د. هاني الروسان*
ما يختلف به ترامب عن بايدن او غيره من الرؤساء السابقين في معالجعة ازمات الدولة الامبريالية هي ان ترامب لا يريد مشاركة الاخرين غنائم الانتصار كما انه لا يريد مشاركتهم خسائر الهزيمة في اطار رؤية تتسق عموما ومسار التطور التاريخي للحراك الاجتماعي بشكل عام، ونسق حركة راس المال بصورة خاصة، ويحاول ايجاد مخرج يحفظ لهذه الدولة عمرا اطول قدر الامكان، خاصة وان مشاركة الاخرين غنائم الانتصار ستكون ارباحا غير ذات مستوى بالنسبة للولايات المتحدة، وان تقاسم خسائر الهزيمة ستكون ضخمة وستعجل بانهيار الدولة القومية التي شكلت الامبريالية ولا زالت امتدادها وتطورها.
وفي هذا السياق قد نجانب الصواب اذا شخصنا السياسة الامريكية على انها خيار خاص بالرئيس ترامب اكثر منه اسلوب ادارة لاستراتيجية دولة يادوات خاصة مهما علا شأنه في تراتبية دور الافراد في التاريخ، وذلك لسببين على الاقل اولهما ان الضوابط الدستورية والمؤسساتية في النظام السياسي الامريكي لا تسمح للفرد الواحد بتجاوز المؤسسة وآليات صنع القرار بها والثاني ان الرئيس لم يخرج في استراتيجيته او اسلوبه عن الاستراتيجية الامريكية التي تضع الصين الخطر المستقبلي الاكبر المحدق بمكانة الولايات المتحدة الدولية، وانه كغيره من الروساء السابقين لا زال مصرا على الانفراد الامريكي بقيادة النظام الدولي، ولكن عبر اعادة النظر في قواعد بناء التحالفات واقامة علاقات الصداقة، التي تبدو ظاهريا وكأنها تودع للمرة الاولى تلك القواعد والقيم التي افرزتها نتائج الحربين العالميتين الاولى والثانية، وان الدولة القومية تتخلى لصالح دولة اخرى ليست ضرورة ان تكون من تلك التي بشر بها هنتغتون، او بات يسميها البعض بالدولة الحضارية اي التي تقوم على الخصائص الحضارية لدولة او لامة ما، وليس على خصائص ومظاهر التمدن والتجديد.
والسبب الذي يقف وراء هذا الاعتقاد هي نتائج الممارسات السياسية الفعلية للدولة القومية التي كانت تقوم على ازدواجية المعايير، ولم تسجل العلاقات الدولية ولو واقعة واحدة التزمت خلالها الدولة الامبريالية بتطبيق نفس المعايير على حالات متشابهة ولكنها لا تنطوي على نفس تلمصالح التي تعنيها، حيث لم يكن مفهوم حق الشعوب في تقرير مصيرها واحدا بالنسبة لها، كما هو مفهوم حقوق الانسان، والديمقراطية حيث كانت على سبيل المثال لا الحصر الدول العربية تصنف من قبلها على انها دولا ديمقراطية او انها تقبل بها في المعسكر الديمقراطي وتقبل بصداقتها والتحالف معها وتقديم المساعدات لها وتحافظ عاى امن انظمتهت مع ان انظمتها السياسية واقعيا انظمة استبدادية وعائيلية قمعية تنتمي الى ما قبل الدول الدستورية المقيدة.
واليوم مع تفاقم ازمات الدولة الامبريالية وانحسار مساحة مناورة التعايش الكاذب فيما بينها، واشتداد المنافسة بين مكونأتها، فانه لم يعد لتلك القيم اهمية حقيقية في تنظيم علاقاتها البينية، وان الخلافات انتقلت الان الى صفوف الاخوة بعد ان كانت بالامس القريب بين هؤلاء الاخوة وابناء العمومة، وقبل ذلك بينهم جميعا وبين الغرباء، وبالتالي فان فشل ادارة بايدن بمحاولة اعادة انتاج هندسة للعلاقات الدولية بمجموعة من الشعارات التي لا تعبر عن حقائق واقع الدولة الراهن ولا تعكسه كما هو يعكس هو نفسه على شكل ازمات متدحرجة، هو ما اعاد ترامب للبيت الابيض محمولا على عدد من الشعارات والوعود التي كانت اكثر تعبيرا عن الواقع وكيفيات مواجهته.
والحقيقة ان صفعة ترامب لنتنياهو في البيت الابيض، التي كانت اشد قسوة وايلاما واهانة من تلك التي وجهها لزيلنسكي، حيث لا مقارنة بين مكانة الرجلين عند ترامب، وكانت تعبيرا فجا عن معنى امريكا اولا، وتأكيدا قاطعا على ان حل ازمات امريكا يأتي اولا واخيرا، وان مصالحها فوق قيمها وهي بوصلتها في تحديد قائمة الاعداء والاصدقاء، وان العداء الامريكي لايران ليس هو نفسه عداء اسرائيل لها، وان التحالف مع اسرائيل سقفه استراتيجية الولايات المتحدة يالبقاء في موقع الاقوى ولو على حساب اخوة الامس.
وان كان ما زال مبكرا التقييم الدقيق لنتائج هذه الصفعة على خد بيبي، والقول ان الولايات المتحدة وفي اطار رؤية ترامب لامريكا اولا التي تعني تصنيف العالم اما تابعا او عدوا، بصدد بناء نظام اقليمي في الشرق الاوسط ثلاثي الرؤوس حيث الى جانب اسرائيل وتركيا هناك مكان ما لايران الملالي او من سيخلفهم، ان كان ذلك ما زال مبكرا تقيمه، فان المؤكد ان ازمات الدولة الامبريالية ومحاولات حلها ستكون مفتوحة على كل الاحتمالات، وان العالم برسم تغير قيمه التي امتحن زيفها في اكثر من مرة وانها لن تبقى كما كانت عليه حيث باتت مجموعة من المتغيرات التفاعلة بعضها مع بعض تشكل تفاعلًا نمطيًّا متكررًا، يمكن مراقبته، وملاحظته ما يمهد لاتساع نطاق هذه المتغيرات ومعها انماط تفاعل جديدة
*كاتب واكاديمي تونسي