الثلاثاء , نوفمبر 5 2024
الرئيسية / اراء / هل ستنجح السياسة الصهيونية في تفكيك محور المقاومة؟

هل ستنجح السياسة الصهيونية في تفكيك محور المقاومة؟

د. حرزالله محمد لخضر*
من طبيعة الحروب أنها حبلى بالمفاجآت السارة والضارة، واغتيال القادة فيها أمر متوقع، ففي غزوة أحد استشهد 70 صحابيا منهم أسد الله حمزة بن عبد المطلب والعديد من قادة الصحابة، وذلك بعد مخالفة الرماة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالبقاء في أماكنهم وعدم مغادرتها حتى بعد انتهاء المعركة، فتمكن المشركون من الكَرِّ خلف دفاعات المسلمين بعد أن كانت لهم الغلبة بادئ الأمر، ووصلوا إلى حد تطويق النبي عليه الصلاة والسلام، فكسروا رباعيته وأدموا وجهه وأسقطوه أرضا، حتى ظن الصحابة أنه قد استشهد، فشَلَّ الوهنُ أركانَهم، واثَّاقَلَتْ أرجلهم عن مواصلة القتال، حتى جاءهم البشير بأن محمدا حيٌّ، فاشتدت عزائمهم واستعادوا روحهم القتالية.
لقد كانت هذه الخسائر مقابل خطأ تكتيكي قاتلٍ تسبب في كل هذه الاغتيالات، وفي ذات الوقت كان درسا استراتيجيا في فن إدارة الحرب وتماسك البناء التنظيمي بين القيادة والجيش، وفي ضرورة تطهير الجيوش من الخونة والمنافقين، لما يسببونه من اختراق وتشققات في هيكل الجيش، ففي غزوة أحد رجع عبد الله بن أُبَيّ بن سلول(كبير المنافقين) بثلثي الجيش الذي كان تعداده 1000 مجاهد، فرجع منهم قرابة 300 متأثرين بالدعاية المضادة لزعيم النفاق:” وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوِ ٱدْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَّٱتَّبَعْنَٰكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ.”(آل عمران 167)
إن تَتَابعُ الأحداث في الآونة الأخيرة في أرض الرباط يشير إلى أننا بصدد تحول دراماتيكي في المنطقة يحتاج منا إلى وقفة مراجعة ونقد واستشراف، فمحور المقاومة إزاء منعرج خطير بعد جملة الاستهدافات التي من الواضح أنها تأتي في سياق متناسق ومحكم، ووفق ترتيب دقيق ومعقد، واللافت أن هذه الاغتيالات تتم بطريقة متسلسلة ومتقاربة وبنسبة صفر خطأ، وهو ما يؤكد على وجود اختراق غير عادي للبنية الصلبة للتنظيم حزب الله، اختراق لا يعتمد على التعقب التكنولوجي أو الجوسسة فحسب، بل يبدو أنه عمل استخباراتي معقد جرى التحضير له طيلة الأشهر الماضية، وعلى مستويات عليا موازية لمكانة المستوى القيادي المستهدف أو على التماس منه.
استراتيجية الكيان الصهيوني في هذه الحرب تعمل على تفكيك البنية التنظيمية لحزب الله وحماس وفق مقاربة عسكرية استخباراتية، تستخدم فيها وسائل صلبة وأخرى ناعمة، وتتداخل فيها عمليات مركبة ومعقدة، وبتكنولوجيات تبدو أنها غير مسبوقة، وبجيوش من الخونة وبائعي الذمم، سواء من الأنظمة أو المعارضة، كما تشترك في الحرب أطراف من داخل وخارج المنطقة، فظاهريا تبدو أنها بين الكيان الصهيوني ومحور المقاومة، لكن عمليا هي بين أمريكا والمعسكر الغربي وحلفائهم في المنطقة العربية، وبين محور المقاومة ممثلا في فصائل المقاومة الفلسطينية وحزب الله والمقاومة في العراق واليمن وإيران، فقد كشفت هذه الحرب عورات التطبيع العربي، وما كان ينسج في الظلام من تصفيةٍ للقضية الفلسطينية من خلال تتويج اتفاق أبراهام بالتطبيع السعودي-الصهيوني، الذي لا يزال حلما يراود نتنياهو حتى وهو يخطب وحيدا من على منبر الأمم المتحدة أمام لفيف من مريديه.
إن استدارة الكيان الصهيوني إلى جهة الشمال تأتي بعد سلسلة الإخفاقات التي مُنِيَ بها في غزة وعلى رأسها عدم استعادة الأسرى، والكلفة الباهضة التي تكبدها في صفوف جنوده من القتلى والجرحى والمعاقين الذين يتكتم عن أعدادهم الحقيقية، إضافة إلى خسائره المادية، وهي محاولة يسعى الكيان من خلالها إلى تحقيق هدفين مركزيين:
الأول/ تخفيف الضغط الممارس على حكومة نتنياهو من طرف أهالي الأسرى، وصرف الأنظار عن الفشل في استعادتهم، فقد أصبحت المسيرات بشكل يومي خاصة بعد عرض حماس لفيديوهات مصورة عن الأسرى الستة الذين قتلوا مؤخرا.
الثاني/ محاولة كسر جبهة الإسناد من خلال توجيه ضربة موجعة لعمودها الفقري وهو حزب الله، وفي الوقت ذاته إضعاف جناح إيران في المنطقة، ودفع جبهة الإسناد نحو الانحسار والتخلي عن جبهة غزة بهدف الاستفراد بها وتصفية آخر ما تبقى من رموز المقاومة الفلسطينية الباسلة.
والهدف الثاني هو الأخطر بالنسبة لمسار التحرير الفلسطيني، خاصة بعد تغير المعطيات الجيواستراتيجية بالمنطقة العربية التي أصبح يحكمها معاملان مؤثران:
الإنهاك المتواصل لمحور المقاومة: فمنذ حرب العراق مرورا بما سمي بالربيع العربي؛ والمحاولاتُ جارية للتخلص من رموز العداء للصهاينة وإثخان جبهة المقاومة بالأزمات الداخلية.
اتفاقات التطبيع الخائنة: وما أفرزته من تغير في العقيدة القومية والأمنية للدول المطبعة، التي أصبحت ترى خلاصها في التحالف مع إسرائيل ولو بإدارة ظهرها للحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني.
إن المقاربة الصهيونية الساعية إلى تفكيك محور المقاومة تهدف إلى:
تيئيس الجماهير العربية من جدوى المقاومة وإقناعهم بأن لا خيار لهم سوى الخضوع القسري للسياسة الصهيونية؛
تضخيم البُعْبُع الصهيوني في مخيال الشعوب العربية لتمكين الإحباط في النفوس؛
تسميم الوضع السياسي في المنطقة العربية وخلق اصطفافات وأزمات دورية من شأنها تعفين العلاقات العربية؛
إنعاش الاستراتيجية التوسعية للكيان واختراق العمق العربي.
هذه المقاربة حتى وإن أدت على المستوى التكتيكي إلى بعض التململ في جبهة المقاومة في ظل تخاذل أغلب الأنظمة العربية والإسلامية، ومساهمة البعض في الحصار، لكنها على المستوى الاستراتيجي لن تنجح في قتل فكرة المقاومة في وجدان الأجيال القادمة، التي ستستفيد من الدرس وتعيد بناء قدراتها القتالية بشكل أكثر شراسة وانتقاما، وستعيد هيكلة بنائها التنظيمي وترتيب بيتها الداخلي وتصفيته من العملاء، وتطوير أداءها القتالي بالطريقة التي تقضُّ مضاجع العدو، ولن يضيرها فقدان القادة، فكم قتل الصهاينة أو عملاؤهم من قادة المقاومة، فجاء بعدهم من هو أشد بأسا وأشد تنكيلا، وهذا معروف ومُشاهد، وسيظل هذا الكيان المهزوز معزولا ومنبوذا من محيطه القريب والبعيد، حتى وإن تمالأت معه الأنظمة الوظيفية، فلن يوفر له ذلك الأمان المنشود، بل ستظل سواعد الأحرار تلاحقه إلى أن يلقى حتفه المحتوم، وهذا ما تشهد له حقائق القرآن وعزائم الإيمان وشواهد التاريخ من نضالات الشعوب الحرة، وكان وعد ربك مفعولا.
*كاتب وباحث جامعي جزائري

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

انتخابات امريكا وجرائم إسرائيل في غزة!

د. حامد أبو العز* يبدو أن الانتخابات الرئاسية لعام 2024 ستكون واحدة من أكثر الانتخابات …