د. معن علي المقابلة*
طوفان الأقصى الذي انطلق في السابع من تشرين الأول / أكتوبر سنة 2023 عطّلَ الكثيرَ من الخطط التي كانت تنتظرُ منطقة الشرق الأوسط ، هذه المنطقة منذ أكثر من قرنٍ من الزّمَن وهي على سطْحِ سفيحٍ ساخنٍ تهدأ فترةً لتشتعلَ فتراتٍ .
لقد خاضتْ حروبٌ دوليةٌ بين العَرَب والكيان الصّهيونيّ من حَرْب سنة 1948 التي تمخضَ عنها قيامُ دولة الكيان الصهيونيّ ، مروراً بحرْب السويس سنة 1956 والتي تمخضَ عنها انسحاب بريطانيا وفرنسا من المنطقة لتحلَّ محلهما الولاياتُ المتحدة ، إلى حرب سنة 1967 التي توسّعَ فيها الكيانُ الصّهيونىّ على حساب مِصْرَ والأردنّ وسورية، وتبعتها مباشرةً سنة 1968 حرْب الكرامة بين الأردنّ والمنظمات الفلسطينية مع الكيان الصهيونيّ التي كان أهم نتيجة لها خروج المنظمات الفلسطينية من الأردنّ، وحرب أكتوبر/ رمضان أو الغفران كما يُسمّيها الكيانُ الصّهيونيّ سنة 1973، والتي تمخضَ عنها عمليةُ سلامٍ بين مصرَ والكيان الصّهيونيّ لتخرجَ مصرُ من معادلة الصراع العربيّ الصّهيونيّ، والتي كان من نتائجها خروج مصر ونشوبُ الحرب العراقية الإيرانية سنة 1980 أنْ أخذَ الكيانُ بالعربدة في المنطقة؛ إذْ تمّ غزو لبنان سنة 1982 وإجبار منظمة التحرير الفلسطينية من مغادرته ، ليكتملَ مُخطّطُ الكيان الصهيوني بترحيل المنظمات الفلسطينية من دُوَل الطْوْق باستثناء سورية التي ضبطت المنظمات الفلسطينية الموجودة لديها بعدم استخدام أراضيها لتنفيذ عمليات ضد الكيان الصهيونيّ في عهد عائلة الأسد بعكس الأراضيّ الأردنية واللبنانية .
أدّتْ هذه السياسةُ التي اتّبعها الكيانُ الصّهيونيّ في إدارة الصّراع مع العَرَب والفلسطينيين إلى تلاشي خطر دول الجوار ، وأدركَ الفلسطينيون أنّهم أصبحوا وحدَهم في مُواجهة الكيان الصهيونيّ ، فجنحوا للسلم ، لتوقعَ منظمةُ التحرير الفلسطينية اتفاق أوسلو سنة 1993، وتؤسس سلطة فلسطينية هزيلة في رام الله ، وتبعها الأردنُّ؛ إذ وقّعَ اتفاقية سلام مع الكيان الصهيونيّ سنة 1994 ولتبدأ الدول العربية تتقاطرُ للتطبيع مع الكيان الصهيونيّ سواء تطبيع سياسي او اقتصادي.
أدركَ الفلسطينيون وزعيمُهم ياسر عرفات أنّ السلامَ مع الكيان الصهيونيّ كان خدعةً صهيونيةً ؛ لإرضاء المجتمع الدولي وشراء الوقت للسيطرة على الضفة الغربية من خلال تكثيف بناء المستوطنات ، وأنّ الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس حُلْمٌ لنْ يتحققَ، وأنّ اتفاق أوسلو كان خديعةً كبرى، وتُوّجتْ هذه الخديعةُ بالتخلص من شريك السلام ياسر عرفات، لتتحولَ السلطة الفلسطينية بزعامة خليفة عرفات ورفيق دربه بالكفاح محمود عباس إلى تابعٍ للكيان الصهيونيّ تأتمرُ بأمره وتنفذ أجنداته وتنسق معه أمنيًا، وتُجرم المقاومة، بينما الكيانُ الصّهيونيّ يستولي على الأرض ويكدسها بالمستوطنات.
أمامَ هذا الواقع أخذَ الكيانُ الصّهيونيّ بتعزيز علاقاته مع الدول العربية ويُبرمُ معها علاقاتٍ دبلوماسيّةٍ واقتصاديةٍ فيما يُعرف بالاتفاقيات الإبراهيمية، التي رعاها الرئيس الأمريكي ترمب في فترة رئاسته الأولى ( 2016-2020 ) وتكفّلَت الإماراتُ العربية المتحدة بتسويقها ، وأصبحت القضيةُ الفلسطينيةُ شيئًا من التاريخ أو هكذا تهيّأ لبعضهم ، وأخذَ رئيسُ الوزراء الصّهيونيّ بنيامين نتنياهو يزور العواصمَ العربية ويُبشّرُ بشرق أوسطٍ جديدٍ ، حتى وقفَ على منصة هيئة الأمم المتحدة وأخذَ يعرضُ خرائطَ للشرق الأوسط بدون فلسطين ، وبدا للجميع أنَّ الإقليمَ مُقبلٌ على مرحلةٍ جديدةٍ تنسجمُ مع التصوّر الأمريكي الصّهيونيّ الذي بشّرَ به ترمب من خلال صفقة القرن ، وأخذتْ واشنطن بالاستعداد للانسحاب من الشرق الأوسط بعد تسليمه للكيان الصهيوني، وإكمال التطبيع العربي والإسلامي بتطبيع السعودية مع الكيان كجائزة يقدمها الأمريكيون لنتنياهو ويُتوّجُ زعيماً للشرق الأوسط بلا منازع ، لتتفرغ واشنطن لصراعها مع الصين .
هكذا كانت ستدخل علينا سنة 2014 ، فجاء طوفانُ الأقصى ليجرفَ كلَّ هذه الأحلام ، ويقول مهندس هذا الطوفان يحيى السنوار(رحمه الله) ورفاقه: “واهمٌ مَنْ يعتقدُ أنّ الإقليمَ سيهدأ على حساب الفلسطينيين وقضيتهم، وواهمٌ مَنْ اعتقد أنّ هدفَ الطوفان خطفَ مجموعةً من الجنود الصهاينة لمبادلتهم بأسرى فلسطينيين في سجون الاحتلال؛ فخطفُ مجموعةٍ من الجنود لا يحتاج لعملية مُعقدة تمّ التحضيرُ لها سنوات.
كلمة أخيرة ، قدّمت المقاومة الفلسطينية طيلة 471 يوماً من الصمود الأسطوري والنتائج المُبهرة في ساحة المعركة، وكشفتْ هشاشةَ الكيان الصهيونيّ وعرّتْ سرديته التاريخية ومزاعمه الأخلاقية ونظامه الديمقراطيّ ، بحيث قلّبَتْ عليه المجتمع والرأي العام الدوليين ، وأصبح قادتُه السياسيين والعسكريين مطلوبين للمحاكم الدولية، كلّ هذا يحتاجُ من العرب وبالخصوص السعودية ومصر والأردنّ عزْلَ الكيان وعدَمَ التعامل معه حتى يخضعُ للقرارات الدولية وانتزاع دولة فلسطينية كاملة السيادة وهذا أصبحَ مُمكناً حتى بوجود ترامب إذا أحسن العرب لعبة المصالح والصفقات فساكنُ البيت الأبيض الجديد القديم يؤمن بمبدأ الصفقات .
*كاتب وباحث وناشط سياسي اردني