الأربعاء , ديسمبر 4 2024
الرئيسية / اراء / إسرائيل والهروب من الحقيقة!

إسرائيل والهروب من الحقيقة!

د. هاني الضمور*
في مشهد يعيد للأذهان قصة النمرود الذي تحدى السماء، تبدو إسرائيل اليوم كدولة ترفض مواجهة الحقيقة، مُصرّة على العيش في وهم القوة المطلقة، بينما الحقيقة واضحة كالشمس: “كلّ من عليها فان”. تلتهمها الأزمات من الداخل، ويقف جيشها المنهك كتمثال من الرمال أمام أمواج العواصف القادمة.
صحيفة هآرتس، بمنطقها الصريح، كشفت المستور: جيش منهك، قيادة سياسية مخادعة، واقتصاد ينهار كبيت العنكبوت. تقول الصحيفة إن الكائن الفضائي الذي يشاهد المشهد من الأعلى سيصاب بالذهول: دولة تفقد شبابها بالهجرة، تئن تحت وطأة 26 ألف صاروخ ومسيرة، بينما قادتها يتغنون بـ”الانتصار النهائي”!
التاريخ مليء بالأمثلة التي تؤكد أن الغرور هو بداية النهاية. علميًا، يُطلق علماء النفس على هذه الظاهرة “وهم الاستحقاق”، حيث يعتقد الفرد أو الجماعة أنهم يستحقون كل شيء دون مواجهة الواقع. واليوم، تصر إسرائيل على أن جيشها “لا يُقهر”، رغم اعتراف قادتها بأن سلاح المشاة يتفكك وقوات الاحتياط ترفض الاستجابة. القرآن الكريم يحذرنا من هذا السلوك، ويقول: “وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا” (نوح: 28). هذا التبار، أي الهلاك التدريجي، يتجلى اليوم في إسرائيل التي تواجه انهيارًا داخليًا متسارعًا، سواء عبر اقتصادها المتصدع أو مجتمعها الذي يتفتت ككتلة ملح تحت المطر.
دعونا نكون صرحاء: هذا الجيش الذي كان يُسوّق كآلة لا تُهزم، أصبح عاجزًا عن حماية مستوطناته من صواريخ تنطلق من الشمال والجنوب. تقول هآرتس: “لو هاجم حزب الله الشمال في 7 أكتوبر كما فعلت حماس، لكنا اليوم أمام آلاف القتلى واحتلال كامل للجليل الأعلى”. إنها ليست قوة عسكرية، بل عقيدة نفسية تستند إلى تضليل الذات. القرآن الكريم يصف هذه الحالة بدقة: “يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ” (المنافقون: 4). الهلع والرعب أصبحا جزءًا من حياة المستوطنين الذين يغادرون مناطقهم، في وقتٍ يرفض فيه قادتهم النظر في المرآة والاعتراف بالهزيمة.
هآرتس تفضح السلوك المخادع للقيادة السياسية التي تضع حسابات البقاء فوق اعتبارات الأمن القومي. هل يُعقل أن يستمروا في الحديث عن النصر، بينما يعترف وزراء حكومة نتنياهو سرًا بأن الحل الوحيد هو التوجه إلى تسوية سياسية بوساطة أمريكية؟ لكن، كما يقول المثل، “من شبّ على الكذب شاب عليه”. القادة الإسرائيليون، وفقًا للصحيفة، يخفون الحقيقة عن شعبهم وجيشهم، تمامًا كما فعل فرعون عندما قال: “مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ” (غافر: 29).
إسرائيل اليوم تُذكّرنا بسُنّة كونية لا تتغير: “وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا” (الكهف: 59). قدرتها على الاستمرار في تحدي الحقائق محدودة بقدر محدودية الزمان والمكان. كل الطغاة الذين سبقوها حاولوا الالتفاف على الحقائق، لكن النهاية كانت دائمًا واحدة: الانهيار.
حين يعود ذلك “الكائن الفضائي” إلى موطنه، سيخبر زملاءه بأن في هذا الكون جنسًا بشريًا لا يتعلم. إسرائيل تهرب من الحقيقة، لكنها لا تستطيع الهروب من المصير. سواء عبر انهيار اقتصادي، هزيمة عسكرية، أو حتى ثورة داخلية، فإن النهاية مكتوبة: الغرور يُسرّع السقوط، ولو كره الغافلون.
*كاتب اردني

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

لعنة البترودولار!

د.طارق ليساوي* أن الدرس الأهم الذي ينبغي ان نستخلصه من ليبيا و سوريا و العراق …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *