الجمعة , نوفمبر 22 2024
الرئيسية / اراء / حين تجاهلت تركيا حماس واحتفت بعباس!

حين تجاهلت تركيا حماس واحتفت بعباس!

 

د. فايز أبو شمالة*
تعرف تركيا كغيرها من دول العالم والشعوب، أن لا علاقة للرئيس محمود عباس بما يجري على أرض غزة من مقاومة للعدوان الإسرائيلي، ويعرف القاصي والداني ان محمود عباس يقف ضد المقاومة بكامل عنفوانه، ويعرف الشعب التركي أن محمود عباس ترك غزة تغرق في بحر دمائها لعشرة أشهر، لم يحرك خلالها ساكناً، ولم يهش ذبابة تحوم فوق جرح طفل فلسطيني من غزة.
فلماذا تجاهلت تركيا جرح غزة السياسي النازف، وتجاهلت الرجال الفاعلين في الميدان، أولئك الذين أدهشوا العالم بصمودهم وصبرهم، وأوجعوا الكيان الصهيوني بضرباتهم، لتحتفل تركيا بشخص لا يمت لوجدان المعركة الدائرة على أرض غزة بصلة، وينتظر نتائجها المعاكسة لإرادة الشعب الفلسطيني، والتي يظن بأنها ستنتهي بعودته إلى غزة فاتحاً، حاكماً لها، مديراً لشؤونها الحياتية والاقتصادية؟
تركيا الدولة والمخابرات والرئاسة والسلطة تدرك تلك الحقيقة، وتفهم جيداً وجدان الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس من محمود عباس، قبل أن تعرف وجدان سكان قطاع غزة، وتركيا تتابع استطلاعات الرأي الفلسطينية، حيث شهد مركز البحوث والدراسات السياسية والمسحية أن أكثر من 82% من الشعب الفلسطيني غير راضٍ عن محمود عباس، وغير راضٍ عن سياسته، ولا عن تنسيقه الأمني مع المخابرات الإسرائيلية، ولا عن قيادة سلطته الفلسطينية بشكل عام، ولا عن قيادة م. ت. ف. التي تردد كل صباح: بأنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وعند المساء، تنام على وسادة الأمن الإسرائيلي.
تركيا تعرف جيداً كل ما سبق، لذلك كانت دعوة محمود عباس ضد إرادة الشعب الفلسطيني، وضد هواه، وإن كانت توافق هوى السياسة التركية، التي تريد أن تنظف نفسها من لوثة العلاقة الدبلوماسية مع الإسرائيليين، ومن لوثه خذلان دم المسلمين النازف في غزة، ومن لوثة الإهانة التي تعرض لها السفير التركي في تل أبيب، حين تم استدعاؤه، وتأنيبه على تنكيس العلم التركي، حزناً على استشهاد إسماعيل هنية، وأرادت تركيا أن تكفر عن سوءتها بمواصلة تزويد جيش العدو الإسرائيلي الإرهابي بالمواد الغذائية، ومواصلة الصادرات للأعداء الصهاينة، بعد أن ضاقت بالإسرائيليين سبل الحصول على المواد الغذائية والزراعية الضرورية، بعد تضررها من مواصلة العدوان على قطاع غزة، وأرادت تركيا أن تقطع الطريق على المعارضة التركية التي تحركت رفضاً للعدوان الإسرائيلي، فجاءت مسرحية دعوة محمود عباس للخطابة أمام البرلمان التركي رداً على خطاب نتانياهو أمام الكونجرس الأمريكي.
ولكن شتان!
نتانياهو وقف أمام الكونجرس الأمريكي ملكاً متوجاً، وقف أميراً شرق أوسطياً، يدافع عن مصالح الغرب، يأمر وينهي، يطلب فيستجاب، يرفع من شأن من يشاء من احزاب أمريكا، ويخفّض شأن من يشاء، وقف نتانياهو يكذب، ويحظى بالتصفيق وقوفاً لأن كذبه توافق مع أكاذيب أعضاء الكونجرس، فبادلوه الكذبة بمثلها، وتبادلوا معه المصالح المشتركة، من خلال التشجيع على المزيد من العدوان ضد أهل غزة، وضد أهل الشرق بشكل عام، ليحقق نتانياهو موفور الدعم المالي والعسكري والسياسي والدبلوماسي.
فماذا حصد الشعب الفلسطيني من مكاسب سياسية ومالية وعسكرية بعد استماع البرلمان التركي لخطاب محمود عباس؟ وهل تناظر محمود عباس في خطابه اللفظي مع خطاب نتانياهو العقائدي المعبأ بالتوراة والكتب المقدسة؟ وهل يتكافأ خطاب رئيس وزراء إسرائيل، الذي تم انتخابه ديمقراطياً، معه خطاب رئيس سلطة يجلس على كرسي العرش منذ عشرين سنة، وبقرار من وزراء خارجية جامعة الدول العربية؟
وهل يتكافأ خطاب عباس الذي لا يدري عما يجري من معارك على أرض غزة، مع خاطب نتانياهو الذي يقود المعارك العسكرية ضد غزة من خلال مجلس الحرب، ويقود المعارك التفاوضية ضد حركة حماس من خلال قادة الأجهزة الأمنية، ويقود المعارك الدبلوماسية على مستوى العالم، وفي الوقت نفسه يقود الصراع الداخلي ضد معارضيه داخل تآلفه الحكومي، ويقود المواجهة ضد معارضيه داخل الكنيست الإسرائيلي.
فأين هي المعارك التي يخوضها محمود عباس ضد الإسرائيليين، وهو يواصل التنسيق والتعاون الأمني معهم؟ وأين المعارك التي يخوضها محمود عباس ضد المعارضة الفلسطينية، بعد أن أطبق عليهم سجون الضفة، وحال بينهم وبين الانتخابات الديمقراطية؟
لقد حاول البرلمان التركي أن يقلّد الكونجرس الأمريكي في التصفيق لمحمود عباس وقوفاً، ولغرض في نفس يعقوب، ولكن المشهد غير المشهد، والحالة غير الحالة، وخطاب العقائدي نتانياهو، المتصلب المتشدد لباطل قومه، وحديثه المنسجم تماماً مع قراراته السياسية، تختلف كثيراً عن كلمات محمود عباس، الذي اندفع دفعاً للخطابة، وتحدث بلغة تعاكس سلوكه اليومي، وتغاير نهجه تجاه المقاومة الفلسطينية، فكان خطاب عباس أقرب إلى شهقة غريق، يلفظ أنفاسه في بحر من التدليس.
لقد عاد نتانياهو إلى الإسرائيليين على هيئة فاتح لبلاد أمريكا، وكلف مجموعة من الأمريكيين التابعين لتنفيذ مصالح إسرائيل من خلال الريموت كونترول، وعاد نتانياهو إلى قلب الإسرائيليين، كي يواصل العدوان ضد المقاومة، عاد وهو يكرر جملته المشهورة “حتى لو وقف العالم كله ضدنا، حتى ولو قاتلنا وحدنا، فلن نتنازل عن أهدافنا”.
فهل سيعود محمود عباس عن نهجة المعادي للمقاومة؟ أم أنه سيظل أسيراً لجملته الشهيرة، حين قال في الأمم المتحدة “احمونا” ليش ما تحمونا”، وقد عاد عباس على أثره، حين قال أمام البرلمان التركي، “أطالب الأمم المتحدة أن توفر لي الحماية، كي أزور غزة، وفورا لي الحماية”
محمود عباس لن يزور قطاع غزة، ولن تسمح له إسرائيل بزيارتها، وعباس لن يزور القدس، ولن تسمح له إسرائيل بزيارتها، وعباس لن يزور مدن وقرى ومخيمات شمال الضفة الغربية التي تتعرض لحرب إبادة شبيهة بالحرب على غزة، وعباس لم تطأ أقدامه أرض الخليل ودورا وسعير وحلحول، وبيت ساحور وبيت جالا، ولن يزور مخيم الدهيشة في بيت لحم، ولن يفكر عباس بزيارة أي بقعة من أرض فلسطين تشهد مقاومةً للمحتلين ولن يكون محمود عباس في يومٍ من الأيام استشهادياً، يعشق المقاومة.
*كاتب فلسطيني

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!

محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …