كمال خلف*
صعدت إسرائيل عملياتها العسكرية العدوانية على لبنان، وتحاول حسب ما يقولون الحفاظ على وتيرتها لعدم إعطاء حزب الله فرصة لترتيب أوضاعه ويفترضون ان الحزب يحتاج الى وقت هدوء لإعادة تنظيم نفسه ويجب عدم إعطائه هذه المساحة لذلك لابد من تتابع الضربات وراء بعضها دون انقطاع، وهذا افتراض حسب المتابعة الميدانية اليومية يبدو افتراض احمق ولا يعرف طبيعة حزب الله واليات عمله، لكنه مبني على أساس ان ضربات البيجر والاغتيالات في صفوف قوة الرضوان قد تكون قد أحدثت اثرا في مركز القيادة والسيطرة والسلسة التنظيمية واليات القرار العسكري والميداني، وهذا أساس خاطئ والساعات الماضية اثبتت ذلك، فقد تبين ان التواصل بين القيادة والميدان مترابط ويمضي بشكل فعال، وهم متفاجئون ويعبر يواف غالانت عن ذلك بالقول ان حزب الله خلال الأيام القتالية الان ليس هو قبل أسبوع. بالتأكيد كلام فارغ، الفرق بين حزب الله الان وقبل أسبوع هو ان الحزب قبل أسبوع لم يتأخذ قرار التوسيع واستخدام صواريخ بعيدة المدى مثل فادي واحد واثنين وثلاثة، والان اخذ القرار بفعل ذلك وفقا ظروف الميدان.
الحقيقة التي يجب ان يعرفوها في إسرائيل جيدا ان حزب الله الى الان لم يستخدم ترسانته الصاروخية ولا خططه العملياتية ولا أوراق قوته ولا مروحة أهدافه الفعلية التي تؤثر في مسار الحرب، وباعتقادي ان حزب الله حتى اللحظة لم يأخذ قرار الدخول في الحرب المفتوحة الشاملة. كذلك إسرائيل لم تتخذ هذا القرار رغم التصعيد الغير مسبوق.
نحن الان ما زالنا فيما يمكن تسميته “جولة قتال” وليست حربا شاملة، لكن هل تتدحرج الجبهة لتتحول من التصعيد عال السقوف الى حرب بلا سقوف او ضوابط ؟؟ في حالة اللعب على حافة الحرب كما يفعل نتنياهو الان كل شيء وارد، ويمكن لحادث واحد ان يحول مسار التصعيد الى حرب. ولكن أيضا اخشى ان يكون الإسرائيليون قد فصلوا حربا على مقاسهم، يتناسب مع قدرات جيشهم المنهك في حرب دامت احد عشرة شهرا في غزة، وهنا استطيع القول وفق قناعتي ان إسرائيل لن تنفذ هجوما بريا على لبنان، لان عديد الجيش الإسرائيلي لا يؤشر الى ذلك.
تعتمد إسرائيل الان في تصعيدها ضد لبنان على ثلاث عناصر فقط. الأول : الاستخبارات فالمعلومات تمكنها من تحديد اهداف وأماكن القادة وهي تعتمد هنا على خرق ما اما تكنولوجي او بشري، والثاني سلاح الجو وهي بحالة تفوق كامل فيه، وتنفذ من خلاله غارات من الجو، اما العنصر الثالث هو الدعاية والضغط على اللبنانيين بالإشاعات والحرب النفسية التي تلعب فيها حسابات لما يسمون اصطلاحا ” الصهاينة العرب ” دورا، وكذلك بعض الاعلام العربي الذي وضع نفسه في خدمة إسرائيل في مجال الدعاية والحرب النفسية.
نوع من هذه الحرب النفسية يمارسها نتنياهو على جمهوره داخل إسرائيل، البيانات والتصريحات والعنتريات التي اعلنها نتنياهو والعصابة من حوله، أدخلت الجمهور الإسرائيلي بحالة من ” سكرة النصر”، وساعد في ذلك الاعلام الإسرائيلي فتجد حالة من النشوة والهيجان داخل استديوهات التحليل ولدى المعلقين، كيف ولا ؟ وقد قال لهم نتنياهو وغالانت وهاغاري ان نصر الله بات وحيدا، وانهم قضوا على كل القيادات الكبيرة من حوله، وان خمسين بالمئة من قدرات حزب الله قد تم تدميرها ومن اليوم الأول للقصف، وان حزب الله بات ضعيفا ومنهكا، وان معركة إعادة سكان الشمال قد بدأت، حتى ان احد المعلقين في القناة ١٤يقول سنقوم بالاستيطان في مارون الراس وبنت جبيل ومرج عيون.
لكن ماذا لو اكتشفوا ان كل ذلك أوهام، وان حزب الله مازال قوية واكثر مما يتوقعون، ويلحق بهم ضررا كبيرا، وان سكان الشمال لن يعودوا بسرعة، بل سوف يهاجر المزيد من المستوطنين ؟ عادة الخيبة تكون اضعاف الفرح والنشوة عندما تكتشف انك مخدوع، وان نتنياهو يلهو بعقلك. ماذا سيكون شعور الجمهور الإسرائيلي المتعطش للدماء لو اكتشف انهم يكذبون عليهم ؟ وهم فعلا يكذبون عليهم، هل سيأخذهم نتنياهو الى كذبة أخرى اكبر واشد سحرا وتعطي نشوة مؤقتة اكثر ؟ السكرى لا يشعرون بالفجيعة عادة، ولكن عندما يصحون يكون حجم الألم مضاعف، تذكروا هذا دوما.
نتنياهو لوحده ربح ويحق له الاحتفال بمفرده، فقد انقذ نفسه من السؤال الكبير ماذا عن غزة ؟ اين الاسرى ؟ اين القضاء على حماس ؟ وماذا عن الصفقة ؟ وماذا عن اليوم التالي ؟ نتنياهو اخذ الإسرائيليين الى السرير ليحكي لهم قصة قبل النوم، ويناموا ويحلموا، لكن في النهاية سوف يستيقظون على كابوس في الواقع وليس في المنام.
مشاهد المدنيين اللبنانيين وهم يغادرون قرى الجنوب كررها الاعلام الإسرائيلي مئات المرات على الشاشات، نفسيا الامر مريح لهم، فليس مستوطنيهم فقط من هجروا، ها هم أيضا الجنوبيون ينزحون، هذا المشهد يرضي السادية الإسرائيلية، ويعزز عقدة التفوق عندهم، لكنهم لا يعرفون ان نزوح المدنيين سيف ذو حدين، لان خروج المدنيين من الجنوب نحو أماكن امنة يطلق يد حزب الله، وتصبح المقاومة اكثر جرأة، وقدد تحررت من الخشية على السكان من ان ينتقم منهم الجيش الإسرائيلي ليغطي على فشله العسكري، وهذا ما حصل في غزة في الشهور الماضية، انتقمت إسرائيل من المدنيين لإخضاع المقاومة والضغط عليها. اذن خروج المدنيين لن يكون مبعثا للسعادة لإسرائيل ومعها الصهاينة العرب الا قليلا، وبعدها سيكون الامر مختلفا.
أيام صعبة يعيشها لبنان، وانا اكتب لكم فجر هذا اليوم واصوات الغارات والطائرات تملأ المكان حول بيروت العاصمة، ليس لدينا أوهام ان إسرائيل اقوى في الموازين العسكرية، وهي دولة نووية ومدعومة من الدول الغربية ومعظم الدول العربية، لكن لن تنتصر ولن تهزم إرادة المقاومة وشعبها هذا يقين وليس توقعا.
*كاتب واعلامي فلسطيني
شاهد أيضاً
كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!
محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …