رامي الشاعر*
اعتبر الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو الدفاع عن فلسطين وحقها في الحياة وفي الاستقلال وفي الوجود هو “دفاع فنزويلا وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي عن الحق في الوجود” مشددا على أنها “معركة حاسمة”.
وتابع مادورو أن “ثمة حرب إبادة تشن على الشعب الفلسطيني، والآن تشن الهجمات الصهيونية على لبنان”، وأكد على أن فلسطين هي “وطن الإنسانية، وكانت دائما في صميم الوحدة الدينية والثقافية، حتى جعلت الولايات المتحدة وأوروبا وبريطانيا مشاريعها الاستعمارية هي المهيمنة في المنطقة”.
يأتي ذلك في ذكرى مرور عام على أفظع حرب إبادة جماعية أسفرت عن مقتل 27 ألف طفل و10 آلاف امرأة، فضلا عن تدمير 80% من المنازل في غزة، على مسمع ومرأى من العالم “الديمقراطي” و”المتحضر” و”الحر” الذي لم يتوقف يوماً عن تنظيم محاضرات وندوات وورش عمل ومؤتمرات حول حقوق الإنسان وحرية الإنسان وكرامة الإنسان.
من جانبه علق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على الذكرى السنوية لأحداث غزة بأن الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، “أثبتت أن اللوبي الصهيوني يسيطر على أرقى الجامعات في العالم”، “حيث تعرض الطلاب المنددين بالإبادة الجماعية في غزة لعنف الشرطة والسحل على يد قوات الأمن”.
وتابع أنه تم إجبار رؤساء جامعات في دول غربية على الاستقالة وتم استجواب آخرين في الكونغرس الأمريكي، بسبب سماحهم بالمظاهرات المتضامنة مع فلسطين، فيما وصفه أردوغان بـ “الإعدام دون محاكمة”.
في سياق متصل، وأيضا بمناسبة ذكرى مرور عام على طوفان الأقصى، حذر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، يوم أمس الثلاثاء، من أي اعتداء على الأراضي الإيرانية، وقال إن ذلك سيواجه “برد أقوى من السابق”، وأشار إلى أن إيران “ترصد وتدرس جميع الخطوات بدقة، وأن بلاده لن تتردد أو تندفع أو تتسرع في الرد، بل سيكون الرد مناسبا وفي الوقت المناسب”، مؤكدا أن الأعداء “يعرفون الأهداف التي في متناول أيدينا داخل الكيان الصهيوني”.
بالتزامن أصدرت جميع فصائل المقاومة اللبنانية والفلسطينية واليمنية والعراقية بيانات تؤكد عزمها على استمرار خوض المعركة ضد الاحتلال الصهيوني الإسرائيلي الأمريكي لفلسطين.
وهنا يطرح السؤال نفسه: وأين نحن العرب وقادتنا من كل هذا الزخم، وكل تلك الأحداث في فلسطين ولبنان؟
أود بهذا الصدد أن أطمئن الجميع أن هناك اتصالات مكثفة تجري على أعلى مستوى، توصلت إليها من قنوات ومصادر خاصة، تؤكد أن الأجهزة المعنية تناقش اتخاذ خطوات جدية للغاية سيتم اتخاذها من أجل ردع إسرائيل، تتجاوز بيانات الشجب والرفض والاستهجان والتعبير عن القلق إلى مستوى الإعلان عن عقيدة عربية موحدة تحذر من التمادي في الاعتداء على أي دولة عربية، وتجبر إسرائيل على الانسحاب من جميع الأراضي العربية المحتلة، وهي عقيدة ستتضمن إجراءات تشمل اللجوء إلى القوة لتحقيق ذلك.
كذلك تدور المناقشات والمشاورات خلف الأبواب المغلقة بشأن مشاركة تركيا وإيران في تلك العقيدة العربية لردع إسرائيل وتحرير فلسطين، والتي ستكون الأولوية فيها التوصل إلى سلام عادل ودائم وأمان واستقرار للعالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط التي يمكن أن تصبح جنة الله في الأرض إذا ما توافرت لها تلك المقومات وتوفر للإنسان فيها شروط الحياة بأمن وحرية وكرامة مثلما ينص ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
كذلك ستؤكد تلك العقيدة على التصدي لأي محاولة تهدف إلى فرض السيطرة والهيمنة والإملاءات التي تقيد حرية أي دولة في اختيار سياساتها الداخلية أو الخارجية، أو توجهاتها ورغبتها في إقامة علاقات التعاون وتبادل المنفعة مع من تشاء.
تأتي جهود الاتفاق على “العقيدة العربية” لردع إسرائيل على خلفية تطورات هامة ومحورية، لعل أهمها اعتراف 124 دولة بالدولة الفلسطينية المستقلة خلال التصويت الأخير الذي جرى في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكذلك استنادا إلى الزخم العالمي الواسع والتعاطف الكبير مع الشعب الفلسطيني، لا سيما بعد أن خلعت إسرائيل عن وجهها قناع “الضحية” الزائف، والذي طالما ارتدته لارتكاب أفظع الجرائم والمذابح ضد شعبنا الفلسطيني. وتأتي جهود الاتفاق على “العقيدة العربية” كذلك بالتزامن مع قرار روسيا تحديث عقيدتها النووية، لتدحض بها جميع الأوهام بشأن استعدادها لضمان أمنها القومي بجميع الوسائل، إذا ما وقعت المواجهة بينها وبين حلف “الناتو”، الذي يزود أوكرانيا بكافة الأسلحة الهجومية وبيانات الأقمار الاصطناعية العسكرية صباحاً، ويزعم أنه يسعى “للتفاوض من أجل التسوية” مساءً.
لقد سئمت روسيا خلال العقود الثلاثة الماضية من وعود ومداهنات “الناتو” والولايات المتحدة الأمريكية، وسئمت من معسول كلمات المسؤولين الغريين، وحتى مشاريعهم الضخمة (على غرار “السيل الشمالي”) التي تجهضها الولايات المتحدة بين ليلة وضحاها، وتدمر بذلك ما يزيد عن 10 مليارات يورو من الاستثمارات، ناهيك عن أعمار البشر التي أفنوها في تلك المشاريع، وناهيك عن اقتصاد ألمانيا، الاقتصاد الأكبر في أوروبا، الذي يتهاوى تحت وقع هذه الضربات. سئمت روسيا من اتفاقيات الأمن “غير القابل للتجزئة”، و”اتفاقيات مينسك”، التي لا تساوي ثمن الحبر الذي كتبت به، بينما يعترف “القادة” و”الزعماء” الغربيون بعدها بأنهم كانوا “يمنحون أوكرانيا الفرصة للاستعداد للقتال!”، قالوها نصاَ جهاراً نهاراً، بينما صمتت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا على انتهاكات الجيش الأوكراني في الدونباس طوال ثمان سنوات، راح ضحيتها أكثر من 12 ألف مدني، لا نسمع عنهم خبراً واحداً، في الوقت الذي تختصر فيه وسائل الإعلام الغربية، والعربية أيضاً، الصراع الروسي الأوكراني فيما يدعون أنه “غزو روسيا لأوكرانيا”..
إن خطط روسيا لتحديث عقيدتها النووية لا تحمل إشارة الدفاع عن نفسها وإظهار عدم جدوى الحديث مع الغرب سوى بلغة القوة فحسب، وإنما تحمل كذلك معاني حماية مسيرة انتقال العالم من الأحادية القطبية إلى التعددية القطبية، وهو ما يشارك روسيا فيه الأغلبية الساحقة من البشر حول العالم في عالمنا العربي والشرق الأوسط وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وشرفاء كثر داخل أوروبا والولايات المتحدة نفسها.
فهدف تلك العملية منطقي وحقيقي ويتسق والفطرة السوية للإنسان في أي مكان حول العالم، فمن منا لا يريد الأمن والسلام العالمي والازدهار والتطور لكل بلدان وشعوب العالم. وتكتسب تلك العملية بالنسبة لنا في الشرق الأوسط بالذات، وفي ظل الظروف الراهنة تحديداً، أهمية خاصة جداً، وستعزز بالتأكيد إمكانيات إيران لمواجهة التهديدات التي تواجهها من إسرائيل و”الناتو” بقيادة واشنطن. ولا أستبعد أن تنسحب تركيا من حلف “الناتو”، وأشير هنا إلى ما صرح به نائب وزير الخارجية الروسي ألكسندر غروشكو صباح أمس، بأن موسكو على ثقة بأن العقلاء في الغرب لا شك يأسفون بشدة لرفض “الناتو” لمشروع الاتفاقية الروسية بشأن الضمانات الأمنية.
اليوم، وبعد كل هذا الدمار الذي تسبب فيه الحلف، وبعد كل وعود الولايات المتحدة والغرب الزائفة لأوكرانيا وتحريضها كييف على عدم تنفيذ “اتفاقيات مينسك”، ثم نقضها لـ “مفاوضات إسطنبول”، آن الأوان كي يعيد هؤلاء العقلاء إلى ذاكرة جونسون وبايدن وماكرون وشولتس ومن يدعمونهم مقترحات خفض التصعيد التي تقدمت بها روسيا منذ عام 2016! ثم آن الأوان كي يتذكر الجميع ما قدمته روسيا في ديسمبر 2021 من مسودة الضمانات الأمنية، وآن الأوان كي نتذكر أيضا الرسالة التي بعث بها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى 37 من زملائه في “الناتو” والاتحاد الأوروبي كي يقدموا له شرحا حول الكيفية التي تريد بها أوروبا الوفاء بالتزامات “عدم تجزئة الأمن”، و”عدم تعزيز الأمن على حساب الآخرين” التي تعهدت بها أوروبا في اتفاقيات سابقة.
صمت مطبق، ولا رد من “الدبلوماسيين”، أو من “الزعماء” أو “القادة”. والنتيجة هي “العقيدة النووية” المحدثة، التي تقف اليوم في وجه تهديدات التوسع والتمدد والإملاءات والحصار والعقوبات ومحاولات وقف عجلة التاريخ المتحركة بلا هوادة نحو العالم متعدد القطبية. لكن أحداً من تلك الديناصورات لا يصدق بعد في أفول الإمبراطورية الأمريكية وعبيدها وتابعيها.
إن الثقة تتعزز كل يوم بأنه لا يوجد خيار آخر للدول الأوروبية للتمتع بضمانات أمنية دون وجود روسيا داخل منظومة الأمن الأوروبي، فلا أمن لأوروبا بدون روسيا، تلك حقيقة، ظننا أن أوروبا استوعبتها في الحرب العالمية الثانية، إلا أن الدرس، وإن كانت قد استوعبته ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، فإن أوروبا الشرقية، التي هرولت نحو الاتحاد الأوروبي و”الناتو”، عقب تفكك حلف وارسو، لا سيما دول البلطيق وبولندا، لم تستوعب الدرس جيداً. وكل أوهام “إمكانية هزيمة روسيا استراتيجيا في أرض المعركة” تشبه كثيراً أوهام إسرائيل في “القضاء على حماس” بقتل إسماعيل هنية، أو بتدمير غزة عن بكرة أبيها، أو “القضاء على حزب الله” بقتل حسن نصر الله، وتدمير بيروت ولبنان. فلا هذا ولا ذاك سيجلب السلام لإسرائيل، ولن يكون هناك سلام لأوروبا دون العودة إلى طاولة المفاوضات والاتفاق مع روسيا. ولن يكون هناك سلام عالمي إلا بالإيمان العميق بأن التاريخ يتحرك فقط إلى الأمام، ولا يمكن إيقاف عقارب الساعة التي تتحرك هي الأخرى، مع الأسف ربما للبعض، في اتجاه واحد فقط.. إلى الأمام، وإلى الأمام فقط. والتعددية القطبية مصير حتمي لا اختياري. ولن تتوصل البشرية إلى السلام والأمن إلا باستعادة دور الأمم المتحدة ومكانتها وباحترام ميثاقها وتنفيذ كل قراراتها لمصلحة الجميع، لا لمصلحة البعض دون البعض الآخر.
*كاتب ومحلل سياسي فلسطيني
شاهد أيضاً
ترمب ومعضلات الشرق الأوسط!
د. سنية الحسيني* من الواضح أن الشرق الأوسط الذي خرج منه دونالد ترامب في مطلع …