محمد يعقوبي*
التمردات المسلحة داخل الأوطان عبر التاريخ، لا تجلب الا الخراب والدمار والمزيد من التخلف للبلدان والمجتمعات. يظن البعض أن مثل هذا الكلام هو إطالة في أعمار الطغاة ودعم لهم، لكنها الحقيقة التي تسندها شواهد الواقع عبر التاريخ.
القائمة طويلة وحزينة. حديثا لقد دمروا أو يكادون، العراق وسوريا واليمن وليبيا والسودان، حطموا جيوشها وشردوا الملايين خارجها، وجوعوا شعوبها، وجعلوا مصيرها بيد ميليشيات مسلحة متناحرة، في لعبة أمم لا ندرك كل خيوطها، ما ندركه فقط هو أن الشعوب وحدها من تدفع الفاتورة.
أي نظام في العالم في مواجهة التمردات المسلحة، يستعمل كل قوته للحفاظ عن وجوده حتى ولو كان ذلك ببراميل متفجرة للأسف الشديد، بينما يظن البعض من السذج، أنه كان ينبغي على نظام الاسد أن يستقبل الاحتجاجات المسلحة بالورود والشموع، لذلك حرص ديننا الحنيف على مراعاة المقاصد التي يجب حفظها أولا وأخيرا وخاصة الارواح البشرية، قبل أي رهانات أخرى تتعلق بالتغيير.
حتى ولو نجحت الجماعات المسلحة في دخول دمشق وإسقاط نظام الأسد (ولن تنجح الا باذن أمريكي روسي مشترك)، فإن أمامها عشر سنوات أخرى على الأقل من الاقتتال على اقتسام الحكم، بين الطوائف والعصب المدعومة إقليميا ودوليا. لقد نسي الجميع أن فيلم الرعب هذا شاهدناه مرارا وتكرارا، في العراق وفي ليبيا واليمن والسودان، ولا يزال السلاح في هاته الدول سيد الموقف بينما الفاتورة تدفعها وحدها الشعوب المكلومة.
هل علينا من أجل التخلص من المد والنفوذ الايراني في سوريا، أن نركب الدبابة التركية ونعتنق السلاح العثماني! ونسحب الاراضي العربية السورية من تحت أقدام الايرانيين لنسلمها للنفوذ التركي! على الأقل الايرانيين رغم كل الشبه التي تحيط بهم، كانوا ولا يزالون أرحم بفلسطين وغزة وبالمقاومة في لبنان، من الاتراك الذين دمروا العراق وسمحوا لشذاذ الافاق من التكفيريين بافتراس سوريا لأكثر من 13 سنة، وفوق ذلك يعززون تعاونهم مع الص،،هاينة كلما زاد الجرح الفلسطيني نزيفا.
هل نسي المصفقون للاقتحامات الأخيرة، أن الجماعات المسلحة التي تستعين بالدعم التركي وتطوي القرى والمداشر والمدن، هي بالاساس جماعات تكفيرية تجمعت ذات يوم من شتات الارض منذ 2011 بفضل فتاوى الاستعانة بالناتو وكلمة السر (اقتلوا الاسد ودمه في رقبتي واقتلوا القذافي ودمه في عنقي)!. وحتى قائد هذه الفتوحات أبو محمد الجولاني أليس الرجل إبنا بارا للظواهري والبغدادي ومصل مركب في مصانع القاعدة وداعش! أم أن الانسان يمكن أن ينام تكفيريا ويصحوا في الغد حداثيا تنويريا من أنصار حرية المرأة!. كيف يمكن أن يستلم قوم يشبهون القرص المضغوط بلدا ويحكمونه، الا انتدابا وافتراسا وتقسيما!.
لا شك أن تحجر النظام السوري طيلة 13 سنة وتحصنه بالدعم الروسي و الايراني، وفشله في الاستحقاق السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ساهم في استسلام المدن والقرى والمداشر بتلك الطريقة للجماعات المسلحة، بعد أن تعبت من القتال والتشرد والضياع، فقد منح الشعب السوري الفرصة للنظام تلو الفرصة لتحقيق مصالحة بين السوريين و الخروج بهم من هذا النفق، لكن النظام ظل متحجرا في كهفه مكتفيا بالحماية الروسية والايرانية، الى أن ضاق الناس بالوضع وفتحوا أبوابهم لأول طارق حتى ولو كان تركيا متربصا يتلصص الفرصة لنهش جاره النازف!.
لقد رأينا كيف سلم الشعب التونسي السلطة لحركة النهضة عشر سنوات أو تزيد، لكنه سحب منها الحكم بعنف شديد عندما فشلت في الاستحقاق السياسي والإقتصادي والاجتماعي، فالشعوب قد تصبر طويلا لكنها لن تنتظرك مدى الحياة من أجل افكارك واديولوجياتك وتحالفاتك التي لا تسد الجوع، في غياب الأمن والرغيف ورغد العيش.
سوريا ستشفى باذن الله، رغم كل السم الذي تتجرعه منذ 13 سنة، ولن تشفى الا بتصالح أبنائها وتساميهم فوق الجراح، وطردهم كل الثعابين التي تسمم مياههم وهواءهم وتعفن الاوضاع في الداخل، فلا أمريكا ولا روسيا ولا إيران ولا تركيا يجب أن يختاروا للشعب السوري من يحكمه ولا كيف يعيش.
*كاتب وإعلامي جزائري