الإثنين , فبراير 17 2025
الرئيسية / اراء / ارفعي شارة النصر عاليا يا كتائب القسام!

ارفعي شارة النصر عاليا يا كتائب القسام!

خالــد شــحام*
إن فرحتنا بك يا غزة لا تسعها كل الدنيا ، فرحون بضحكاتكم يا اهل غزة وفخورون بكم يا رجال المقاومة حد السماء ، لقد هرمنا طيلة أشهر القتل والتدمير، لكنكم جبرتم الخواطر وأحييتم الأنفس وأزلتم عنا غشاوة الحزن ، الله أكبر يا غزة ! الله أكبر من نتانياهو وبايدن وترامب وكل الأعراب وكل الشرق والغرب ، الله أكبر الذي أعز جنده وهزم الأحزاب وحده ، الله اكبر الذي سَّـوَدَ وُجوها وأشرق وجوها وانتصرت أنت ، عظيمة يا غزة وكم هم مجرد ميكروبات ، الله أكبر يا غزة ما ألذ طعم انتصارك وما أعظم صمودك وما أقدس ترابك .
إن حدثية ايقاف العدوان على غزة تعدت كونها فرحة عادية ، إنها احتفالية عالمية إنسانية تخص وتعني كل إنسانٍ على وجه الأرض بسبب ما فيها من رمزياتٍ وأيقونات عظيمة تتعلق بانتصار الحق وتوقف سيل الدم ومنح الحياة فرصة لتنهض من جديد ، إنها الاحتفالية التي ستجمع كل البشرية وكل العواصم وكل البشر من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب مهما كانت لغتهم وعقيدتهم .
منذ الأشهر الأولى للعدوان على غزة شرعت الآلة الاعلامية الجبارة الناطقة بكل اللغات لحلف الشيطان برسم النوايا المؤكدة في العقلية الاسرائيلية حيال غزة ، التهجير – الإبادة – ضرب البنية العسكرية للمقاومة – اعادة الاستيطان – تأمين مستعمرات الشمال بالكامل ، كل ذلك الجهد الاعلامي والتسويقي للحملة العسكرية بنى في الوعي العالمي بذلةً حديدية حول شخصية نتانياهو بوصفه مخلص اسرائيل الأكبر الذي يرفض اي نوع من التنازلات ، بعد خمسة عشر شهرا وخلال أيام قلائل سقطت البذلة الحديدية وشهدنا انهيارا عاجلا وسريعا ، تكشف لمرةٍ جديدة أن بيت اسرائيل اوهنُ من بيت العنكبوت ولا تزال هذه العبارة صالحةً لاجيال قادمة ، لقد سقطت البنية الحديدية الاسرائيلية وسقطت الخطط والتحالفات والذكاء الصناعي ، وتبين ان نتانياهو وبايدن والعصابة العربية هم اصغر واضعف من قوانين التاريخ وأثبتت المقاومة أنها هي الحقيقة وان الاحتلال زيف .
ان التفسير الحقيقي للتسارع الكبير في انهاء ملف غزة الحربي يختبىء في غابة من التفسيرات المليئة بالأشجار التي يسهل الاختباء خلفها ، القول الفصل هو الضربات المؤلمة للمقاومة والخسائر البشرية الفادحة ، والترجيحات الجذرية هي أن ترامب أنقذ الكيان قبل انهياره من الداخل بعد حسابات سريعة كشفت أن الخسائر أعلى بكثير من الدعاية التي يروج لها كولومبوس الاسرائيلي حول اكتشاف الشرق الاوسط الجديد ، ويبدو أن قناعة ما بأن الانجازات التي تحققت باحتواء لبنان وسوريا باتت مقنعة ، والنقطة الاهم هو الرسائل المشفرة الى روسيا التي تم طردها من سوريا واخرى الى ايران في الانتظار.
تتزاحم محاور كثيرة للحديث عنها في هذا السياق حول دوافعه وتوقيته ورؤيته وما بعده ، لكن القراءة تضع شروطها ، لذلك سيكون السؤال الأساسي : ما هي الأدوات التي يمكن من خلالها قياس الانتصار الذي حققته المقاومة في غزة؟
1-لا أحد بمقدوره وضع رقم دقيق لكلفة العدوان العسكري على غزة ، لكن أقل التقديرات ربما تصل إلى 70 مليار دولار ، فإذا أضفنا إلى ذلك كلفة الحرب الإعلامية والرشاوى السياسية والأضرار داخل الكيان وخسائر الناتج العالمي من مقاطعات وتظاهرات بسبب العدوان على غزة ، فإن مجموع هذا الرقم يماثل حجم الميزان التأثيري بالمقياس الرأسمالي لمنتجات طوفان الأقصى ، وهو رقم تسبب في إحداث هزة اقتصادية عربية وعالمية لا يمكن الاستهانة بها ، وهذه الخسائر المادية تمثل وزن الانتصار للمقاومة الفلسطينية في تقييمه المادي.
2- إن ثقل القوة المفرطة المستخدمة في العدوان على غزة بما يحويه من كميةٍ و تنوع ومدة زمنية ولاعبين كثر هو مقياس لاستعصاء المقاومة والقيمة القتالية لها ، لقد تم استخدام ترسانة أمريكية غير مسبوقة داخل غزة وأسلحة تستخدم لأول مرة ، لقد أستخدمت تقنيات التجويع ومشروع حيونة الإنسان بإعدام البنية التحتية ، التعطيش وحرمان الدواء والوقود والعلاج وإغلاق المعابر، تم استخدام المرض والحر والبرد والمطر كاستراتيجة هجومية ، تم التنكيل بالمعتقلين والمدنيين وترويع السكان الأبرياء ، كل هذا الحجم المرعب من سيناريوهات التخويف والتركيع والضغط التي تسقط امامها كل الجيوش العربية تمكنت غزة من تجاوزها واحتمالها ثم فرض شروطها في النهاية والتي تؤكد قدرتها على إحداث توازن القوة بالأدوات البسيطة من الايمان والعقيدة وشرعية الحقوق .
3- إذا كان أحدكم ينظر إلى عدد الشهداء وحجم الدمار الذي نال 80% من قطاع غزة بعين الأسى والحسرة فكلنا كذلك ، لكن الجهة الخلفية لهذه المدركات المؤلمة لا تمثل إلا جسرا تاريخيا يفرضه التاريخ كضريبة غالية للشعوب التي تمشي في طريق التحرير ، إنه الثمن الذي تدفعه إراداة جبارة لقيادات عظيمة وشعب صلب جدا يرفض الذل والمهانة ، إن حجم الخسائر الهائل هو رصيد هائل لمشروع التحرير العربي .
4- ما هي الصورة المنتجة لطرفي معادلة العدوان ؟ إنها أداة قياس لا يمكن إغفالها ولا تحييدها ، لقد خرج فريق نتانياهو خاسرا حاسرا ، وحسرته هذه لا تقل عن أذيال الخيبة التي يجرها بادين و بلينكن وسوليفان وكافة أفراد الإدارة المجرمة التي وقفت مع العدوان وكذلك فريق الحكم العربي الداعم ، لقد خرج نتانياهو مُدانا في قلوب كل الشعوب ومطلوب رأسه لمحكمة الجنايات وقريبا سيلحق به أفراد الإدارة الأمريكية وعربٌ كثر ، في الجهة المقابلة وضعت صورة السنوار معالم جديدة للبطولة والنضال ، وتحولت صور روح الروح وحسام أبو صفية واسماعيل الغول وغيرها إلى رمزيات عالمية روجت لقضية شعب عظيم .
4-أداة القياس الأكثر خطورة على المشروع الصهيوني هي فشل روايته التاريخية وسقوط مسلمة الدولة الضحية المتباكية التي تستخدم مظلوميتها التاريخية كأداة عدوان واحتلال وعربدة على العالم ، لقد اكتشفت الشعوب عدالة القضية الفلسطينية ووقفت مع حقوق الفلسطينين بكل قوة وحظيت الشخصية الفلسطينية بكل التعاطف بعكس المجتمع الصهيوني الذي ينظر له باحتقار ونقائص لا تعد وأخفق في تسويق قصة الدفاع عن النفس وانهارت مسلمة المعاداة للسامية ، هذه الأداة يمكن رصدها في الوقفات والتظاهرات والنبرة الاعلامية الجديدة في الإعلام الموازي على صفحات التواصل ويمكن رصدها في هجمات المثقفين والصحافيين على كبار المجرمين كما شاهدنا مع بلينكن بالأمس .
5-تمثل الأداة الأخلاقية المنتجة ميدانيا على يد المقاومة واهل غزة اعظم أدوات الانتصار ، لقد ثبتت هذه المقاومة انتصار فكرة الثقافة الاسلامية كنهج حياة مضاد لكل الموبقات والفيروسات والملوثات الغربية ، لقد صمدت هذه الثقافة ولم تنهر نتيجة القتل وانعدام وسائط العيش ، لقد اثبتت نجاعتها وقوتها امام كل الثقافة القومية والاشتراكية والغربية وكل المدخلات الثقافية الملوثة بعيدا عن تحزبات وعن فكرة الاسلام السياسي ، نجحت المقاومة بجدارة في تقديم أروع معاني الإنسانية والتعايش بتسامحها ورعايتها للأسرى ، وهذه هي نقطة القوة في تحمل الصدمات الوجدانية.
6- إن أحد أهم أداوت قياس الانتصار هو طول مترو حماس بما يحويه من مشاغل إنتاج السلاح الذاتي وغرف الأسرى والقيادة ، هذه الأداة ترتبط مباشرة بمعجزة العزيمة البشرية والصبر والاحتمال الذي أنتجه ابن غزة المرابط ، لقد دخلت قوات العدوالى قلب غزة وجرفتها عن بكرة ابيها ولم تتمكن طيلة 15 شهر من الاطاحة بمترو حماس الفعلي ولم تتمكن من وقف عمليات انتاج الاسلحة ولا العثور على الأسرى فيه ، إنه نقطة القوة التي عجزت مضخات المياه أن تغرقها وعجزت كل وسائط التجسس ودعايات التفوق الاستخباري أن تتمكن منه ، لقد انتصر المواطن الفلسطيني بعزيمته وصبره وجهده الدؤوب طيلة سنين وأنتج ما يعول عليه للنصر والتحضير للمعركة.
7- إن اليمن وبطولة أبناء اليمن الشرفاء العظماء تُعد اكبرَ أداةٍ من أدوات قياس النصر الكبير ، هذه الأداة تقاس بضربات اليمن البطولية وبحجم التظاهرت التي وقفت مع غزة ومع شعب فلسطين حتى النهاية ، تقاس بالتأثيرات المطلقة للرعب الذي صنعه أبطال اليمن في قلوب الصهاينة والخنازير المؤيدين لهم ، يقاس بحجم الضرر الاقتصادي والتعطيل الفعلي ورفع كلفة المعيشة على (المواطن الاسرائيلي ) ، إن اليمن شريك رئيسي مع شعب فلسطين في هذا النصر العظيم .
ان مشروع الشرق الاوسط الاسرائيلي اليوم يعيش أزمة حقيقيةً بعد هذه الصفقة ونجاح حماس في فرض شروطها وثباتها على قدميها طيلة اشهر عسيرة من عدوان لم يشهد له التاريخ مثيلا ، إن الشوط الذي قطعته غزة بمعية اليمن سيكون له جولات جديدة ، ينسى هذا العدو وننسى معه نحن بأن بلادنا كالجسد الواحد ، مهما تغربنا ومهما تباعدت وتجافت القلوب إلا ان أي اهتزاز في فلسطين أو لبنان او سوريا او اليمن او العراق لن يمر مرور الكرام بل سيؤثر تأثيرا هائلا في الجميع بلا استثناء .
إن السديم الغباري المشوش الذي ولد صفقة الهدنة في غزة لا يقل غموضا عن سديم الأيام القادمة ما بعد سكون المدافع ، ألاعيب كثيرة يجري الاعداد لها لتكريس الانقسام الفلسطيني بصورته الخطرة والمنفلتة والجارحة التي يمكن ان تكون اخطر ما يهدد انتصار المقاومة ، إن مصير الضفة الغربية سيكون مرهونا جدا بمجريات السياق الذي سيطفو على خرابات غزة بعد انسحاب قوات العدو وبدء معركة الادارة واعادة الاعمار وصراع الاستخبارات العربية المجاورة ، البيجر الخطير الذي يتوجب على المقاومة الانتباه له هو بيجر جماعة السلطة الذي كان مبيتا في طور الرقود والانتظار وهو يراقب وينتظر بفارغ الصبر سقوط غزة طيلة شهور الموت.
لقد غيرت غزة وجه الشرق الأوسط ، ووضع اليمن قواعد جديدة لعالم العرب القادم الذي سيكون عنوانه التحرير والخروج من طوق العبودية ، هنيئا لك يا غزة يا صانعة المجــد .
*كاتب فلسطيني

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

لا لتحييد غزّة..!

فؤاد البطاينة* بعيدا عن الاستغفال السخيف. الهجرة الطوعية مباحة ولكن ضمن شروطها التي تميزها عن …