الأربعاء , يناير 29 2025
الرئيسية / اراء / لبنان..الجنوبيون وعرس التحرير!!

لبنان..الجنوبيون وعرس التحرير!!

د. أماني ياسين*
لقد تبين أن لا قرارات أمم متحدة ولا ضغوطات خارجية دولية ولا ضغوطات سياسية لبنانية أو عربية أو حتى دولية تثني العدو الإسرائيلي عن غيّه باستمرار احتلاله وتمترسه في الجنوب اللبناني. فبعد تجاوز مهلة الستين يوماً التي حدّدها اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان والكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين وبعد مكابرة هذا العدو الإسرائيلي وتعنّته وإصراره على البقاء في الأرض اللبنانية كما أعلن نتنياهو قبل أيام أنه لن ينسحب من لبنان بعد انتهاء المهلة المحدّدة. وبعد ضرب العدو الصهيوني عرض الحائط بكل القرارات الدولية والتفاهمات وتحدّيه للقانون الدولي وهو الذي اعتاد التحدّي والقفز فوق القانون طوال سنوات طوال، وبعد كل هذا التعنت والمكابرة الإسرائيلية ما كان أمام أصحاب الأرض من الجنوبيين إلا أن فرضوا إرادتهم ومعادلاتهم بأيديهم وبصدورهم العارية التي تحدّوا بها دبابات الإحتلال بعدما ثبت أنها دبابات من ورق في مواجهة شعبٍ حيّ يعرف كيف يطالب بحقّه وكيف يطرد المحتل من أرضه.
جنوب لبنان كان يوم “الأحد” التاريخي على موعد مع ملحمة بطولية جسّدها أهل الجنوب الصامد والصابر والمقاوم، ملحمة يجب أن تكون عبرة ودرساً لكل إنسان على وجه هذه البسيطة تعلّمه كيف يكون حبّ الوطن وكيف يكون شرف الذود عن الوطن وتعلّمه أن لا كلمة فوق كلمة الشعب وهو مصدر كل السلطات وأنّ لا ثمن يوازي حبة ترابٍ من أرض الوطن.

في ملحمةٍ بطولية فريدة وقف الجنوبيون يوم الأحد في السادس والعشرين من كانون الثاني بعدما رابطوا حتّى ساعات الفجر الأولى في ترقبٍّ وانتظارٍ حثيث وقفوا بوجه دبابات الميركافاه الإسرائيلية يتحدّون جبروت الجيش الصهيوني بصدورهم العارية وبقبضاتهم المرتفعة وأصواتهم المدوّية بصرخات “الله أكبر”. تجاوزت الجموع كل الحواجز التي وُضعت أمامهم وهبّوا هبّة رجلٍ واحد في وجه عدوهم المسلّح بأحدث الأسلحة وأكثرها تطوّراً ومن خلفه أعتى دولة في العالم، أمريكا التي حاولت فرض تمديد وقف إطلاق النار على الدولة اللبنانية لمصلحة العدو الغاصب لأجل فرض شروطها ولكسر إرادة الشعب اللبناني وحرمانه من حقوقه في أرضه وربّما لفرض مكاسب سياسية معيّنة عبر تشكيل حكومة تابعة لها.
وفي صدمة للجميع وعلى خلاف التوقعات والرهانات الأمريكية والإسرائيلية بيّن الشعب اللبناني أنه وحده هو من يقود طريقه على مسار الانتصارات وحفظ الحقوق وتحرير الأرض بعدما ظهر للعالم أجمع كذب مسار التسويات وشعارات احترام القرارات الدولية وشرعة حقوق الإنسان بما فيها كل الضمانات الدولية. هذا وقد سبق للولايات المتحدة الأمريكية وهي أحد الرعاة لإتفاق وقف إطلاق النار ما بين لبنان وإسرائيل أن سارعت عبر ادارتها الجديدة الى تبني موقف العدو بالكامل وذلك عبر منحه فترة اضافية «قصيرة ومؤقتة» لانجاز انسحابه من كامل الاراضي اللبنانية المحتلة ومن المعروف أن هذا الإتفاق لم يحترمه العدو الصهيوني طيلة ستين يوماً وما زال إلى الآن.
فعلى مدى ستين يوماً من اعلان وقف إطلاق النار في لبنان لم يتوانى العدو الصهيوني عن خرق هذا الإتفاق مراراً وتكراراً حتى بلغ عدد خروقاته اكثر من 600 خرقاً وذلك تحت مرأى لجنة مراقبة وقف إطلاق النار الدولية وتحت مرأى الأمم المتحدة المتمثلة بقوات اليونيفيل في الجنوب اللبناني وكذلك تحت مرأى رئيس مجلس الأمن غوتيريش والرئيس الفرنسي ماكرون الذين قاما بزيارة لبنان أثناء هذه المدة وفي الوقت الذي كانت طائرة “الأم كا” تجوب الأجواء اللبنانية وتصمّ الآذان فوق العاصمة اللبنانية بيروت.
وعشية انتهاء مهلة الـ60 يوماً، كثّف لبنان اتصالاته وجهوده لاستباق المواقف وللضغط على اسرائيل من أجل تطبيق ما اتُّفِق عليه في اتفاق وقف إطلاق النار وبالتالي الانسحاب الكامل من الأراضي اللبنانية المحتلة ضمن المهلة المحدّدة. وتولى رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ورئيس المجلس اللبناني نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي اجراء مجموعة من الاتصالات مع رئيس لجنة الاشراف على الاتفاق الجنرال الأمريكي جيفرز، ومع السفيرين الاميركي والفرنسي وسفير الامم المتحدة وسفراء عرب إلا أن جميع هذه الجهود لم تسفر عن أيّ شيءٍ ملموس. وعلى العكس فإنّ ماحصل هو أن زاد تعنُّت العدو الصهيوني حيث أعلن البارحة صراحةً وعلى لسان نتنياهو تحديداً أنه لن ينسحب من الأراضي اللبنانية التي احتلها أثناء الحرب والتي ما استطاع التمدّد فيها لولا إتفاق وقف إطلاق النار الآنف الذكر . وبحجّة وقف إطلاق النار تمدّد جيش العدو الصهيوني الجبان في القرى اللبنانية واستغل وقف إطلاق النار ليقوم بهدم مئات البيوت وجرف الطرقات وتهديم المساجد والحسينيات في المناطق التي لم يكن قد استطاع الدخول إليها من قبل بسبب استبسال الشباب اللبناني المقاوم والمدافع عن أرضه ووطنه وذلك تحت مرأى ومسمع لجنة وقف إطلاق النار والدول المراقبة بل وتحت مرأى ومسمع العالم أجمع.
يوم الأحد 26 كانون الثاني من العام 2025 هو يوم سيوثِّقه التاريخ حين انتفض الجنوبيون من أهالي وسكّان القرى اللبنانية الحدودية منذ ساعات الصباح الباكر وأصرّوا على الدخول إلى بلداتهم وقراهم بعدما فتحوا الطرقات الموصدة أمامهم والتي كان العدو المحتل قد جرفها وقام باغلاقها بالردم والحواجز الاسمنتية ومن خلال حفر وتخريب الطرقات بين القرى والبلدات. لقد ثبت الجنوبيّون الصامدون وأصرّوا على تحدّي دبّابات العدو الصهيوني وعنجهيته بل وتحدي القصف والقنص والقتل المقصود للمتظاهرين العائدين الى قراهم في مشهد تاريخي حيث ارتكب هذا العدو القاتل الغاشم عدة مجازر بوجه أهالي الجنوب اللبناني العزّل وحيث سقط أكثر من 22 شهيداً ومئات الجرحى في يوم التحرير الطويل هذا. وقد أُصيب العدو الصهيوني كما أُصيب العالم أجمع بالصدمة بعدما فوجىء بمشاهد ملحمية لأهالي الجنوب الصامدين وخصوصاً لأمهات ونساء هذا الجنوب الصامد اللواتي قدّمنَ أجمل صور الإيثار والتفاني والإباء والوطنية حتى سقط منهنّ شهيدات في سبيل هذا التحرير. وصورة تلك المرأة اللبنانية التي وقفت وقفتها الشهيرة بحيث سجّلتها جميع قنوات الأخبار العالمية وتناقلت صورها وسائل التواصل الاجتماعي وهي تتحدى جنود الاحتلال ثابتة القدمين غير آبهة بطلقات الرصاص التي أطلقها جنود الصهاينة الجبناء عليها هي صورة لن ينساها العالم ونموذج يُقتدى لكل نساء العالم بل لكل إنسان في العالم في الفداء والايثار والتضحية وحب الوطن . وقد ظهرت معالم الذهول والصدمة واضحةً في بيانات الإعلام الصهيوني الذي أظهر صدمته بهذه الصور والمشاهد الملحمية العفوية لجموع الجنوبيين العائدين إلى قراهم الحدودية برغم المنع الصهيوني والتهديدات الصهيونية المتكررة وبرغم التهديد الصهيوني بالقتل المباشر وبرغم إطلاق الرصاص على تلك الجموع وسقوط عددٍ منهم شهيداً. لقد أثبت سكّان جنوب لبنان أن الأرض لا ولن تكون إلا لأصحابها وأنهم لا ولن يبخلوا في يومٍ من الأيام بأي شيءٍ في سبيل تحرير أرضهم والدفاع عنها ولو واجهوا جيوش العالم كلّها بصدورهم العارية، ولسان حالهم يقول ” هذه الأرض لنا ولا أحد يستطيع منعنا من العودة الى أرضنا!”.
*كاتبة لبنانية

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

الصمود الأسطوري وعودة الغزيين!

موسى العدوان* عودة الغزيين النازحين إلى منازلهم في شمال قطاع غزة، خلال اليومين الماضيين على …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *