وديع العبسي*
ليس في الأمر مبالغة أو تخدير، لكنها حقيقة كشفت عنها معركة «الفتح الموعود والنصر المقدس»، ورَصَدها ووثّقها وأقرّ بها الخصوم قبل الأصدقاء، اليمن يصبح لاعباً مؤثرا في مشهد المنطقة.
ولم يأت الأمر من باب الصدفة أو ضربة حظ، ولكنها نتيجة طبيعية لمن يحدد هدفه ويعمل على تحقيق متطلبات هذا الهدف بايمان وثبات، ويدعم ذلك حين يكون الهدف إنسانياً وأخلاقياً، ولذلك يجري الحديث اليوم بقلق في الأروقة الدولية عن قوة ناشئة يبدو أنه سيكون لها دور كبير في المستقبل، انطلاقا من قراءة لجملة المعطيات التي تقود إلى مثل هذه الحقيقة، والتي تتركز في المراحل الخمس لمعركة الفتح الموعود الإسنادية لطوفان الأقصى، ولا تنفصل عن حقيقة أن اليمن قادم من أنقاض عدوان استمر يقصف كل شيء في البلد طيلة ثمان سنوات بلا هوادة.
كما والنظر إلى تفاصيل معركة الفتح الموعود لا ينبغي فصله عن المنطلقات الدينية والإنسانية والأخلاقية التي جعلت اليمن يصنف السلوك الأمريكي والإسرائيلي تجاه العرب والمسلمين- وتجاه الفلسطينيين في هذه المرحلة الفاصلة- بالعربدة والبلطجة غير المقبولة، الأمر الذي كوّن خلفية موضوعية للتحرك اليمني وإعلان المعركة.
طوال العقود الماضية استضعفت أمريكا الدول العربية والإسلامية فمارست بحقها كل صنوف الامتهان ونهبت خيراتها، ولعبت بحاضرها ومستقبلها لصالح الكيان الصهيوني، وكلما تحركت قوى عالمية كالصين وروسيا، لامتلاك أدوات المنافسة على قيادة العالم، زادت أمريكا من قهر العرب والمسلمين بقصد إحكام السيطرة وتفويت الفرصة على الخصوم المنافسين على قيادة العالم، إلا أن ما قدمه اليمن من نموذج لصحوة الإرادة من أجل السيادة العربية على الأرض العربية وتفويت الفرصة على أي طامع بأن ينهب المنطقة حاضرها ومستقبلها، يحيل الحُلم الأمريكي إلى سراب، فاليوم لم يعد كالأمس، وكما ظهر اليمن بهذه القوة وهذا العنفوان وهذا الاقتدار، ظهر محور المقاومة في لبنان والعراق، فضلا عما تجترحه يوميات المقاومة الفلسطينية في الأراضي المحتلة من بطولات استثنائية ضد كيان متوحش امتلك كل الإمكانيات والدعم، وهذا المتغيّر المشهود يعقّد بلا شك على أمريكا ودول الاستكبار التفكير بذات الطريقة القديمة التي كانت تركن إلى أنه لا أحد هناك يمكن أن يقف أمام أي خطة أو رؤية يضعونها للمنطقة.
والواقع المقاوم الجديد بات بلا شك يشكل تهديدا لكل المخططات والمصالح الأمريكية وبالتالي يُضعف موقفها الدفاعي على وضعها كقوى عظمى تتحكم بمصير العالم، لذلك يأتي تحركها على هذا النحو من الطيش والعنف للّعب بواقع الشرق الأوسط ومحاولة تحديث نظام السيطرة، تحت عنوان الشرق الأوسط الجديد، للحفاظ على وجودها بذات الامتيازات التي تجعل منها صاحبة الحق الوحيدة في رسم حاضر ومستقبل شعوب المنطقة، وطبعا دائما ما كانت واشنطن تعتمد لأغراضها على القوة والمؤامرة والانتهازية، وليس التعاطي على قاعدة الاحترام والمنفعة المتبادلة، وهو ربما ما أرهب الأنظمة وأطال أمد تبعية وضعف وتخلف شعوب المنطقة، كما سلب إرادتها في الانتصار لقضاياها، وأعطى لكيان مثل إسرائيل الفرصة لأن تكون الأقوى ومن يقود سياسة هذه الشعوب.
والواقع بهذه التفاصيل القاتمة كان كافياً لأن يتحرك اليمن إلى فك طلاسم السحر الأمريكي، وأن يعمل على استعادة قرار المنطقة لأبناء المنطقة، فجاء الظهور بهذا الشكل الذي ظهر عليه خلال عام من الإسناد للمقاومة الفلسطينية وفاجأ العالم، وصارت الحسابات تضعه في خانة الرقم المؤثر الذي لا يمكن القفز عليه أو تطويعه كي يصير رقما في الخانات الأمريكية، بل ويتوقع العالم- كما تفيد بذلك التقارير الدولية المتواترة- أن يؤدي تنامي قوته إلى أن يكون هو الفاعل الأبرز في رسم هذا الشرق الأوسط الجديد الذي تسعى اليه أمريكا ولكن بهوية المنطقة وتاريخها وعروبتها.
*نقلا عن الثورة
شاهد أيضاً
كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!
محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …