د. طارق ليساوي*
تحقيق المكاسب في الساحة الدولية و الإقليمية يمر من بوابة دعم حركات التحرر على المستوى الإقليمي و في المجال الحيوي للدولة الطامحة للنفوذ و الصعود ، و هذا هو الدرس الذي فهمته مصر جمال عبد الناصر ، و اليوم نرى أن إيران تعتمد هذا الأسلوب ، البلدان العربية التي تحلم بأن يكون لها دور و تأثير ينبغي أن تستثمر في ورقة دعم المقاومة الفلسطينية و اللبنانية و غيرها من المقاومات التي توجه سلاحها للعدو الصهيوني.. فالدول لا تكون قوية و ذات نفود بالرقص و المهرجانات و مقاومة حركات التحرر، بل على العكس هذه أدوات للهدم ، هدم الذات أولا ، و المجال الحيوي ثانيا، ينبغي أن نتعلم من خصومنا و منافسينا و نستفيد من برغماتيهم ، فالصين استثمرت بكثافة في دعم كوريا الشمالية و دعم إيران، و قد حققت مكاسب مجزية من هذا الدعم الذي إمتد لعقود..
سقوط بغداد:
سقوط بغداد زمن هولاكو ، كان في ذهني مشهد السقوط الثاني لبغداد في عهد بوش الإبن سقوط بغداد أو ما يعرف بمعركة سقوط بغداد، وهي المعركة التي حصلت بين القوات المسلحة العراقية السابقة والجيش الأمريكي في أوائل شهر أبريل/نيسان عام 2003 أثناء عملية احتلال العراق عام 2003.
الكلمة المفتاحية:
الكلمة المفتاحية لهذا الحدث السياسي المزلزل، تجسد في المشهد الشهير الذي تم توثيقه ظُهر يوم 9 أبريل 2003، حينما قام مجموعة من المدنيين العراقيين بمهاجمة تمثال الرئيس الراحل صدام حسين بساحة الفردوس، عندما استخدم رافع الأثقال “كاظم شريف” مطرقة ثقيلة محاولا كسر التمثال.. وبعد فترة وجيزة وصلت وحدة متقدمة من سلاح مشاة البحرية الأمريكية إلى الساحة، وأسقط مشاة البحرية الأمريكية التمثال بواسطة مركبة إصلاح مدرعة طراز M88. وقبل إسقاط التمثال البرونزي، تسلق أحد الجنود الأمريكيين ووضع العلم الأمريكي على رأس تمثال صدام حسين، وسط فرحة وتهليل مجموعة من العراقيين..
السقوط الكبير:
هذا السقوط الكبير سبقته سلسة من الأحداث التي يمكن إختزالها في صعود القطب الأمريكي، فسقوط بغداد جاء بعد غزو أفغانستان سنة 2001 مباشرة بعد هجمات 11 شتنبر 2001، وغزو العراق في حرب الخليج الثانية 1991 في “عملية عاصفة الصحراء” التي قادها بوش الأب، جاء مباشرة بعد سقوط جدار برلين وانهيار المعسكر الشرقي بعد اندحار الاتحاد السوفياتي في أفغانستان على إثر حرب دموية امتدت لعشر سنوات من1979 إلى 1989 .
الحرب العراقية الإيرانية:
وقبل ذلك، بعد حرب طاحنة بين العراق و إيران إبان حرب الخليج الأولى أو الحرب العراقية الإيرانية، و التي اندلعت في سبتمبر 1980 و إستمرت إلى حدود أغسطس 1988، هذه الحرب فتحت خزائن الخليج في وجه الراحل صدام حسين، وانتهت بلا انتصار لطرفي الصراع .. وبالرغم من ذلك خلَّفت الحرب نحو مليون قتيل وخسائر مالية بلغت 400 مليار دولار أمريكي، و دامت لثمانِ سنوات لتكون بذلك أطول نزاع عسكري في القرن العشرين، وكان لمخرجاتها بالغ الأثر في العوامل التي أدت إلى حرب الخليج الثانية والثالثة .. ومن النتائج المباشرة لهذه الحرب ، قيام صدام حسين بغزو الكويت و توجيه مدافعه للإخوة العرب..
منع تصدير الثورة:
و الغاية من هذا التأريخ ، التأكيد على أن الأحداث تتكرر و فق نفس السيناريو و ذات الأخطاء ، فحرب الخليج الأولى تفجرت بعد نجاح ثورة الخميني في إسقاط نظام الشاه و إعلان قيام الجمهورية الإيرانية الإسلامية ..و في الظاهر فإن النزاع على الحدود ، لكن في الواقع فإن الحرب غايتها من النظام الوليد من تصدير الثورة ، أو بلغة اليوم مواجهة التمدد الإيراني، و قد تم تمويل هذه الحرب بأموال البيترودلار ..
تحييد الخطر الإيراني:
و اليوم 27-11-2024 يتكرر نفس السيناريو، ففي أعقاب إتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله و الكيان الصهيوني ، نجد ان من مبررات القبول بالاتفاق و التي سردها مجرم الحرب نتنياهو ، أن الكيان يريد التفرغ لتحييد الخطر الإيراني ..
و بالأمس راهن النظام العربي الرسمي على “صدام حسين” لقيادة الحرب ضد إيران و جند لذلك الرجال و حشد الأموال ، و كانت النتيجة انهيار الجبهة العربية -السنية و انقلابهم على بعضهم البعض، حيث توجهت المدفعية العراقية نحو العاصمة الكويتية ، و تم تدمير العراق و حصار شعبه بأموال عربية و قيادة و تخطيط و تنفيذ أمريكي -صهيوني..
حسم المعركة:
لكن في المقابل فإن الجبهة الإيرانية ظلت متماسكة و حققت مكاسب معتبرة ، و إستطاعت مع الوقت حسم المعركة لصالحها بأقل التكاليف و الخسائر..و نجحت ببرغماتية و دهاء في تحويل الأزمات إلى فرص ، و استغلال سوء سياسات العرب، بكفاءة و فعالية لخدمة طموحها الحضاري..فإيران نجحت في تلقين العرب دروس كبيرة، انطلاقا من حرب الخليج الأولى و صولا إلى عاصفة الحزم التي انتهت بفشل ذريع للقوات السعودية و حلفها العربي -السني..
نجاح إيران :
أن المذلة لا تطيل أعمارا و لا تغير أقدارا ، فإيران التي تتصدر المشهد الإقليمي و الدولي و التي يتوعدها أقطاب الحلف الصهيو-صليبي، بزعامة “نتنياهو” و “بايدن” ، نجحت في فرض سياساتها و تحقيق تطلعاتها، لأنها أولا أسست لنظام حكم وطني يحمل رؤية و مشروع وطني- حضاري غايته خدمة إيران وطنا و شعبا، كما أنها القيادة السياسية الإيرانية أحسنت اختيار تحالفاتها و راهنت على الحلف المستقبلي الذي سيعيد تشكيل النظام العالمي القادم ، و لم تراهن على النظام العالمي السائد و القائم و الذي تتسيده أمريكا ، و يتعرض لهزات إقتصادية و ثقافية بنيوية، بدأت ملامحها الكبرى منذ الأزمة المالية العالمية 2008.
فشل العرب:
وفي مقابل ذلك، فشل العرب لأن اختياراتهم السياسية وتموقعاتهم الجيوإستراتيجة كانت خاطئة، هذا فضلا عن غياب الرؤية الإستشرافية و الهدف الحضاري، للأسف بلداننا غلبت أمن النُظم الحاكمة على أمن الأوطان، في الوقت الذي ركزت فيه إيران على تحقيق المصالحة مع شعبها وتحقيق قدر ما من المشاركة السياسية، وفي الوقت الذي إنشغلت فيه القيادات العربية بالتنافس على السلطة والثروة، إنشغلت القيادة الإيرانية بتقوية الجبهة الداخلية وإعداد مقومات القوة ، وعندما إنشغلت القيادات العربية بإضعاف الجبهة الداخلية و تعزيز الخلافات البينية و خوض معارك تخدم أجندات أجنبية واستيراد النموذج الغربي بغته وسمينه، ركزت القيادة الإيرانية على توحيد الساحات وتطويق الأعداء و تقوية الأذرع .. وحتى لا أطيل على القراء الأفاضل سأرحل ما تبقى من محاور للمقال الموالي إن شاء الله تعالى.. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون…
*كاتب و أستاذ جامعي مغربي
شاهد أيضاً
الخريف الثاني..!
محمد يعقوبي* التمردات المسلحة داخل الأوطان عبر التاريخ، لا تجلب الا الخراب والدمار والمزيد من …