د. محسن القزويني*
في غفلة من الزمن ونسيان العالم عن صفقة القرن التي رعاها الثنائي ( دونالد ترامب- نتنياهو) في نهاية العقد الثاني من هذا القرن ، قرر نتنياهو المضي في الصفقة بعد ان فشلت الجهود الدبلوماسية في ابرامه ، فقد وجد وسيلة اخرى في تنفيذه هي؛ الدم والقتل والتدمير وتحويل غزة الى ارض خالية من السلاح والبشر، خالية من المقاومة وحماس ، ففي ظن نتنياهو انه بجرائمه في غزة مهد الطريق امام دونالد ترامب للوصول الى البيت الابيض، ليصبح اول عملٍ يقوم به هو المضي في تنفيذ مخططه الرامي الى تحويل غزة الى منطقة صناعية تجارية تتنعم بمطار دولي وميناء بحري يستخدم للتبادل التجاري وترتبط بالضفة الغربية بجسر معلق يكلف امريكا والدول المساندة للصفقة مبلغا قدره 50 مليار دولار فهل يستطيع نتنياهو من تحقيق حلمه وحلم حليفه دونالد ترامب وصديقه جاررد كوشنر صهر الرئيس الامريكي السابق.
صحيح ان نتنياهو استطاع ان يصفي بعض قادة المقاومة الفلسطينية كان اخرهم الشهيد يحيى سنوار وانه استطاع ان يحوّل غزة الى مدينه اشباح منزوعة السلاح خالية من المنشآت والمستشفيات والمدارس وكل شيء منفذا بذلك احد بنود الصفقة باستبدال المباني القديمة بمباني حديثة تليق بغزة التي ستصبح هونج كونج الشرق الاوسط ،لقد استطاع نتنياهو ان يهيأ ارض غزة بما خُطط لها في صفقة القرن. لكن هل سيوفق في الوصول الى حلمه؟.
إن تنفيذ الصفقة مرهون بثلاثة امور:
الامر الاول مجيء دونالد ترامب الى البيت الابيض لانه تعّهد بتمويل الصفقة بمقدار 50 مليار دولار ووضع خطة للحصول على هذا المبلغ من ميزانية الولايات المتحدة والدول المساندة كقروض و منح و استثمارات، فعن هذا الشرط يقوم نتنياهو بكل ما أُوتي من قوة وامكانات وخطط لاعادة ترامب الى البيت الابيض ، فامامه عشرين يوما لتغيير معادلة الانتخابات الامريكية لصالح ترامب، وهو يعلم جيدا بان جرّ المنطقة الى حرب اقليمية ولو مؤقتة ستُخرج الحزب الديمقراطي من حلبة الرئاسة الامريكية وتاتي بترامب الى سدة الحكم، وهذا ما لا يريده بايدن ويسعى جاهدا في اقناع نتنياهو بعدم التوسع في الحرب بل يدعوه جاهدا الى ابرام صفقة مع حماس لتحرير الرهائن المحتجزين لديها وفيهم عددٌ من الامريكان، لانه بهذه الخطوة سيكسب الحزب الديمقراطي مزيدا من الاصوات في الانتخابات وهذا يعني فوز هاريس وفشل ترامب وهذا ما لا يريده نتنياهو.
الامر الثاني الذي يعمل عليه نتنياهو هو تغيير السلطة الفلسطينية بزعامه محمود عباس التي رفض صفقة القرن و اعتبرته تصفية للقضية الفلسطينية لانها تتضمن بنودا خطيرة منها عدم عودة الفلسطينيين المهجرين الى ديارهم، وبناء المزيد من المستوطنات في الضفة الغربية، والاستيلاء على المزيد من الاراضي الفلسطينية، وان تصبح القدس عاصمة لاسرائيل بالكامل ولا يحق للفلسطينيين في القدس الا بشريط من الاراضي خارج محيط المدينة المقدسة لهذه الاسباب وغيرها رفضت السلطة الفلسطينية صفقة القرن، فعلى نتنياهو مواجهة هذا الرفض الفلسطيني وهذا ما لا يمكن ان يحدث الا بالقضاء على السلطة الفلسطينية في رام الله اما بالقوه الناعمة او بقوة الهمجية التي مارستها في غزة.
الامر الثالث الذي سيواجه نتنياهو من اجل المضي في صفقة القرن هو المقاومة الفلسطينية التي يشتد عودها يوما بعد اخر كلما استمر الصراع المرير حيث اصبحت اليوم وجها لوجه الجيش الاسرائيلي تكبده العديد من القتلى والجرحى في عمليات بطولية في غزه وفي كافة الاراضي الفلسطينية، لقد تغيّر الكثير بعد دخول الجيش الاسرائيلي الى غزة واحتلاله للارض بعد احتلاله للسماء فقد علّمت المقاومة اسرائيل ان القتال على الارض يختلف عن قتال السماء فاستخدام الطائرات الحربية والصواريخ والمدفعية التي لا تقتل سوى الاطفال والنساء والشيوخ لا اثر لها في صناعة النصر وانّ قتل القادة لا يعني نهاية المعركة، لان جيش المقاومة ليس كالجيش النظامي ينهار بمقتل قادته، فالمقاومة هي نسيج من المقاتلين يتشكّل من خلايا ولكل خلية قائد ميداني لا يحتاج الى اوامر القيادة العليا في تنفيذ العمليات فهو يعمل بمقتضى الواقع الذي يعيشه وهذا ما يفسر لنا : ان مقتل الرموز القيادية يشدّ في عضد المقاتلين ويعطيهم المزيد من الاصرار والقوة لمقارعة العدو مرددين مع شاعر النبي الاكرم حسان بن ثابت:
كنت السواد لناظري
فعليك يبكي الناظر
من شاء بعدك فليمت
فعليك كنت احاذر