د. سماهر الخطيب*
تحاول بعض القوى الدولية والإقليمية استثمار الإدارة الجديدة التي جاءت بعد انهيار نظام الأسد في سوريا، لإعادة ترتيب الأوراق فيها، مع تصاعد المطالبات الدولية بعودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم، في ظل محاولات الإدارة ببسط سيطرتها على كامل التراب السوري وخاصة الشمال والشمال الشرقي من البلاد الواقع تحت سيطرة الإدارة الذاتية المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية.
وتتصاعد الاشتباكات في مناطق شمال شرق سوريا، بين قوات سوريا الديمقراطية “قسد” وفصائل المعارضة المسلحة المدعومة من تركيا. هذا التوتر يتزامن مع محاولات الإدارة في العاصمة دمشق نزع سلاح قسد وبضغوط تركية، مما يعقد الوضع الأمني في العديد من هذه المناطق.
وتشهد منطقة قريبة من سد تشرين اشتباكات مستمرة منذ أكثر من شهر راح ضحيتها مئات المقاتلين من الطرفين، حيث تحاول الفصائل اختراق خط الدفاع الاستراتيجي لقوات قسد والسيطرة على الجسر الرابط بين ضفتي الفرات. ورغم المظاهر الدموية للصراع، تُبدي السلطات الجديدة إشارات مترددة للانفتاح على حل سلمي تفاوضي.
وكما هو معلوم فإن “الإدارة الذاتية” أنشأتها وحدات حماية الشعب الكردية الجزء الأساسي من قوات سوريا الديمقراطية بعد اندلاع الثورة في سوريا عام 2011. وكانت واشنطن من أبرز الداعمين لها في إطار الجهود المشتركة لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”. بينما تعتبر تركيا وحدات حماية الشعب الكردية امتداداً لحزب العمال الكردستاني وتصنفها على أنها جماعة إرهابية، وتحاول تصفيتها.
من جهته، قال قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع إن القوات الكردية هي الطرف الوحيد الذي لم يلبي دعوة الإدارة الجديدة لحصر السلاح بيد السلطة، وأضاف أنه لا يمكن القبول بوجود مجموعات المقاتلين الأجانب في سوريا. وأوضح أن تنظيمي “حزب العمال الكردستاني وقسد” لم يقبلا حتى الآن التخلي عن أسلحتهما، رغم دعوتهما للانخراط في قوات وزارة الدفاع السورية الجديدة.
وكانت قسد قد أعلنت سابقاً أنها مستعدة للاندماج ضمن الجيش، واضعة بعض الشروط. وأوضحت على لسان عدة مسؤولين أنها غير مستعدة في الوقت الحالي لتسليم سلاحها، بانتظار أن يتضح شكل الجيش وهيكليته، فضلاً عن الدستور الجديد للبلاد. في حين أكد قائد قسد مظلوم عبدي في وقت سابق أن الاشتباكات والمواجهات مستمرة في كوباني ومقاتلو قسد يصدون هجمات الجماعات المسلحة التابعة لتركيا.
بموازاة ذلك، أرسلت طائرة شحن أمريكية أسلحة ومعدات عسكرية متطورة إلى قاعدة “خراب الجير” شمال شرقي سوريا. كما أرسل التحالف الدولي ضد داعش 27 شاحنة محملة بمعدات عسكرية وأسلحة إلى قاعدة “قسرك” بريف الحسكة الغربي. فيما دفعت إدارة العمليات العسكرية في دمشق بأرتال من القوات باتجاه شمال وشرق سوريا.
كما أفادت مصادر عسكرية كردية أن مقاتلي “قسد” في ريف حلب يتلقون دعمًا استخباراتيًا كبيرًا من بريطانيا، مما يساعدهم على مقاومة الفصائل المدعومة من تركيا، وشن كمائن ضدها، وتكبيدها خسائر كبيرة. وأوضحت المصادر أن هناك تنسيقًا مستمرًا بين الاستخبارات الغربية، بما فيها البريطانية، وقوات “قسد”، ما مكّن الأخيرة من اعتقال عناصر من الجيش الوطني خلال معارك ريف حلب.
وفي سياق متصل، أثارت إحدى تصريحات مظلوم عبدي، حول امتلاك قواته للطائرات المسيرة، تكهنات بأن هناك خبراء بريطانيين وغربيين قد قاموا بتدريب عناصر “قسد” على استخدامها، مما يضيف بعدًا جديدًا للمساعدة العسكرية والاستخباراتية التي تتلقاها هذه القوات في معركتها ضد الفصائل المدعومة من تركيا.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن بريطانيا وفي سياق تحالفها مع الولايات المتحدة تلعب دوراً بارزاً في دعم أكراد سوريا. ورغم العلاقة السياسية الطيبة بين لندن وأنقرة إلا أن الإستخبارات البريطانية لها حسابات أخرى فيما يتعلق بأمن البلاد القومي وتحالفاتها الإستراتيجية.
حيث تتشارك بريطانيا مع الولايات المتحدة في المخاوف بشأن تنظيم داعش والإرهاب العابر للقارات وتقوم بدعم الأكراد الذين يشكلون سنداً كبيراً لقوات التحالف ضد الإرهابيين، وعملهم في إطار تكثيف العمليات الاستخبارية لمواجهة أي تهديدات محتملة. فواشنطن لن تتخلى عن دعم قوات “قسد” في حال تعرضت لضغوط عسكرية وبالتالي فإن لندن تسير على نفس المنوال.
وتركيا بدورها تعوّل على تحقيق نصر سريع وإنهاء للقضية الكردية بقوة السلاح، طالما وصل حليفها الشرع الى قيادة الإدارة الجديدة. إلا أنه وفي الميدان، تصطدم الطموحات التركية بتحركات الأكراد وحلفائهم الغربيين، الذين يقاومون ويشتبكون مع الفصائل السورية ويحققون مكاسب على الأرض.
*كاتبة سورية