زهير حليم أندراوس*
(جميع النساء قد يلدن الذكور، ولكن المواقف وحدها مَنْ تلد الرجال. فيكتور هوغو)
كما كان متوقعًا فإنّ ردود الأفعال العربيّة والإسلاميّة الرسميّة على عدوان دولة الاحتلال ضدّ لبنان لم ترتقِ إلى مُستوى الحدث، لا بلْ أكثر من ذلك، حتى ما تُسّمى بجامعة الدول العربيّة لم تعقد اجتماعًا استثنائيًا وطارئًا لبحث القضية وتداعيتها وتبعاتها على الأمتّيْن، ولذا لن نقرأ أوْ نسمع البيانات الإنشائيّة الصادرة عن هذا الجسم الهلاميّ، الذي لا يُسمِن ولا يُغني عن جوع، ولن نعود مرّةً أخرى لمتابعة ومواكبة المهزلة، التي يُعبِّر فيها المُشاركون عن شجبهم واستنكارهم وامتعاضهم من العدوان الإسرائيليّ على دولةٍ عربيّةٍ سياديّةٍ، وهي عضو في جامعة الدول العربيّة.
ad
***
والشيء بالشيء يذكر: بعد بدء العدوان على قطاع غزّة وحرب الإبادة ضدّ الشعب العربيّ الفلسطينيّ عُقِدَت القمة العربيّة الاسلاميّة الاستثنائية المشتركة بين دول جامعة الدول العربيّة ودول منظمة التعاون الاسلاميّ بمُشاركة 57 دولة، وذلك في الـ 11 من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 2023 بالعاصمة السعوديّة الرياض بهدف بحث تطورات العدوان الإسرائيليّ على قطاع غزّة، وممّا جاء في البيان الختاميّ: “نحن قادة دول وحكومات منظمة التعاون الإسلاميّ وجامعة الدول العربيّة، نُعبِّر عن موقفنا الواحد في إدانة العدوان الإسرائيليّ الغاشم على الشعب الفلسطينيّ في قطاع غزّة وفي الضفة الغربيّة بما فيها القدس الشريف، وتأكيدًا على أنّنا نتصدى معًا لهذا العدوان والكارثة الإنسانيّة التي يسببها، ونعمل على وقفه وإنهاء كلّ الممارسات الاسرائيليّة اللاشرعيّة التي تُكرِّس الاحتلال، وتحرم الشعب الفلسطينيّ حقوقه، وخصوصًا حقّه في الحريّة والدولة المستقلة ذات السيادة على كامل ترابه الوطنيّ”. وغنيٌّ عن القول إنّ هذا القرار الذي لا يُساوي الحبر الذي كُتِبَ فيه، لم يُنفّذ، لا بلْ أكثر من ذلك، فكيان الاحتلال وجّه صفعةً مجلجلةً للزعماء العرب والمُسلمين وواصل الإبادة الجماعيّة وما زال تحت سمعهم وبصرهم، وما يُثير الاشمئزاز والحنق أنّ مصر وقطر “تبرعتا” للعب دور الوساطة بين إسرائيل و (حماس) لإبرام صفقة التبادل وإعادة الرهائن الإسرائيليين المُحتجزين لدى المقاومة الفلسطينيّة في قطاع غزّة.
***
الأخطر ممّا جاء أعلاه، أنّ تقارير أجنبيّة وازنة أكّدت بما لا يدعو مجالاً للشكّ بأنّ بعض الدول العربيّة تقوم بأدوارٍ خطيرةٍ ضدّ فلسطين ولبنان على حدٍّ سواء لإرضاء السيّد الأمريكيّ وربيبته إسرائيل، وتكفي الإشارة في هذه العُجالة إلى أنّ واشنطن استخدمت قواعدها المُنتشرة في الوطن العربيّ لإمداد الاحتلال بالأسلحة الفتاكّة لذبح الفلسطينيين في غزّة، والذين يُدافعون بدمائهم الزكيّة عمّا تبقّى للعرب والمُسلمين من كرامةٍ، والمؤسف حقًا أنّ التبادل التجاريّ بين الدولة العبريّة وبعض الدول العربيّة ارتفع في السنة الأخيرة ليُساهِم في إنقاذ الاقتصاد الإسرائيليّ المُتهالك، وربّما المخفي أعظم.
***
وبما أنّنا لا نُعوِّل على الأنظمة العربيّة الرسميّة في الوطن العربيّ والعالم الإسلاميّ، فقد كُنّا على أملٍ في أنْ تتحمّل الشعوب مسؤوليتها التاريخيّة وتنتفض انتصارًا لأعدل قضيةٍ في العالم، قضية فلسطين، إذْ لا يُعقَل أنّ تنطلِق المظاهرات العارِمة في الدول الغربيّة نصرةً لفلسطين، في حين تلتزِم الشعوب العربيّة والإسلاميّة صمت أهل الكهف، وفي هذا السياق نرفض جملةً وتفصيلاً الادعاءات الباهتة والسخيفة بأنّ الشعوب تخشى من القبضة الحديديّة للأنظمة الرجعيّة الحاكِمة، فها هي الأردن، التي وقعّت على اتفاق سلامٍ مع الكيان في العام 1994، تُعطي مثالاً للشهامة والمروءة، حين نرى الآلاف المؤلفة تنزِل للشوارع وتتظاهر تأييدًا لفلسطين وضدّ إسرائيل، متحديّةً بذلك الجميع دون استثناءٍ.
***
من نوافل القول إنّه يُفترض بالدبلوماسيين امتلاك القُدرة الهائلة على ضبط النفس والتصرّف بتروٍ وحكمةٍ كبيريْن، غير أنّ سفير الاحتلال لدى الأمم المتحدة جلعاد أردان تصرف في العاشر من أيّار (مايو) الماضي في اجتماع المنظمة الأمميّة بطريقةٍ لا تتصِّل بالدبلوماسيّة من أيّ جانبٍ، فبعد أنْ تبنّت الجمعية العامّة للأمم المتحدة قرارًا يدعم طلب فلسطين الحصول على عضويةٍ كاملةٍ بالأمم المتحدة بأغلبية 143 صوتًا، خرج أمام الجميع وقام بتمزيق ميثاق المنظمة الأمميّة. وبكلّ وقاحةٍ وصلفٍ نشر السفير العنصريّ كلمته على (يوتيوب)، في حين أثار تصرفه المارِق والفظ ضجّةً على مواقع التواصل الاجتماعيّ، علمًا أنّ الكيان لم يقُمْ بتنفيذ عشرات القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدوليّ منذ تأسيسه على أنقاض الشعب العربيّ الفلسطينيّ بعد نكبة العام 1948.
***
وفي الختام نرى لزامًا على أنفسنا التوجّه لجميع الدول العربيّة والإسلاميّة لنقول بملء الفم: لا نُريد جيوشكم الجرارّة للدفاع عن فلسطين ولبنان، لا نُطالبكم بالمُشاركة في المجهود من أجل الذود عن نُبْل هذين البلديْن، ولكن من حقّنا، لا بلْ من واجبنا، أنْ نقول لكم دون لفٍّ أوْ دورانٍ: رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، سيُلقي كلمةً في الساعة الرابعة والنصف من بعد ظهر يوم الجمعة الـ 27 من الشهر الجاري، حسب توقيت فلسطين، هل تملكون الجرأة وحتى الكرامة أنْ تفعلوا شيئًا من أجل أنفسكم ودولكم وفلسطين ولبنان؟ هل لديكم الحِميَة والنخوة والرجولة لتُقاطِعوا خطاب نتنياهو، المُتهّم بارتكاب جرائم حرب في محكمة الجنايات الدوليّة، أمْ أنّ عاركم-عارنا سيبقى يسير عاريًا؟
*كاتبٌ فلسطيني
شاهد أيضاً
كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!
محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …