الجمعة , نوفمبر 22 2024
الرئيسية / اراء / الحرب العجيبة!

الحرب العجيبة!

خالد شحام*
مع توقع إعلان فشل مفاوضات الهدنة سلفا في القاهرة والتي بدأت منذ يومين ، يصبح واضحا تماما أن العداون على غزة يحمل اهدافا مغايرة لكل ما يتم الإعلان عنه ، أهدافٌ تتجاوز غـــزة وتتمدد في كل الأبعاد العربية وربما العالمية ، هذه الأهداف السرية ستأتي تباعا لكن أول ترجمتها هو برنامج القتل المتواصل منذ بدء العدوان ، وإذا كانت غزة تعيش كابوسا عميقــــا فإن العرب سيعيشون واحدا أكبر ، والعالم بأكمله ينتظره كابوس أكثر رعبا .
في آخر مفاجآته يقدم لكم جيش المجرمين اختياره الموسمي بموضة قصف المدارس التي تؤوي المعدمين والمشردين والتي كان آخرها قصف مدرسة صلاح الدين في مدينة غزة والانتصار بتمزيق بعض النساء والأطفال ، تأتي هذه الموضة بعدما زهقوا من قصف المستشفيات وحرقها وقتل طواقمها الطبية ، وبعدما شعروا بالملل من هدم البنايات وإنزال مربعات سكنية كاملة على رؤوس ساكنيها ، وبعدما شبعوا من موضة حرق الخيام بمن فيها والمساجد وحتى المقابر ، يقول فيليب لازاريني وهو المفوض العام لوكالة الأونروا بأن بعض الأطفال احترقوا حتى الموت في قصف المدراس ، فهل تبقت أية إنسانية ؟
نعلم يقينا أن الرجل يريد أن ينفجر مطلقا الكلمات التي نعرفها كلنا ، لكنه محاصر مثلنا جميعا ، وبهذه المناسبة هيــا ندعوكم جميعا مرة أخرى إلى متحف الإبادة الاسرائيلي لمشـاهدة آخر لوحات القتل التي يحاول رجل السلام نتانياهو أن يرسمها من خلال حشر 1.7 مليون فلسطيني في مربع طول ضلعه تسعة كيلومترات ، بمعنى أنه يريد تشكيل لوحة الغيرنيكا الاسرائيلية خاصته بحشر 47 ألف فلسطيني في كل كيلو مترمربع وسط الدمار والخرابات وانعدام كل سبل الحياة !
لقد تحولنا جميعا إلى رهائن بشكل ما لما يحدث في غزة ، رهائن ينتظرون الإبادة منذ تحولنا إلى متفرجين ومهرجين ، ورهائن لغزة وبطولاتها الإعجازية وما يحدث فيها ، وهي وحدها من تحررنا من هذا الحصار ، فكرت طويلا بكلمة (حرب غزة ) التي تتواردها الأخبار والصحف وهل ينطبق وصف الحرب على هذه الجريمة ؟ لا داعي لأي توضيح بأن المفهوم العسكري للحرب لا يمكن أن ينطبق على حالة العدوان الجاري على غزة بكل المقاييس المتعارف عليها عبر التاريخ ، فالحرب كما هي حقيقةً تُمثل صراعا بين طرفين يمتلكان نسبيا عناصر في القوة العسكرية والعمق الجغرافي ودوافع شرعية لعقد الحرب ، ما عدا ذلك فكله يدخل في باب الإعتداء أو الجريمة أو الإبادة ، أما ما يحدث في غزة فيبدو أننا بحاجة لفهم جديد وصياغة رؤية مغايرة لكل السابق لأننا نكتشف كل شهر بأن ما يجري تعدى منطق الحرب و تفوق على فكرة التهجير والإبادة ودخل هذا الاعتداء منزلة تدعو العقل إلى التفكر بأبعاد أكبر من الأطر السياسية المعتادة ، إنها حرب من نوع مختلف ومغاير وتدعو إلى الاستغراب والتعجب قياسا لكل التاريخ ، فأين مواضع التعجب في هذا العدوان ؟
1-إن التعجب الأول هو وجود جريمة ضخمة في بث حي ومباشر مع إصرار منقطع النظير في استمرار المجازر والذبح دون ان تتمكن القوى العظمى أو هيئة الأمم أو القوانين الدولية أو الشعوب من عمل شيء لكبح هذه الجريمة الفاضحة ، هل يعقل أن النظام الدولي يعجز عن ايقاف مذبحة متواصلة منذ ما يقارب 11 شهرا ؟
2-إنها المرة الأولى التي تستقوي فيها دولة عظمى مثل الولايات المتحدة مع حلف غربي وعربي كامل على مجرد مدينة صغيرة وسكانها بالحصار والقتل والتجويع والتدمير الكامل بأفظع مما حصل في هيروشيما.
3-إن حجم الكلفة المنفقة على هذه الحرب ( 73 مليار دولار حتى اللحظة ) لهو شيء يدعو إلى الاستغراب حيال مجموعات مسلحة صغيرة لا تمتلك أية أسلحة نظامية ، الأمر الثاني هو نوعية الأسلحة وقدراتها التدميرية غير المسبوقة في التاريخ ضد بنايات تقليدية ومدينة مستهدفة بالكامل ، والتي تؤكد أن من يريد ارتكاب الجريمة لديه اجندات واضحة في القتل والإبادة والتأديب المطلق للشعوب .
4-عدم التكافؤ بين (الذنب) والعقاب ، حيث يدعي الصهاينة أن المقاومة قتلت بضع مئات من الصهاينة ولكن مقابل ذلك قتل المجرمون ربما ما يزيد عن 80 ألف فلسطيني حسب بعض التقديرات غير الرسمية وتسببوا في تدمير 90% من مباني غزة والبنية التحتية .
5-إنه العدوان الفريد من نوعه الذي يتحول فيه الماء والغذاء والكهرباء والدواء إلى عقاب جماعي ضد منطقة مدنية تحت مرأى العالم ، والعدوان الفريد من نوعه الذي يقوم فيه حلف كامل بتطبيق مجاعة يراها العالم المتحضر أمام عينيه دون ان يفعل شيئا .
6-إنها الحرب الأولى من نوعها التي يقتل فيها الطفل والمرأة بشكل مباشر ومتعمد جهرا ، نتيجة لقرارات وأحكام دينية إجرامية ناجمة عن حاخامات متزمتين يؤمنون بأن القتل هو طريقة للحياة اليهودية .
وبما أن الخصائص التي أفرزها العدوان تتمتع بالغرابة والوحشية غير المسبوقة والمألوفة فلذلك يجب أن تكون الدوافع والتفسيرات خلف هذه (الحرب) غير مألوفة أيضا :
1-اذا كان أحدكم يعتقد حتى اللحظة بأن الصهاينة كانوا غير عارفين بخطط المقاومة فعليه أن يعيد النظر في ذلك حيث أنني كنت أعتقد مثله ، لقد تم التخطيط لكل هذا بدقة كاملة ومقابل التضحية ببعض المدنيين والعساكر الصهاينة قررت الدولة العبرية ارتكاب أفظع جريمة في التاريخ عن سبق إصرار وترصد بشراكة كاملة مع حلف كبير وطبعا مثل هذه الفكرة لا تقلل من بطولات 7 أكتوبر ولا من مكانتها .
2- يمكن رسم شبكة من التحليلات القائمة على العلاقات والمنافع والاصطيادات السياسية واستخدام المصطلحات التقليدية مثل القوى العظمى ، وصراع النفوذ ، والرأسمالية ، والمصالح ، وروسيا والصين والتمدد الشرقي والغربي ، والانتخابات الأمريكية …. في تفسير ما جرى و يجري وما سيجري لغزة وما حولها ، لكن كل ذلك لا يكفي لفهم النموذج القائم أمامنا في غزة لأنه أعمق بكثير من كل هذه السرديات ، نحن أمام رؤية مغايرة ودوافع مستقلة تميز معالم القرن الحادي والعشرين عما سبقه، هنالك قفزة نوعية في الذهنية الامبريالية تختلف عن كل الأنماط السابقة بأدوات جديدة وطموحات مغايرة ونهج مغاير.
3- إن ما يحدث في غزة من ذبح وجرائم متفق عليها وبموافقة عالمية يعجز أحد عن إيقافها يتعدى حدود المنطق وكل القوانين الدولية التي عرفها العالم ، إن قتل المدنيين وتمزيق الأطفال والنساء بشكل يومي متعمد اخترق حاجز المعقول والقوانين التقليدية وأصبح واضحا أن وراءه قصد وغاية واهداف تتعدى عملية إبادة أو تهجير، إنه يرتقي إلى مستوى القرابين البشرية المستندة إلى عقلية إجرامية تمارس طقوسـا دينية بائدة متعلقة بالتطهير الديني ، و بذلك فإن هذا يرفع مستوى الجريمة التي يرتكبها النظام العالمي الجديد إلى مستوى اكثر خطورة على كل البشرية وليس على فلسطين او العرب وحدهم ، أصبح من الواضح أن هنالك قيمة رقمية لأعداد الضحايا يجب الوصول إليها لغايات دينية باطنية عميقة وبائدة يعتقنها النظام العالمي المجرم الذي يمثل الكيان أحد أضلاعه المتعددة.
4- تعود بنا النقطة السابقة إلى النقطة اللاحقة ، من يقف وراء هذا القبح والوحشية وهذه الأفعال في خلف المشهد ؟ وما هي الغاية بالضبط من كل هذا السياق الدموي ؟ إن الإجابة الوحيدة المنطقية هي وجود نظام عالمي شيطاني ذو نوايا وأجندات تخدم غاية الشرالمطلق وليس هنالك من تفسير آخر يوضح لنا الأفعال والجرائم التي تجري بحق العالم والشعوب منذ إختلاق خديعة كورونا وافتعال الحرب الروسية -الأوكرانية والمذابح في السودان والمصائب الأخرى التي لا يعلم أحد عنها شيئا والتي ربما دخلت في دائرتها زلازل تركيا والمغرب وسيول ليبيا ، هنالك رابط خفي يجمع كل هذه الأحجيات تشوبه شكوك هائلة تخلط بين العلم والديانات الباطنية والأساطير ، لا منطق يمكنه فهم حجم الشر ومستوى القسوة المرعب الذي يتملك الجماعة المتصهينة ضد البشرية إلا وجود نوع من العبادة التي تتصل بالشيطان بنفسه والذي يملي عليهم هذا المستوى من الفكر والسلوك .
5- إن مؤشرات ودلائل وجود هذه الجماعة وهذا النظام وهذه الديانة أكبر من أن تحصى أو يستدل بها من خلال مراجع مكتوبة ، فقط انظروا إلى موجة نشر المثلية والإلحاد وهدر الدم البشري ومكانة المراة والطفل وغياب أي صوت متعقل أو رحيم من جحيم الأرض كي تفهموا إلى أين يذهبون بالبشرية ، تلتفتوا من حولكم وانظروا الى الوجوه الغربية والعربية والآسيوية التي تتبع هذه الجماعة كي نتمكن من فهم سبب الامتناع عن ايقاف سيل الدم في غزة ، إن الصراع الذي يسود الأرض اليوم هو صراع عقائدي جُعلت فيه الأسباب الاقتصادية والأمنية واجهةً كبيرة لتبرير الأحقاد الدفينة منذ سقوط الأندلس حتى يومنا هذا ، الصراع اليوم ضد الأديان لمحوهــا على كل مسمياتها ويتربع الدين الإسلامي في قلبها ، الحرب على الله بإنكاره وإطفاء نوره وتنفيذ الوعد الازلي لإبليس بإغواء وقتل وسفك دماء البشر ، وهذا الكلام ليس مزاحا ولا نظرية مؤامرة ولا هو جنوح عن الحداثة والتحضر والمنهجية العلمية ، بل هو كلام الله المؤكد في محكم تنزيله من القرآن الكريم .
حيال هذه الوحشية الشيطانية تتأتى المعجزات والمضادات كي تقابلها:
الرباط العقائدي الجهادي لأهل غزة الذي انعكس على هيئة رفض للتهجير واختيار البقاء وسط جحيم القتل والقصف والعذاب المعيشي الذي لا يطاق وعدم الانقلاب على المقاومة كما يريد العدو .
إن هذا الرباط العقائدي القرآني الذي يفيض من فكر ورسائل وكلمات المقاومة الفلسطينية واليمنية واللبنانية إنما هو الذي ثبت قلوب هؤلاء الأبطال في ظل عدوان مهول لا يمكن لأي جيش عربي أو مدينة عربية أن تتحمله ، إن الأرقام التي ستتكلم عن همجية ووحشية هذه المعركة هي التي ستقيس مدى ايمان وثبات هؤلاء الأبطال .
هل يمكن للإيمان بالله والتمسك بالأرض والإنسان والعروبة أن يصمد ضد التقنيات الرقمية والذكاء الصناعي واستراتيجيات القتل الموجه عن بعد بأحدث الأسلحة والتمكن التكنولوجي ؟ نعم يمكن ذلك وغـزة المستحيلة فعلت ذلك ومن قبل غزة فعلها حزب الله في حرب تموز ومن قبلها فعلت أفغانستان ذلك وتمكنت الشعوب الفقيرة المعدمة التي لا تمتلك شيئا يذكر من سحق عزيمة حلف الشيطان بحرب الاستنزاف والمثابرة في النضال .
لقد أسقطت غزة وحدها بعظمة الشعاع الاخلاقي العربي الإسلامي الذي طرحته بكل مفاعليه حضارة الغرب الكاملة أخلاقيا وادعائيا ، أسقطت منظومة كاملة من الكذب والتزييف عشنا عليها وصغرنا أمامها كعرب ومسلمين لكن غزة اماطت عنها كل ذلك وتبين أن هذا الغرب الموحش لا زال موحشا ولا زال عدوانيا وعديم ضمير وقيم ، إن أول بوادر النصر المطلق هي النصر الأخلاقي الذي حققته المقاومة الفلسطينية والعربية بشهادة العالم بأكمله .
إن غزة وحلف المقاومة يمضيان معـا إلى النصر المبين الذي يقترب قطافه كل يوم أكثر وهذا ما لا يريد لاعبو المفاوضات الإقرار به لأنهم في ورطة حقيقية ، لكنهم سيسقطون مرة واحدة ويقبلون صاغرين ما تمليه حقائق الميدان.
*كاتب فلسطيني

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!

محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …