غفور كريمي*
لقد مضى أكثر من خمسة عشر شهرًا منذ بداية عملية “طوفان الأقصى” والصراع الشديد بين النظام الإسرائيلي ومحور المقاومة، وهو صراع طويل الأمد واجه عقيدة هذا النظام العسكرية الراسخة تحديات كبيرة. تعتمد هذه العقيدة على تعزيز الجيش، الردع النووي، التفوق في الهجوم، حسم مصير الحرب بسرعة، استخدام نظام دفاع جوي متعدد الطبقات، وامتلاك أجهزة أمنية ذات نفوذ عالٍ.
التطورات في منطقة الشرق الأوسط تجعل المنطقة تقترب لحظة بلحظة من انفجار كبير، مع استمرار أزمة غزة، واغتيال قادة حماس، وتضرر الهيكل التنظيمي لحزب الله والسيد حسن نصر الله، وتبادل إطلاق النار المباشر بين طهران وتل أبيب، والانهيار الكارثي لنظام الأسد في سوريا وصعود الجماعات المتطرفة، والتدمير الكامل للجيش السوري واحتلال أراضيه من قبل إسرائيل، وهجمات اليمن على الأراضي المحتلة والهجمات المضادة من إسرائيل والولايات المتحدة على صنعاء، وصمت إيران المعبّر عن التوترات المتزايدة.
الخوف من الدول الإسلامية هو الجذر الأساسي الذي أدى إلى صياغة العقيدة العسكرية الإسرائيلية. منذ تأسيسها، وخصوصًا بعد الهزائم الأولى في حرب رمضان عام 1973، اعتمدت إسرائيل على تعزيز مخازن الأسلحة النووية لضمان عدم إقدام أي جار مسلم على مهاجمتها. الاعتقاد بعدم قابلية الجيش الإسرائيلي للهزيمة هو نتاج الدعاية الإعلامية الغربية. الدعم الأمريكي الشامل والتعاون الخفي مع بعض الدول العربية عزز هذا النظام.
المستقبل دائماً مخيف ويُبقي الإنسان في حالة من الارتباك القاتل، ونادرًا ما توجد دولة أو نظام سياسي لا يأخذ هذا الخوف في الاعتبار في سلوكه السياسي. نظرة سريعة على تاريخ الشرق الأوسط الحديث والتوترات المستمرة الناجمة عن فرض الدولة الإسرائيلية على هذه المنطقة الحساسة جغرافيًا، تُظهر هذا الجسد الغريب الذي لم يتوقف عن مقاومته. فقط الضغوط والدعم الكامل من قبل الولايات المتحدة بفرض بعض العائلات على الأراضي العربية أزال هدف القضاء على إسرائيل من أجندات هذه الحكومات.
امتلاك التكنولوجيا العلمية الحديثة، وتعزيز وتأمين التكنولوجيا غير المحلية من قبل الداعمين الأساسيين، والتحول إلى قاعدة عسكرية واسعة لم يستطع معالجة نقاط ضعف هذا النظام، بما في ذلك السيطرة على مساحة صغيرة، عدم وجود عمق استراتيجي، ارتباطه بالشرق الأوسط، وتكوين السكان ونظرة الجيران إليه.
الحروب العديدة للدول العربية في القرن الماضي، انتصار الثورة الإسلامية في إيران، ظهور ونمو حركات المقاومة الإسلامية، والدعم العلني من الجمهورية الإسلامية لهذه الحركات، وعدم الاستقرار وإمكانية ظهور قادة غير متحالفين في الدول الإسلامية، ورفض بعض الدول الإسلامية لمبادرة السلام الإبراهيمية، زاد من مخاوف هذا النظام من المستقبل.
تجاوز إسرائيل لكل الخطوط الحمراء في الحروب التقليدية، وارتكاب المجازر ضد المدنيين، واغتيال الشخصيات خارج حدودها، وظهور ضعف الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، والقضاء الجسدي على الركائز الأساسية لحزب الله، وتعزيز الدعم الأمريكي والغربي والعربي الكامل لإسرائيل، والخوف القاتل من الاقتراب من الدمار، قد يدفع هذا النظام إلى اتخاذ إجراءات جنونية.
لذلك، من الضروري أن تقتنع الجمهورية الإسلامية بتعزيز قدراتها العسكرية الحالية، وأن تدرك أن العقيدة العسكرية المستمدة من الحروب المحدودة والتقليدية لا يمكن أن تضمن وجود واستقلال البلاد. الوصول إلى عنصر حاسم يمكن أن يضمن وجود الجمهورية الإسلامية في مواجهة التهديدات الخارجية؛ هذا العنصر هو القنبلة النووية.
في الظروف الملتهبة للعالم اليوم، تعد الأسلحة النووية واحدة من أفضل الخيارات المتاحة لخلق ردع كامل. رغم وجود نزاعات حدودية بين عدة دول نووية مثل باكستان والهند والصين واندلاع حروب حدودية متعددة، فإن هذه الدول تجنبت الدخول في حرب شاملة تهدف إلى تدمير النظام السياسي المنافس.
من المؤكد أن تعزيز الردع من خلال اختيار عقيدة عسكرية مستمدة من الظروف الجغرافية والسياسية بأدوات متنوعة لا يقضي تمامًا على احتمال النزاعات. بالطبع، الدول النووية لن تستخدم هذه الأسلحة ضد بعضها البعض لأن ذلك سيعرض وجود الطرفين لخطر شديد.
نظرًا لأن خطر الحرب دائم، فإن الدول المتنازعة تختار عادة الحرب المحدودة لتجنب الدمار الكامل، خاصة في حالة التساوي التكنولوجي وامتلاك أسلحة نووية استراتيجية. الدولة التي ستنتصر في الحرب هي تلك التي تمتلك قدرات جغرافية وعمق استراتيجي وموارد بشرية مدربة وقيادة استراتيجية ذات صبر استراتيجي.
الآن، بعد أن خاضت إسرائيل أطول حرب في تاريخها وما زالت تحت الضغط من قبل بعض فصائل المقاومة، ورغم الطابع الاستنزافي للحرب، تستمر إسرائيل بدعم الولايات المتحدة وحلفائها في هذه الحرب. المجازر ضد المدنيين في غزة ولبنان لم تؤد إلى أي تضامن عربي، لذا حان الوقت للجمهورية الإسلامية للبدء في تطوير واكتساب التكنولوجيا العسكرية.
بعد نهاية هذه الحرب، ستعيد إسرائيل النظر في عقيدتها العسكرية، لأن جراح هذه الحرب ستجعل الأوضاع في المنطقة أكثر تعقيدًا. في هذه الأثناء، ستواجه الجمهورية الإسلامية باعتبارها رأس محور المقاومة هجمات جديدة، ولن يكون هناك خيار سوى امتلاك أسلحة نووية بجانب تعزيز القوة الجوية بتكنولوجيا حديثة، وتنوع وتكثير الصواريخ الباليستية وأنظمة الدفاع الجوي، وتسريع الحصول على التكنولوجيا الفضائية، وتعزيز القوات البرية، والوجود الاستراتيجي في البحار، وإعادة تعريف وتقوية النظام الأمني كإستراتيجية للحفاظ على الوضع الحالي مع نظرة إلى المستقبل.
من الواضح تمامًا أن الأضرار البشرية والبنيوية التي لحقت بمحور المقاومة كانت كبيرة، ولكن دراسة الخلفية التنظيمية والعقائدية لمحور المقاومة تشير إلى قدرة عالية واحتياطي بشري واستراتيجي يمكنه أن يولد من جديد ويستمر في طريقه.
صمت إيران في مواجهة الهجمات الإعلامية والحرب النفسية والضغوط العسكرية له دلالة عميقة، لأن الحكومة الإيرانية هي حكومة عملية وستقوم قريبًا بإجراءات عسكرية ذات طبيعة مختلفة ضد إسرائيل وحلفائها في المنطقة.
*كاتب ايراني
شاهد أيضاً
أمريكا والمرتزقة.. والهدنة «المفخخة»!!
مطهر الاشموري* أحد التصريحات الأمريكية حول اليمن يقول إن إلحاق الهزيمة «لمليشيات الحوثي» لن يتحقق …