د.طارق ليساوي*
إلى حدود كتابة هذه السطور لازال الاتفاق المحتمل لوقف إطلاق النار لم يرى النور بعد ، لكن ما رشح من معلومات و تصريحات ، تكشف أن الكيان الصهيوني في طريقه للإستسلام و الخنوع لمطالب المقاومة الفلسطينية ، و يبدو أن ما بشرنا به الملثم “أبوعبيدة” قبل شهور في أحد تصريحاته أصبح قاب قوسين أو أدنى فقد قال : ” نبشر نتنـياهو وقيادة جيـشه أنهم سيجثون على الركب في نهاية المعـركة”..
التطبيع المشؤوم:
و قد أتهمنا منذ 7 أكتوبر بأننا نبالغ في تقديرنا لقدرات المقاومة و قدرتها على تغيير موازين و مقادير المواجهة ، بل و ذهبنا إلى توجيه نصيحة لصناع القرار ببلدي المغرب إلى ضرورة اقتناص فرصة الطوفان و جرائم الاحتلال و الانسحاب من اتفاق التطبيع المشؤوم ، التحلل من كل الالتزامات التابعة فالرهان على الكيان الصهيوني رهان خاسر و فاقد الشيء لا يعطيه ، فهذا الكيان بالرغم من كل الدعم السياسي و العسكري و اللوجيستكي الذي حصل عليه من الشرق و الغرب ، لكنه لم ينجح في تحقيق أهدافه ، صحيح أنه دمر القطاع و قتل أزيد من 57 ألف شهيد أغلبهم من النساء و الأطفال ، لكن ما تم تدميره سيعاد بناءه، أما الشهداء فهم أحياء عن ربهم يرزقون ، فثمن معاناتهم و صبرهم جنات الخلد إن شاء الله ..
فشل ذريع:
لكن ما الذي حققه الصهاينة من إنجازات غير الدمار و إرتكاب جرائم الحرب و رفع منسوب كراهيتهم لدى كل الشعوب العربية و غير العربية ، هل نجح الكيان في تحرير أسراه ؟ هل نجح في تأمين حدوده المغتصبة ؟ المقاومة لازالت تسقط جنود العدو كل يوم تلحق به خسائر معتبرة ، بل ذا إستمر الوضع فالمواجهة ستنتقل ساحتها الأساسية من غزة إلى الضفة الغربية بل إلى ما وراء الخط الأخضر ، فالكيان حكومة و شعبا فشل في الانتصار على المقاومة و كسر بندقياتها و إخماد لهيب نيرانها ، و قد أكد ذلك ال كاتب الإسـرائـيلي ” يائير اسولين” عبر صحيفة هآرتس” إذ قال في مقال له: “حتى إذا قمنا باحتـلال كامل الشرق الأوسط وحتى إذا استسلم لنا الجميع، فلن ننتصر على غـزة”
اليوم الموالي:
و من المتوقع أن النتائج الفعلية لمعركة 7 أكتوبر لن تظهر على السطح إلا بعد توقف الحرب ، و من خلال إستقراء المؤشرات الأولية يمكن التأكيد أن ثمن وقف النار سيكون رأس نتنياهو فقد صرح مجـرم الحرب بن غفير تعليقا على الصفقة المحتملة : ” أقترح على صديقي سموتريتش أن نتوجه معا إلى رئيس الوزراء ونبلغه أنه إذا أقرّ الصفقة سننسحب من الحكومة” ، فاليوم الموالي لوقف إطلاق النار سيكون بأس شديد بيهم و معركة سياسية و قانونية ملتهبة في قلب الكيان ..
رياح المعركة:
رياح المعركة تصب في مصلحة المقاومة و بيئتها الشعبية الحاضنة و الداعمة ، فرحمة رب العالمين و عدله و نصرته للمستضعفين تفعل فعلها ، ففي غزة الأبية و الصامدة نفذ الخبز و الماء و الوقود و الغطاء و الكساء و الدواء نفذ كل شيء إلا الصبر و الثبات فقد فاض و نمى وزاد.. و كلمة السر في قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}..
مفارقات قدرية:
و من المفارقات القدرية و التي تحتاج لمزيد من التمحيص ، أن الرئيس المنتخب هدد بحرق الشرق الأوسط لم تقم حماس بإطلاق الأسرى ، و على بعد أقل من شهر عن هذا الوعيد الشديد ، أحرقت النيران الولاية الذهبية كاليفورنيا ، إلى درجة إعلانها منطقة منكوبة..و هذه هي المسؤولة عن حوالي 13 ٪ من إجمالي الناتج المحلي في الولايات المتحدة و هي خامس أكبر إقتصاد في العالم ..
حرائق كاليفورنيا:
و إستحضاري لحرائق كاليفورنيا لا يعني الربط بينها و بين مأساة غزة ، و القول بأن هذا انتقام رباني ، فعمليا لا أميل لهذا الطرح ، لأن الله تعالى رحيم بعباده..لكن ما أريد التأكيد عليه أن قوة العقيدة و الثبات الإيماني يصنع المعجزات ، فغزة التي حاصرها العدو و جوعها القريب و دمرها السلاح الأمريكي و الغربي ، صبرت و إزدادت إيمانا و إرتباطا بخالقها ..بينما كاليفورنيا أعلنت عدائها لله تعالى و أعلنت إستكبارها و بطرها للنعم ، ففي حفل لل”نجوم” أقيم يوم 7-1-2025 في Beverly Hills في لوس أنجلوس التي تشتعل فيها النيران.. في هذا الحفل ظهر على الشاشة إلى مَن يوجه “النجوم” الشكر..و كانت “فنانة” كوميدية تقرأ النتائج وتعلق عليها، فقالت:
١١ شكرا لممثلي أدوار العمل “الفني” وفريق العمل
٣ شكروا أمهاتهم
صفر شكرا الله
و واحد شكر “ماريو لوبيز” .
عندما ذَكرَتْ الكوميدية أن الذين شكروا الله هم “صفر” ضحك الجمهور، وعلقَتْ ساخرة: “لا غرابة في هذه البلدة التي لا تؤمن بالله”.
قصة عاد:
فهذه الحادثة أعلاه تدركنا بقصة عاد التي أعلنت إستكبارها و أعجبت بقوتها و جبروتها قال تعالى : ( فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ۖ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ)(فصلت: 15) وقوله تعالى : (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَٰكِن ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ۖ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ لَّمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ ۖ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (101) وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102)(سورة هود 101- 102).
غزة المؤمنة:
و في مقابل ذلك، نجد أن غزة و بعد أزيد من 455 يوم من مواجهة الجـيش الصهيـوني المدعوم غربيا و عربيا بالسلاح و المال و المدد اللامحدود و اللامشروط، وبالرغم من خذلان أغلب الحكام العرب بل و تواطؤهم الفاضح ، على رأسهم سلطة أوسلو بالضفة الغربية و أجهزتها الأمنية التي تمارس أعمال قذرة حماية الصهـاينة و نكاية في المقـاومة و حاضنتها الشعبية ، و رغم كل هذه الظروف و المثبطات ، إلا أن المـقاومة الصامدة نجحت في فرض أجندتها على العالم، و إقتربت من التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار يضمن حقوق و مصالح الشعب الفلسـطيني..و في الظروف التي عاشتها و نجاحها في المقاومة طيلة الشهور الماضية فحتى إن إستسلمت فلن تُلام لأن حجم و مقدار الهجوم الوحـشي لا تتحمله دول بأكملها ، فكيف ببلدة محاصرة منذ 2006 و تعرضت لأبشع هجوم شهدته البشرية في كل عصورها..
صمود أسطوري:
و بالرغم من كل هذه الظروف التي تدفع للإستسلام إلا أن المقاومة ظلت صامدة و لم ترفع الراية البيضاء، ولم تتخلى عن سلاحها، لم تقبل بشروط العدو و افشلت مخططات كبرى تحاك في المنطقة ،و غزة تطبيق معاصر لقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم)
مكاسب الطوفان :
قلنا منذ 7 أكتوبر 2023 ان العالم بعد هذا الحدث سينقلب رأسا على عقب، و نعيد التأكيد أن ارتدادات هذا الزلزال ستمتد للعقود القادمة، و لن تقف عند ما نرى من احداث متسارعة، و اول نتائج طوفان الأقـصى سقوط نظام الأسد و سنرى في القادم من الايام سقوطا مدويا لحكومة نتنياهو مجـرم الحـرب المطلوب للمحاكم الدولية، بل إني ارى أن الأثار الارتدادية ستشمل عموم الإقليم العربي، فدماء أهلنا في غزة غالية …
هنيئا لغزة بنصرها و بصمود رجالها و نسائها، و رحم الله شهدائها فهم أحياء عند ربهم يرزقون، دمـائهم الزكية و تضحياتهم الجزافية و الخارقة كانت ثمنا لنصرة الأقصى و الدفاع عن أعدل و أقدس و أشرف قضية في عالم اليوم .. والله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون..
*كاتب وأكاديمي مغربي
شاهد أيضاً
أمريكا والمرتزقة.. والهدنة «المفخخة»!!
مطهر الاشموري* أحد التصريحات الأمريكية حول اليمن يقول إن إلحاق الهزيمة «لمليشيات الحوثي» لن يتحقق …