزوحهم لما بين النهرين وبلاد الشام وشمال أفريقيا، فهي أم العرب ولن تكون إلا سعيدة باحتضان المقاومة الفلسطينية في الشتات على أراضيها.
وللمثال هنا فإن عمليات حزب الله المتواصلة منذ عشرة أشهر ضد الكيان لو قُدر لها أن تكون على نية التحرير وليس على نية اسناد حماس وإيقاف الحرب على غزة ، فإن الكيان سيكون في ورطة وجودية لا يتحملها ولا يقبلها وسيلجأ مع أمريكا لحلول قد لا تكون في صالح حزب الله ولا الكيان، فمثل هذه العمليات كانت كافية ومقبولة عند الكيان للإنسحاب من الأراضي اللبنانية بالقوة لا بمعاهدات مذلة وتدميرية كما هو الحال مع مصر والأردن، وهذا المثال عند حزب الله يجب أن لا يغيب عن نظر المقاومة الفلسطينية لتتمكن من صنع الظروف التي تمكنها من ذات الإستراتيجية بأليات أخرى مختلفة لتحرير فلسطين.
أما غزة ومقاومتها فلا بد وأن تنتصر وانتصارها يتحقق في صمودها، وإعلانه يكون عندما يجبر الكيان على وقف حربه، وهذا أمرحاسم للغاية، ولا بد وأن يكون مختمراً في تخطيط محور المقاومة. فحماس المقاومة هي أيضاً حزب سياسي جماهيري فلسطيني كما هو حزب الله حزبا جماهيرياً في المنظومة السياسية اللبنانية.
وبقدر ما يتعلق الأمر بالأردن، لو كانت النوايا والإدراك السياسي ناضجاً لدى النظام وواعياً باتجاه حماية نفسه وحماية الأردن كوطن وككيان سياسي مستهدفين بالإبتلاع ـ وباتجاه مقاومة التهجير القسري الجماعي من الضفة وتفريغ ملفات القضية الفلسطينية في الأردن، لاتخذ من حماس أكبر حليف للأردن، ولكانت عمان هي الحاضة السياسية لها، فهي الجهة االفلسطينية الأمينة على فلسطينية فلسطين وأردنية الأردن، والمؤمنة بالخطر الصهيوني الوجودي على القطرين. ومن هنا نقول لا يحق للنظام الأردني التماهي مع الأنظمة العربية في التحالف مع العدو والخضوع له، ولا أن يضع الأردن في فم الكيان. فهذه مسؤولية تاريخية يتحملها . فليس المطلوب من النظام أن يدخل في حرب مع الكيان، بل المطلوب قطع كل علاقة معه كتناقض أساسي للأردن ووجوده، والتخلي عن نهجه السياسي الوظيفي المزمن، وتغيير تموضعه السياسي وتحالفاته والدخول في مصالحة تاريخية مع شعبه.
*كاتب اردني
شاهد أيضاً
كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!
محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …