د.جواد الهنداوي*
أَخّرَ نتنياهو ردّه على ايران لسببّين ، الاول عملياتي ، يتعلق بتحديد المواقع المُستهدفة والاتفاق مع الادارة الأمريكية بشأنها ، وضمان الدعم اللوجستي من قوات حلف الناتو . و الثاني رمزي وهو رغبة نتنياهو ان يتزامن هجومي التاريخي على ايران مع الذكرى السنوية الاولى لطوفان الأقصى ،حينَ مُرّغتْ مناخير الصهاينة و كيانهم في رمال غزَة .
يريد نتنياهو ان يستبدل تاريخ 7 اكتوبر عام 2023 ، حيث نكبتهم ونكستهم التاريخية ،و على يد و سواعد حركة مقاومة محاصرة ، بتاريخ آخر وهو 7 اكتوبر عام 2024 يوم قصف المنشاءات النووية او النفطية او العسكرية الإيرانية ،كي يحّلَ هذا التاريخ في ذاكرة اسرائيل و الصهاينة بدلاً من التاريخ السابق .
حقاً ،صَدَقَ من قال ” الجنون فنون” ، و سلوك نتنياهو و جرائمه و افعاله خير شواهد .نتنياهو فاقَ شارون ببشاعة الجرائم ” مات في صهيون كلبٌ ( شارون ) فأسترحنا من عواه … خلّفَ الملعون جرواً ( نتنياهو ) فاق في النبح أباه .وعذراً للمتنبي على التحوير في بيت الشعر .
فاقَ نتنياهو بسوء أدبه و تجاوزاته الرئيس الأمريكي السابق ترامب ، حين وصفَ الامين العام للامم المتحدة بشخص غير مرغوب به ، و اهان الرئيس الفرنسي حين توعّده بلعنة التاريخ . لذلك لم أتجاوز على شخص نتنياهو ،حين وصفته ،في مقالات سابقة بالجنون و الاستهتار ، وصفٌ يُضافُ إلى آخر يناسبهُ ويلاحقه وعلى مقياسه ” مجرم حروب ” .
ما أوصلَ نتنياهو إلى هذا المستوى من الجرم و الاستهتار هو المجتمع الدولي الرسمي وليس الشعبي ،هو مجلس اللا امن ، هو الدول الكبرى ،و تعرفون الاسباب .
في أمر إسرائيل و شارون و نتنياهو موعظةٌ وحكمة للذين يتمعنون في الاحداث ويستخلصون منها العِبرْ ، والتاريخ حافلٌ بتجارب الطغاة ومصيرهم و مصير من وَثَقَ بهم ، و وا لا هم . الموعظة هي أنْ لا أمان ولا استقرار مع هذا الكيان العنصري التوسعي .
والحكمة هي أبيات من قصيدة للشاعر ايليا ابو ماضي :
“و إن شّنَ البغاة عليك حرباً و اجروا من دم الاحرار نهراً … فلا تحزن فرّبُك ذو انتقامٍ …سيصنعُ من دم الأبطال نصراً… وإنْ فرضوا الطغاةُ عليك ذلاً … فلا تخضعْ و عش دنياك حُرّاً …
الدول الكبرى او العظمى ،وفي مقدمتهم امريكا و الغرب هم ،اليوم ، مسؤولين على حال العالم، وحال منطقتنا، عليهم تقع الملامة و الحساب، وليس على الفلسطينين والمقاومة وشعوب المنطقة .هم الذين رعوا و كبّروا و دعموا إسرائيل ،و حولوها إلى وحش كاسر ،يجول و يصول دون حساب وعقاب.
إسرائيل اليوم تنزفُ وتُستنزفْ في حربٍ، مشوارها طويل، طالما يقودها نتنياهو. نجحَ نتنياهو في اغتيال قادة من المقاومة ، ولكن ،نجحَ ايضا في الاسراع بزوال اسرائيل ،و نجحَ في توسيع رقعة او مساحة العداء لإسرائيل ؛ شعوب المنطقة و شعوب العالم، و دّقَ جرس الإنذار في الأردن وفي مصر، واقصدُ زعزعَ ثقة شعوب وقادة هذه الدول بما ذهبوا اليه من سلام و اتفاقيات مع إسرائيل .
الآن، وقبل ان يبدأ هجوم اسرائيل في الساعات القادمة، و يليه الرّدْ من إيران ،دخلَ الطرفان (الكيان المحتل وجمهورية ايران) في حالة حرب.
ماذا سيحدث بعد الهجوم و الرّد على الهجوم؟
حرب استنزاف في المنطقة وفي العالم، ما لمْ تستعجل الدول الكبرى في حّل سريع يرضي الأطراف، وأول الأطراف المقاومة في غزّة ولبنان.
حرب استنزاف لإسرائيل أولاً و للغرب ثانياً، ألمُتعَبْ من حربه المفتوحه في أوكرانيا ومع روسيا ،ومع الصين اقتصادياً و دبلوماسياً . حربٌ استنزاف تطال دول المنطقة بدولها وشعوبها وثرواتها ( مصادر الطاقة)، وربما بحدودها.
إيران هي، ومنذ 40 عاماً، هي في حالة استنزاف وحرب ناعمة، وعمقها الجغرافي و نظامها السياسي، وامكانياتها الاقتصادية تُعينها في تحمّل الأعباء . ولكن هل تصمد إسرائيل امام حرب استنزاف، وهل يستطيع الغرب وامريكا التعايش مع حربيّن في منطقتيّن استراتيجيتيّن؟
روسيا و الصين ينتظران بفارغ الصبر حرب طويلة الأجل في المنطقة لاضعاف و إنهاك امريكا و الناتو ،اي لاستنزافهما ، ولن تبخلْ روسيا بدعم ايران وجبهة المقاومة ،و بالقدر الذي تراه مفيد لمصالحها.
الدخول في هذا السيناريو ( حرب في أوكرانيا و حرب في الشرق الأوسط ) وكلاهما بالوكالة بين امريكا و روسيا قد يتطور ( و اقصد السيناريو ) إمّا إلى ” فلم ” يكتبه و يخرجه الطرفان ولمصالحهما ،وعلى حساب مصالح شعوب المنطقة ،و إما بطوفان للعالم نحو حرب عالمية ثالثة ،وهذا ،اعتقد ،امر مُستبعد ،طالما ، مابين امريكا و روسيا توازن بالردع النووي ،ومصالح دولية .
*رئيس المركز العربي الأوربي للسياسات وتعزيز القدرات /بروكسل