فاطمة عواد الجبوري*
في الآونة الأخيرة، استحوذت الحرائق المدمرة التي اجتاحت أجزاء من الولايات المتحدة على اهتمام عالمي. وتشبه هذه الأحداث الكارثية، التي استهلكت مساحات شاسعة وتسببت في أضرار جسيمة، المآسي التي تواجهها المناطق المضطهدة مثل غزة ولبنان. ويشكل حجم الدمار والتشريد والخسارة الهائل تذكيراً مؤلماً بالترابط بين المعاناة الإنسانية والعدالة الإلهية.
لقد توسعت المنطقة التي استهلكتها الحرائق في الولايات المتحدة لتشمل عدة أضعاف مساحة غزة ورفح مجتمعتين، فضلاً عن ضاحية بيروت المترامية الأطراف. وقد ابتلعت هذه النيران مجتمعات بأكملها، تاركة وراءها مشهداً محترقاً يعكس ضورة لدمار مشابه عن دمار حملات القصف الإسرائيلية المتواصلة في غزة وجنوب لبنان. ومع ذلك، في حين أن الدمار الذي خلفته الحرائق كارثة طبيعية، فإن الدمار في غزة ولبنان هو نتيجة لعدوان بشري متعمد ومستمر، وهي مأساة لا يمكن إنكارها في الجغرافيا السياسية الحديثة.
لقد كان الضرر الاقتصادي والمادي الذي ألحقته هذه الحرائق بالولايات المتحدة مذهلاً، ويتجاوز إلى حد كبير الدمار الذي لحق بلبنان وغزة. لقد تحولت أحياء بأكملها إلى رماد، ودُمرت البنية الأساسية الحيوية، وقُضي على سبل العيش في غمضة عين. ومن عجيب المفارقات القاسية أن تجد قوة عظمى قادرة على فرض قوتها العسكرية في جميع أنحاء العالم نفسها الآن متواضعة أمام قوى الطبيعة التي لا يمكن السيطرة عليها. إن هذا الدمار هو تذكير متواضع بالضعف المشترك بين جميع الدول، بغض النظر عن قوتها أو تقدمها التكنولوجي.
ولعل الجانب الأكثر كارثيا هو نزوح الآلاف من الأسر. لقد تجاوز عدد أولئك الذين أجبروا على الفرار من منازلهم بسبب هذه الحرائق عدد الأفراد النازحين في غزة وجنوب لبنان خلال فترات الصراع المكثف. والآن تجد الأسر التي كانت تتمتع بالاستقرار والراحة نفسها تائهة، تبحث عن ملاذ وإعادة بناء حياتها. إن محنتهم تعكس صرخات المضطهدين في غزة ولبنان، الذين يتحملون نضالات مماثلة يوميًا في ظل عدوان إسرائيلي لا هوادة فيه.
لولا أنظمة الإنذار المتقدمة وآليات الاستجابة للطوارئ في الولايات المتحدة، لكان عدد القتلى من هذه الحرائق كارثيًا بلا شك، متجاوزًا بكثير الخسائر التي تكبدتها غزة ولبنان. لقد أثبتت التكنولوجيا الحديثة قيمتها التي لا تقدر بثمن في التخفيف من خسائر الأرواح، ولكنها تسلط الضوء أيضًا على التفاوت الصارخ الذي تواجهه المناطق المضطهدة. في غزة ولبنان، يؤدي الافتقار إلى مثل هذه الموارد إلى تفاقم الخسائر البشرية الناجمة عن الإبادة الجماعية الإسرائيلية بحق الأبرياء، مما يترك أرواحًا لا حصر لها تحت رحمة الحرب والمعاناة.
عند التفكير في هذه الأحداث، لا يسع المرء إلا أن يدرك رسالة إلهية أعمق. لقد أظهر التاريخ أن القوة البشرية والغطرسة لا تضاهيان إرادة الله. وتعمل الحرائق التي تلتهم لوس أنجلوس كتذكير مرعب بهذه الحقيقة. إن هذه الحرائق، شأنها شأن العاصفة الرملية التي ضربت شرق إيران في عام 1979 وأدت إلى إحباط عملية أميركية سرية بمنع عشرات الطائرات والمروحيات من الطيران، تشكل رمزاً للتدخل الإلهي والعقاب. وهي تذكر البشرية بهشاشتها وعواقب الانحراف عن العدالة والرحمة.
إن هذه العقوبة الإلهية ليست بلا سابقة. إن أهل غزة ولبنان لا يمتلكون سوى القليل من الأسلحة المتقدمة أو التكنولوجيا المتطورة بسبب حصار استمر لسنوات وسنوات. ومع ذلك، فإنهم يمتلكون قوة أعظم كثيراً من أي ترسانة وهي صرخاتهم إلى الله تعالى. وهذه الصرخات، التي تنبع من معاناة عميقة وإيمان، تحمل معها ثِقَل العدالة ووعد التدخل الإلهي. إن رسالة القرآن واضحة وهي إن الظالمين سوف يواجهون القصاص، ووعد الله بالعدالة لا يتزعزع.
لقد تحمل أهل غزة قصفاً لا هوادة فيه لأكثر من ستة عشر شهراً، وتحولت حياتهم إلى كفاح دائم من أجل البقاء. وفي الوقت نفسه، تشكل الفظائع التي ارتكبت في لبنان، مثل جريمة أجهزة البيجر، والتي استهدفت خمسة آلاف من الأبرياء في حادثة واحدة، تذكيراً مؤلماً بالتكلفة البشرية للتواطؤ الأمريكي الإسرائيلي. إن هذه المآسي ليست معزولة؛ بل هي جزء من رواية أوسع نطاقاً للظلم الذي تفرضه الدول القوية وحلفاؤها.
ومع ذلك، فإن قدرة المظلومين على الصمود لا تزال قائمة. وعلى الرغم من معاناتهم، يواصل أهل غزة ولبنان المقاومة، ولا يثنيهم عن إيمانهم وعزيمتهم. وهم يستمدون القوة من معرفتهم بأن محنتهم لم تمر دون أن يلاحظها أحد، وأن صرخاتهم وصلت إلى عنان السماء.
إن الأحداث التي تتكشف في الولايات المتحدة لابد وأن تكون بمثابة نداء استيقاظ للعالم. إن هذه الأحداث تؤكد على عالمية المعاناة وحتمية العدالة الإلهية. فكما جلبت النيران الدمار إلى واحدة من أقوى دول العالم، فإن صرخات المضطهدين قد تجلب الحساب لأولئك الذين يخلدون الظلم.
إن الحرائق التي تجتاح أميركا ليست مجرد كارثة طبيعية؛ بل إنها انعكاس لحقيقة روحية أعمق. وهي تذكرنا بأن أي أمة، مهما كانت قوية، ليست محصنة ضد عواقب أفعالها. وكما وعد القرآن، فإن انتقام الله الشديد من الظالمين أمر مؤكد ولا مفر منه. إنه درس يجب على البشرية أن تنتبه إليه، لأن طريق الغطرسة والظلم لا يؤدي إلا إلى الخراب.
في هذه اللحظة من الأزمة، دعونا نتوقف ونتأمل. دعونا ندرك الإنسانية المشتركة التي تربطنا جميعًا والحتمية الأخلاقية للوقوف ضد الظلم. قد تنطفئ النيران التي تلتهم الولايات المتحدة في نهاية المطاف، لكن الدروس التي تنقلها يجب أن تستمر ففي هذه الدروس يكمن الأمل في عالم أكثر عدلاً ورحمة، حيث تُسمع صرخات المظلومين، وتُكسر دائرة المعاناة.
*كاتبة وباحثة عراقية
