د.حسناء نصر الحسين*
منذ ان أقدم الكيان الاسرائيلي على القيام بالعملية الإرهابية المتمثلة بتفجير أجهزة البيجر والتي هدف من خلالها لاغتيال اكبر عدد ممكن من رجالات المقاومة الصف الأول ، تفاجأ الكيان بأن عمليته لم تعطي النتائج المرجوة في اغتيال القادة ومع فشل هذه العملية لناحية اغتيالات النسق الأول من خلال الارهاب التكنولوجي عاد للخطة أ وهي الخطة التي لم تستطع اجهزة الاستخبارات العالمية التخلي عنها بالرغم من كل ما توصلت اليه الدول من تطور كبير في مجال الجاسوسية الذكية من خلال وسائل الاتصال المتمثلة بالعنصر البشري الذي مازال يحتل الرقم 1 كقوة للدول والحكومات وحتى التنظيمات وكان هذا العامل البشري المتعدد الجنسيات حاضر في عدوان الكيان على لبنان وتم ايصال المعلومات اللازمة لتنفيذ الاغتيالات بحق القادة الذين لم يرتقوا بعملية البيجر فكان العدوان على الضاحية الجنوبية في الجاموس وبئر حسن والغبيري بناءً على هذه المعلومات المقدمة من هؤلاء الخونة حاملي الجنسيات المتعددة ومن حملة الجنسيات الاجنبية الذين تمكنت المقاومة من القاء القبض على عدد كبير منهم بينما لاذ عدد آخر بالفرار.
كان واضحاً من خلال اعتداءات الكيان الصهيوني على الضاحية الجنوبية والتي راح ضحيتها العديد من الشهداء المدنيين ان هناك عمل تجسسيّ كبير قدم هذه المعلومات عن هذه القيادات والحمد الله ان الكيان فشل في عملية بئر حسن والغبيري.
وهنا لنا ان نستقرأ ماذا يريد الكيان من هذه الاعتداءات اليومية، ظن الكيان أن بعملية البيجر وهو العارف بأن عدد الاجهزة التي فجرها 4000 جهاز أنه سيدخل المقاومة في حالة إرباك تفقدهم القدرة على التحكم والقيادة وخاصة انه كان يعتقد ان هذه الاجهزة بيد القيادات وبذا ينتقل بإرهابه للغزو البري بهدف اعادة احتلال المناطق المحررة على الشريط الحدودي والخط الفاصل الواصل لما وراء نهر الليطاني الا ان هذه العملية رغم ألمها لم تحقق الهدف فكانت الغارات الاسرائيلية على الضاحية لاغتيال النخب السياسية والعسكرية والامنية ومنهم قائد العمليات في الجنوب لإفقاد حزب الله القدرة على التماسك وهم مازالوا يواجهون تداعيات تفجيرات البيجر وعندما فشل الكيان في تحقيق كل أهدافه لناحية الاغتيالات ذهب لعدوانه الكبير والهمجي والمجرم باستهداف بيئة المقاومة وتهجيرها ودفعها للانفصال عن المقاومة وهذا ما فشل في تحقيقه من خلال عملية البيجر وسيفشل الآن في عدوانه على قرى وبلدات تشكل العامود الفقري للمقاومة فمعظم بل كل هذه القرى والبلدات هم اسر وعائلات شهداء النصر لعقود مضت والشهادة هي متجذرة في عقيدتهم.
وبالنظر للكم الهائل من وسائل الاعلام التي حملت على عاتقها ادارة الحرب النفسية للنيل من عزيمة اهلنا في لبنان وبث الرعب في نفوسهم لناحية الاعتداءات الاسرائيلية والرواية الصهيونية بأن الكيان تخلص من 50% من ترسانة المقاومة الصاروخية من خلال اعتداءاته المتكررة ليخرج محللي وخبراء القنوات الاسرائيلية ليكذبوا وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت ويقولوا ان ما تروج له القيادة العسكرية كاذب ونحن لم نرى حتى الآن القدرات الصاروخية الحقيقية لحزب الله الذي يمتلك أكثر من 12 الف صاروخ وهذا يندرج ضمن الحرب النفسية للعدو ، فما زالت قدرات حزب الله العسكرية بأوج قوتها ولم تستخدم الا السلاح الذي استخدمته في عام 2006 حرب تموز الا ان سياسة الكيان المعتمدة على المكنة الاعلامية كأهم أداة لإدارة عدوانها تعمل وتبث سمومها ومنها عدد كبير من الاعلام الناطق باللغة العربية بينما يصل للمشاهد العربي المشاهد القليلة عن عمليات حزب الله التي آلمت الكيان، فمن منا كأشخاص او دول كان يفكر لو تفكير بأن قلب الكيان سيقصف في حيفا وتل ابيب وصفد من كان يحلم بأن يسمع صرخات هؤلاء الذين اعتادوا على الحياة الهادئة ؟ بل من كان يجرؤ على ان يفكر بأن الليالي الهادئة لنخب الموساد ستتحول لصرخات وعواء وهروب من المركز الذي يتآمروا فيه على الشرق الاوسط بكله ومنه تخرج الأوامر بالحروب والاغتيالات والموت للأبرياء ؟ بالتأكيد لا أحد سوى المقاومة الاسلامية اللبنانية هي الجهة الوحيدة التي هددت باستهداف حيفا وما بعد بعد حيفا وهنا كان الوعد الصادق الثائر لتاريخ أمة استكان معظم قادتها وخضعت لسيطرة هذه الجرثومة الاسرائيلية التي رأى قادة العالم ومنذ وقت مبكر من خلال مؤتمر تم عقده في عام ١٩٠٧ المعروف بمؤتمر كامبل بيدرمان الذي خلص بتوصياته الاستعمارية المتمثلة بزرع جسد يحمل الوباء للوطن العربي وتكون مهمته اشغاله والهائه وإضعافه كي تسيطر هذه الدول الكبرى والعظمى بالتناوب على خيراته وثرواته وهذا ما جرى، واليوم ليس أمام هذه الأمة للتخلص من هذه الجرثومة الا العمل المقاوم المبني على الإيمان والعقيدة بأن هذا الكيان سيزول .
نحن لا ننكر آلامنا وهي كبيرة جدا وهذا ما يريده الكيان ان يحرق شجرة العائلات المقاومة من جذورها وان يدفع المجتمع اللبناني الى التفكك والانهيار لركوب موجته ليدخل لبنان في عملية التدمير الذاتي وهذا ما لم يحصل فكان لبنان الشريف بكل طوائفه يداً واحدة تسامت على الجراح للحفاظ على كرامتهم ، هناك خسائر مادية وعسكرية وأمنية لدى المقاومة الاسلامية لكن هذه الخسائر لن تصل ابداً لمرحلة الانهيار فهناك العديد من المفاجآت تنتظر العدو والسلاح النوعي المتطور لم يظهر بعد وخزائن عماد مغنية مازالت مغلقة .
وفي الخلاصة..يتعاطى العدو الصهيوني مع المقاومة في لبنان وفق فهم يغلب عليه طابع اللاوعي بحقيقة مكنون هذا الكيان المقاوم، وطبيعة التفكير والادارة للفعل المقاوم وأبجديات المواجهة وعوامل التي يؤمن بها حزب الله كأسس لتحقيق النصر وهزيمة العدو، وفي الأخير صحيح ان الكيان وجه للبنان ولكل الجمهور المقاوم ضربات ثقيلة هذه الضربات لم تأتِ عن عبث بالتأكيد لها أهداف استراتيجية كبرى ان لم تكن تتمثل بإنهاء محور المقاومة ستكون على أقل تقدير إنهاكه وفي معركة الحساب المفتوح سنرى ما كان بعيدا في حسبان وحسابات العدو، وسنرى العبرة في النتائج والأمور بخواتيمها .
*كاتبة سورية – وباحثة في العلاقات الدولية