الجمعة , نوفمبر 22 2024
الرئيسية / اراء / تورا بورا الضاحية الجنوبية..!

تورا بورا الضاحية الجنوبية..!

خالـد شــحام*
مع عمليات القصف المروعة التي وقعت مساء الأمس في بيروت الجنوبية وإعلان الكيان عن استهداف الأمين العام السيد حسن نصر الله ، تأتي الرسالة الصهيونية ومن منبر الأمم المتحدة مباشرة وعلى مسمع العالم كله بإعلان الرفض المطلق لكل محاولات السلم والأمن الاقليمي في المنطقة وضرب كل قواعد الاشتباك بعرض الحائط ، الستايل الأمريكي المفضل في القتل واضحٌ في بصماته بجلاء من خلال إلقاء 1800 طن من القذائف على بنايات سكنية مدنية ، إنه نفس النهج الذي تم اتباعه في العراق وأفغانستان من أجل تحقيق نظرية (الصدمة والترويع ) الموروثة من سجل المجرم جورج بوش الإبن ، لم يختلف الأمر كثيرا عن قصف جبال تورا بورا في أفغانستان في 2001 بالقذائف العملاقة ، ولا عن مذبحة ملجأ العامرية في 1991 في العراق ، فقط المجرمون والمجردون من الإنسانية هم الذين يستخدمون مقذوفات مخصصة لاختراق الجبال والتحصينات في قصف مبان سكنية تقليدية .
وفيما تستمر آلة القتل الأمريكية في لبنان و غزة والضفة باستعراض عضلاتها المعدنية من الطائرات والمسيرات وتكنولوجيا الاصطياد التي تعدت التوقعات ، تستمر عمليات القصف للأراضي المحتلة وتتساقط صواريخ المقاومة على فلسطين المحتلة تحديا وإمعانا في إسقاط كل نظريات الردع وسائر الأكاذيب الاسرائيلية التي عشنا فيها سنوات طويلة ، بمعية كل ذلك تستمرمعركة أخرى أشد خطورة اسمها معركة التخويف والإلهــاء والمصنوعة من كلماتٍ وصور لاستهداف الوعي في صفوف العرب والعالم ، لقد بات واضحـا أن محور المقاومة يحمل عبئا تنوء به الجبــال ، تحديات وأعداء من مختلف الأحجام والفئات ، خيانات مرحلية كشفتها غزة بجدارة تتجاوز بكثير الآلة العسكرية الاسرائيلية ، في الحقيقة إن حلف المقاومة يواجه اليوم جبهات ضخمة خفية عميقة المقياس يصعب تصورها من الخيانة المعمرة واللؤم والجهل العربي، وتحالفات غير مرئية من الرجعية المتراكبة مع ثقافة الإبادة والهمجية الحضارية التي جاء بها النظام العالمي الجديد ، يريد المخلفون من العرب الذين قعدوا في سوبر ماركت الهزيمة أن يضعوا المعركة الجارية في آلة النقد متعددة الجوارير لتخرج لهم فاتورة حساب السنة والشيعة أوالأبيض والأسود أوالإيراني والعربي ، لكنهم يتناسون أن المعركة أكبر منهم جميعا وأن المعركة تمس مستقبل العرق العربي بأكمله وتمس الأديان السماوية وعلى رأسها الدين الإسلامي والأمـة الإسلامية .
في كثير من الأحيان وعقب مطالعتي لبعض التحليلات الهَرِمة أو المقالات العربية التي تشبه قهوة الأكسبرسو الأمريكية الرديئة ، ينتابني إحساس بالغصـة لأننا على ما يبدو فقدنا الأهلية للرؤية وسط الضباب ، إما أننا أصبحنا كبارا زيادة عن اللزوم في السن ولم تعد مؤهلاتنا ونماذجنا التحليلية قادرة على استيعاب الانفجار المعرفي الذي طغى على عصر اليوم ، أو أن أدمغتنا أصبحت كائنات بدائية حيال التقنيات التي يلعب بها العدو، لقد وصلنا الآن أمام طرف المعادلة الأخيرة من الامتحان ، هل تنجح النفوس بإيمانها وعقيدتها وأسلحتها البسيطة حيال التحالف التكنولوجي الغربي الذي يشتغل منذ أكثر من مائة سنة ؟ هل ينجح الإيمان امام حقائق الحديد والنار وغول الذكاء الصناعي الذي يواجهوننا به ؟
لا يكاد يمضي يوم واحد من بقية هذه السنة إلا وفيه من الأحداث ما يدفع بالمزيد من ألسنة اللهب نحو المنطقة ، وعلى ما يبدو فنحن بانتظار أيام طاحنة عاجلة ، إنها باختصارأيام الأبوكاليبس أو الرؤية الإسرائيلية بكل فصولها ومراحلها المؤلفة من المجازر وهدم البنايات وصفوف الأكفان البيضاء وصور النساء الناحبات وأعمدة الدخان الهائلة فوق المدن ، منذ أحداث البيجرات وأنا أضع يدي على قلبي كلما سمعت بأن المجرمين قصفوا شقةً في الضاحية الجنوبية ،لأنني أخاف أن أتلقى خبر الاغتيال بعدها بقليل ، لم يعد يُصَدَق مدى انكشافنا أمامهم ، لقد تبين بما لا يدع للشك بأن المستعمرة الأمريكية العسكرية متغلغلة باستحكام وهنالك مراجعات كثيرة يتوجب على المقاومة أن تتكفل بها وبعجالة حازمة ، إن ما يجري تكتيكيا في لبنان هو تطبيق عملي مباشر لحضور شبكة جواسيس ميدانية مع حرب المعلومات المولدة بالذكاء الصناعي كما في غزة تماما بالتضافر مع الآلة الحربية الأحدث ، حرب قائمة على المعلومات الفورية، يتموضع في قلبها (جوجل ) عملاق البيانات ، فتات من ملايين البيانات والمعلومات والهفوات الصغيرة والآثار المتروكة هنا وهناك ، التي تمكنت من حصر وتحديد وتشخيص كل فرد وكل قيادي وكل مفكر وكل عربي نشط، وادخال ذلك في ماكينة اجرائية عسكرية أمريكية الصنع اسمها الوحدة 8200 لتحويله إلى وجبة للقاصفات والمسيرات ، هدف هذه الحرب توجيه ضربات متسارعة متتالية لا تسمح لقيادة حزب الله بأي تفكير أومبادرة أو هكذا يظنون.
إن ما يحدث أمام اعيننا في غزة ولبنان مختلف تماما عن كل فصول التاريخ السابقة ، نحن أمام تطور غير مسبوق في تشكيل معرفة أو علومٍ همجية جديدة قائمة على الإبادة والإطاحة بشعوب أو امم كاملة كنتيجة حتمية لطغيان القوة العلمية المادية على القوى الثقافية الإنسانية الراسخة التي تشكلت عبر ألوف ومئات السنين في وعاء الجغرافيا البشرية ، نحن الان نعاصر عمليات القتل الجماعي التي تسوق زورا وكذبا فاضحا على أنها (دفاع عن النفس ) أو (تغيير موازين القوى ) فيما هي في الحقيقة عقيدة إزالة عرقية ومذابح جماعية ترعاها وتعرف بها الأمم المتحدة ، عقيدة قائمة على نظرية التفوق الغربي بمطلق معانيه (ولا يقتصرالامر طبعا على الغرب الجغرافي فحسب ) وشعوره الغامر بأنه قادر على محو العرب او أية شعوب تقف في وجهه ، عقيدة مادية رأسمالية إجرامية فقدت عقلها وعقالها وتحولت إلى آلة ذات مسننات متجولة تسحق الإنسان والأرض والشجر والتاريخ ، هذا هو بالضبط ما يواجهه حزب الله والمقاومة الفلسطينية لمن لم يفهموا بعد.
هنالك الكثير من النقاط والتفاصيل التي يمكن طرحها حول الأحداث التي تجري ، واختصارا يمكن حصر النقاط الاتية للإشارة إليها لأهميتها والاختصار على القارىء:
1-فرح المخلفون من الأعراب بالضربات التي وقعت على حزب الله وأطلت علينا بعض الذئاب المنفردة من رجال الإعلام والدين فرحين بالبيجرات التي انفجرت، لكن ما يطفو على السطح الان وفي ظل تعرض لبنان لإبادة جديدة بمعية غزة هو مفعول البيجرات العقائدية الملغمة التي فجرها الكيان الصهيوني باقتدار في طبقة واسعة من شعوب العرب الذين لا يزالون يعيشون ويستمتعون بالخصام والأحقاد والتكفير ، لقد انفجرت بيجرات كثيرة مبيتة ومجهزة وملغمة منذ غزو العراق ولا تزال شحناتها المتفجرة حاضرة وفاعلة ، انفجرت وطرحت لنا أسئلة كنا اعتقدنا بأننا تجاوزناها منذ سنوات وهي أشد فتكا مما فعلته البيجرات التي زرعها الموساد في داخل لبنان ، كنا نتمنى على خصوم المقاومة ومن يحملون سيوفا منحنية بالمقاس الاسرائيلي ضمن باقة من المبررات والتفسيرات المعدلة وراثيا أن يكونوا على قدر من النزاهة والمرؤة والمسؤولية القومية والدينية ليجدوا سبيلا آخر للشماتة والانتقاد والتشفي غير السبيل الاسرائيلي ، يمكنكم الاختلاف مع حزب الله لكل الأسباب التي تدعونها ولكن لا يمكنكم أن تكونوا شرفاء ولا منتسبين لهذه الأمة إذا جاءت مسرتكم وفرحتكم بهذا (النصر ) بالآلة الاسرائيلية لأنكم أصبحتم جزءا منها بعلمكم أو بدونه.
2-حذار من الوقوع في فخ دعاية مناعة العدو وحصانته ضد صواريخ اليمن ولبنان ، أكذوبة المصابين نتيجة التدافع تبدو حيلة سطحية جدا لإخفاء آثار الضربات المؤلمة التي تتسبب بها الصواريخ ، إن تكتم العدو المطبق على الإصابات يعد جزءا من حربه النفسية على العرب.
3-يعتقد المجرم نتانياهو بأن هذا السينايو الإجرامي العدواني على لبنان سيحقق له فرضية إعادة المستوطنين إلى مستعمرات الشمال ، ولكن الوقائع الميدانية تثبت بأنه يعمل على تضخيم أعداد النازحين من هؤلاء القطعان وزيادة حشرهم في مساحات أضيق ووضع حريتهم داخل ملاجىء الحماية .
4- الحلم الاسرائيلي يريد حزب الله معزولا في العمق اللبناني ومجردا من صواريخه الدقيقة وأسلحته التي تهدد الوجود الصهيوني ، وتحويله الى حزب محلي يقود انتخابات بلدية لا اكثر ، هنالك خطط أعمق مرتبطة بحرب المياه والتي يلعب فيها نهر الليطاني محطا خاصا ، هنالك خطط تتعلق بالمصير السياسي والعسكري لحزب الله وإزاحته من المشهد اللبناني بالاستبدال، تماما كما يُرسم لتوكيل جماعة السلطة مكان حماس ، هنالك رؤى أخرى مخططة بشأن سوريا داخل الحلم المذكور والذي يمثل الرؤية الاسرائيلية للشرق الأوسط الجديد ، لكن هؤلاء الاقزام نسوا بأن حزب الله حالة أو فكرة وُلِدت من رحم المعاناة التي صنعها الاجتياح في عام 1982 ، مثله مثل المقاومة الفلسطينية واليمنية والعراقية التي نجمت من صنائع الحلف الصهيو-أمريكي .
5-إن عنصر المقياس في نجاح العدو الصهيوني في أهدافه لا يتمثل في تسوية البنايات بالأرض واغتيال القيادات التي نذرت حياتها للشهادة ، إن النقطة ذات الحساسية الكبرى والتي تؤكد نجاح أو فشل اهداف الكيان هي فك الارتباط مع غزة ، وبما أن الحزب أعلن بوضوح وقوة استمرار هذا الارتباط الروحي والعضوي في كل عملية قصف فلا يزال الحزب في حالة انتصار جذرية ، ومن ناحية ثانية لو افترضنا جدلا بأن حزب الله أعلن تخليه عن غزة نتيجة ضغوط ما ، فإن ذلك لن يعفي لبنان من استمرار العدوان عليه ، ففي نهاية المطاف دعوة العدو إلى فك الارتباط مع غزة هو مجرد واجهة إعلامية مثله مثل موضوع القضاء على حماس وتحرير الأسرى.
5- تحاول بعض جبهات الإسناد الإعلامي العربي للعدو وبذكاء إيقاد معركة (تخلي ايران ) وتأخر الرد الإيراني وحدوث صفقة سرية من خلف الكواليس ، يراد من كل ذلك تصوير المجهود الحربي للحزب على أنه مجرد تابع ووضعه في منزلة التشكيك والضعف وعدم الولاء الوطني والقومي ، لكننا هنا نسألهم : لأجل من يستشهد هؤلاء الأبطال ؟ ولأجل من يضحي شعب لبنان بشبابه ورجاله ومدنه ومستقبله ؟ هل استكثرتم على العرب بعض الكرامة الذاتية وحرمتم عليهم الوقوف مع غزة ؟
6- أن الكيان الصهيوني يغادر منطقة التوقع المسبقة المعروفة عنه ، لقد غادر المسلمة الاستراتيجية حوله بأنه صاحب الحروب الخاطفة والقصيرة ولم تعد هذه الفكرة صالحة لتفسير ما نراه ، إن قراءة هذا السلوك مرتبطة باستشعار الكيان ومن وراءه لخطر وجودي حقيقي يهدد المصير بعد طوفان الأقصى ، وبهذا نفهم جيدا أن المخطط الامريكي ضاغط جيدا ويرغب في تغييرات جيوسياسية واسعة هذه المرة ، نتمنى في أعماقنا أن نصدق التوقعات التي تفترض بأن جيش المخربين منهك وغير مؤهل ولا قادر على خوض اجتياح بري واسع للحدود اللبنانية ، لكن الأسف حاضرٌ ليقول بأن القراءات والقرائن تؤكد بأنهم لن يتوقفوا لأن مشروع تغيير خرائط الشرق الأوسط ليست وهمــا ولا ضربا في الرمل ولا يهمه لو أبيد كل (شعب اسرائيل ) أو كل شعوب العرب ، بل هو حقيقة تغذيها التحضيرات التي تجري في البلدان العربية المتواطئة وتغذيها الإدارات الأمريكية بشحنات السلاح التي لا تكاد تنفذ وتشي بها كل السياسات الخبيثة التي تملأ المنطقة .
رغبات نتانياهو ومن يمثلهم من جماعات الحلف الصهيوني -المسيحي -الإسلامي ليست قَدرا ولا شيئا محتوما ، حلف المقاومة لن يخيفه اسقاط البنايات العملاقة ولا مسح المدن ولا سقوط القيادات ، هذا المحور خلق لكي يعانق الشهادة ويستمر في قتاله لأعداء الحياة حتى آخر رمق ، حزب الله ومثله المقاومة الفلسطينية واليمنية والعراقية ليست أشياء قابلة للإزالة مهما استخدم الحلف الشيطاني من أسلحة ومن ضغوط ، إنها مشاريع الحرية والتحرر والنهوض الحقيقي لكل العرب وأمة الإسلام ودرع الحماية الصحيح الذي لن ينكسر ، إنها الضمانة الوحيدة لكسر الأحلام الامبريالية الصهيونية التي تتحضر لابتلاع كامل بلادنا .
*كاتب فلسطيني

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!

محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …