سمى حسن عبد القادر*
محكمة العدل الدولية أصدرت مذكرة باعتقال نتنياهو وغالانت والأصح أن نقول أن نتنياهو أصدر مذكرة اعتقال في حق نفسه عبر محكمة الجنايات الدولية لذر الرماد في العيون لإسترجاع هيبة هذه المؤسسة العدلية في نفوس مستضعفي العالم وكذا لضمان شيء من المصداقية الموهومة لما تقوم به هذه المحكمة فعلا في حق عمر البشير وسلوفودان ميلوزوفيتش وفي البلدان العربية و الإفريقية لاحقا وكذلك هي مناورة لتبرئة النظام الغربي مما علق بسمعته من عار ما حصل طوال عام ونيف في غزة لكن لنا أن نتأمل أنه في الوقت الذي كان يجري فيه المبعوث الأمريكي ” هوكشتاين” مباحثات التفاوض مع نتنياهو في تل أبيب أصدرت المحكمة الجنائية الدولية ذلك القرار.
في الآن نفسه يترافق القرار مع تصريحات من بلجيكا وفرنسا هولاندا بضرورة الإمتثال لقرار الجنائية الدولية خلال الفترات الأخيرة وأثناء تحليلات السياسيين في العالم الافتراضي كانوا يطرحون دوما أن نتنياهو سيعرقل أي اتفاق حتى لو أرادت أمريكا ذاتها ذلك فكنت أقول لنفسي دوما هل تصدقون أن نتنياهو يحكم أمريكا ومؤسساتها حتى لو بدا أن إسرائيل هي من تحكم أمريكا فإن إسرائيل ليست هي نتنياهو ببساطة طوال الفترات السابقة سمح لنتنياهو أن يلعب دور ” المتعنت” في وجه أي اتفاق لأن حقيقة هذا التعنت كان برغبة أمريكية- إسرائيلية مشتركة على مستوى المؤسسات العسكرية والأمنية خلالها سمع لنتنياهو أيضا أن يفرد عضلاته السياسية على خصومه مما اضطر “غانتس” للإستقالة في يونيو الماضي وأن يقيل “غالانت” قبل أسبوعين.
ابتداءا من بدايات أكتوبر وعقب العملية البرية في لبنان دخلت الحرب في طور آخر واستوفت شروط الإنتهاء ليصبح نتانياهو أقرب من حالة الإنكشاف السياسي حاول إثرها أن يدعم حكومته ويقوي صفه السياسي بإقالة غالانت الرجل الأقرب إلى أمريكا في الحكومة الإسرائيلية وفيما يفاوض الأمريكي نيابة عن الاسرائيلي من خلال “هوكشتاين” تناور إسرائيل بالنار في جنوب لبنان لفرض أكبر قدر من الشروط أما أمريكا فتفاوض نتنياهو الآن بالمحكمة الدولية وقراراتها في مشهد سريالي متداخل تتيه فيه عقول الشعوب نخبا وعواما الشاهد أن تراكم هذه الإشكالات والتناقضات داخل النظام الدولي الحالي ستؤدي على الأقل لتشكيل واقع جديد مرجعي للشعوب يكفر تماماً ببنية النظام الدولي ومؤسساته مما سيعزز قوى منافسة أخرى ستظهر وهذا ما عبر عنه مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية الحالي ” وليام بيرنز” بقوله نحن لم نعد القوة المهيمنة ولكن بوسعنا أن نكون القوة المحورية لسنوات عديدة قادمة وستكون المهمة هي استخدام ما تبقى من النافذة التاريخية للتفوق الأمريكي لتشكيل نظام دولي جديد نظام يستوعب اللاعبين الجدد وطموحاتهم بينما يعزز مصالحنا الخاصة.
أمريكا هذه أيها الأخوة التي اصطنعت هذا النظام الدولي الحالي كأداة لإستواء كفة الموازين في العالم بما يلائم مطامحها ومصالحها باتت الآن على مشارف ارتدادها على ذاتها في مشهد يبعث على الأذهان سنن انقراض الامبراطوريات العظمى حين تتوه بين تناقضات بنيتها الإستعمارية المتشعبة وبين شعارات العدالة الحقوقية ( كحال قرارات المحكمة الجنائية الدولية ) التي هي عبارة عن مسرحية متقنة الحبك تعزز اغتصاب الحقوق واستنزاف الموارد تحت عناوين السلم والاستقرار.
وما النظام الدولي إلا أشبه بدولة عالمية جامعة برلمانها ( الجمعية العامة للأمم المتحدة) وسلطتها التنفيذية ( مجلس الأمن الدولي) وسلطتها القضائية (محكمة العدل الدولية) وسلطتها المالية ( البنك الدولي) وسلطتها التجارية ( منظمة التجارة العالمية ) وسلطتها الثقافية ( منظمة اليونيسكو) لكن أمريكا لا تلتزم بسلطة تلك المؤسسات عليها فهي دولة ذات سيادة وخارجة عن إرادة أي نظام عالمي وفي نفس الوقت تكمن وظيفتها العالمية أن تعمل كشرطي يعاقب الدول الأخرى الضعيفة التي لا تخضع لنظامها الدولي.
*كاتبة فلسطينية