الأربعاء , مايو 14 2025
الرئيسية / اراء / “انتصارات الثورة” السورية..!!

“انتصارات الثورة” السورية..!!

د. ادريس هاني*
يوما بعد يوم تظهر معالم الخيانة العظمى، وتنكشف فصول مسرحية انتصار الثورة السورية البليدة، لتتحوّل إلى لعنة ستتدفّق آثارها المدمرة على سائر المنطقة، لأنّ ما حدث بالفعل لا يقف عند إخراج سوريا من المعادلة، بل هو مقدّمة الواجب في مسار تصفية القضية الفلسطينية نفسها. وبالفعل، لقد اتضح أنّ ثورة النمر الوردي بالشام لعبت دور حصان طروادة في تمكين قوى النفوذ من احتلال الشام، بل مكنت للاحتلال من الرقص داخل تراب كان منيعا أيّام دولة السيادة والعزّ.
وعلى هذا الأساس، كيف نجمع بين إسناد القضية الفلسطينية ومشاركة الاحتلال وحلفاؤه في هذا الاحتفال الكيدي بسقوط دمشق؟ كيف يفسر لنا سحلّيات الثورجية اجتماع النقيضين، وكيف تمخّض الربيع فولد إرهابا وخرابا؟
إنّ اليوم الذي صفق فيه تيار الإخوان لسقوط دمشق، وهو ثأر أعمى ساعدهم على تجاهل تداعيات الحدث الخطير، بل شاركوا في إنجاح المخطط القذر وطعن سوريا من الخلف، سيدفعون ثمنه غاليا، ثمن المأكول حتما بعد أكل الثور الأبيض، وذلك لأنّهم حينئذ فقط وفقط، سيدركون أن دمشق كانت قلعة تحمي حتى الرجعية التي ستدفع الثمن باهضا حينما تصبح عارية في إقليم مهزوم بلا أنياب وميثاق عربي “بلا شوارب”. لقد أعطونا ما يكفي من دروس في المغالطة: كيف يتباكوا على قتلى معارك جرت بين جيش وطني وجيوش عميلة، ويخفون قتلى الإرهاب بل يدينونهم. إنّها مهزلة، إنهم يسخرون حتى من عقل أمّ الأربعة والأربعين.
ما حدث مؤخّرا في الأردن ليس غريبا، فلقد توقّعنا ذلك، لأنّ المعادلة متكاملة، وبأنّ التيار الذي زايد على قوى الإسناد في المنطقة، سيجد نفسه في العراء. فالانتهازية لا تستطيع أن تستمر من دون أن يلطمها مكر التّاريخ. وحين يشتد البأس، سنقول: هذا ما لمت عليه دمشق يوم كان التحريض على الدولة فيه بالعلالي. التّاريخ لا يكتبه الخونة ولا “المكوّعون”.
ولا أحد سيصدق شكوى المظلومية، لأنهم لم ينصتوا يوما لمظلومية الآخرين. فلقد كانوا دائما حملة نظرية المؤامرة مضافا إليها الكثير من بوازير الكيد المتطرف. لقد شمتت الملّة الظلامية في سقوط دمشق، وأكثروا في نسج سرديات تفيض كيدا وشيطنة لنظام كافح الإرهاب أكثر من 13 عاما. اليوم، اتضح أنّ البديل الذي يعبر عن النظام الجديد والحرية، يبيع الشعب في سوق النخاسة، ويبيع السيادة بالجملة، ويسعى لإكمال الفتنة في المنطقة، ويسلم الأرض للمحتل بوقاحة، وهو في ذلك لا ينتظر سوى الضوء الأخضر من القيادة المغولية لإكمال تقدّمه المرسوم له. وطبعا لن تكون المهمّة سهلة على النمر الوردي. لأنّ العراق وإن كان مكبّلا بكثير من الضغوط، إلاّ أنّ شعبه أكثر يقظة ومعرفة بمكر الثّعلب، بل أكثر هوسة لقلب الطاولة. وأمّا لبنان الذي يمر من ظروف صعبة نتيجة تضحياته الكبرى في عملية الإسناد، بعد سلسلة التشكيكات والاستهانة بتضحياته، فلن يكون لقمة سائغة، وهذا أقل مبرر لتقويض دعوى نزع السلاح، لأنّ التحدي بات مضاعفا، وما تبقّى هو “جعجع.ة” بلا طحين.
خرج الإخوان من طور التشنيع والتآمر ودخلوا طور المظلومية، وهم إذ يتساءلون لماذا ظُلموا، ينسون أنّهم طليعة التشنيع على غيرهم. فبعد ضربة مصر والأردن وتونس، يتحسس إخوان المغرب أعناقهم-هكذا يقول من يجهل تفاصيل الأمور ويلجأ إلى القياس- فإخوان المغرب هم من فصيلة أخرى، جماعة بر-مائية تحسن الهروب إلى الأمام، وهي أصلا لا تملك أن تلعب تلك الأدوار، ولا أستبعد أن تبدأ نشيد البراءة من الإخوان أنفسهم. نعم، إن الانتهازية حاضرة، واللعب على الحبال هو ما تبقى من رأسمال جماعة توسلت بالبرمجة العصبية اللغوية في تدبير المرحلة، لكل مرحلة نسقها من المفاهيم الزّائفة.
لقد صفق الإخوان للقاعدة بعد أن اقتضت اللعبة الدولية تمرير مشاريع النفوذ بمن هم غاية في الخضوع. واختلطت الخيانة بالانتصار، وانفتحت أفواه بنات آوى الملتحية، ليصوروا وكأنّهم طليعة أمّة، بينما هم طفيليات زمن الهزائم. ستشهد المرحلة القادمة انمساخا جديدا في الملّة الغادرة، التي طال ضلالها في قراءة ما ليس في وسعها أن تدركه من تجارب الأمم. فالقضايا الاستراتيجية لن تكون مرتهنة ليرابيع الهزيمة مهما عبروا عن اختلال في آلية التعويض السيكولوجي، بالتّبحح والصراخ التضامني مع قضية لم تكن يوما في أولويتهم، ولا هم من كانوا يوما من فصيلة الفدائيين. ولكن ضجيجهم ملأ الأزقة البعيدة عن مناطق النزاع الحارقة.
إنّ طعن دمشق من الخلف، عبر الخيانات العظمى، وانخراط تيارات الظلام في هذه المؤامرة القذرة، لن يفتح لهم أفقا للتّنزّه في المنطقة. فلقد سكتت عنهم دمشق وطمعت وربما أطمعها من يجهلون الملّة المسمومة بإمكانية اللّقاء على مائدة “الهرغمة”، لكن لا أحد جرّب هذه الملّة ونجى من كيدها وغدرها. سقوط سوريا الذي سيكون لعنة مرسومة على وجوههم التي عليها غبرة وسترهقها قترة، وسيتوالى عليهم ما بيّتوه لغيرهم، وكلّ سيأتي دوره جزاء وفاقا.
ستجمع العصابة الماكرة حقائبها وترحل، وسوف تؤوّل تفكيكها بالأردن بألف ليلة وليلة من السرديات، وسيكون في مقدّمتها ما يلي:
– إنّها رغبة إسرا..ئيل وأمريكا، ولكن ما الجديد، فلقد كان التطبيع حكاية قديمة تعايش معها الإخوان، بل في مواقع أخرى وقّعوه، لماذا فقط الآن القرار من الاحتلال؟
– إنّها الرغبة الإماراتية، ولكنمتى كانت العلاقات متوترة بين البلدين؟ هذا بينما تاريخ الإخوان وميلادهم الثاني تمكينا وتمويلا كان من الخليج كلاّ وهو اليوم لا يزال من بعضه.
مشكلة الإخوان ليس التطبيع، بل هو رواية صمموا عليها، وهو خلافة على منهاج ابن أبي بلتعة، خلافة تعيد العرب إلى عصر الإيالات، وبيت الطاعة للباب العالي، ولا يهم أن يساعدهم على ذلك الاحتلال، لأنّ النّضال ليس في جبّلة قوم سعوا منذ مؤتمر التمكين، لنهج مخطط التحالف مع الإمبريالية مباشرة لإقامة الخلافة، ولكن في بعض البلدان التي تقتضي التدليس، لبلوغ الحكومة والتسلل للمديريات والمؤسسات والمجتمع المدني، تهيُّؤا ليوم “ما فيه يا أمي ارحميني”.
هناك محور يضحي، وهناك”برّاحة” يتمثلون انتصارات غيرهم، والغريب أنهم لا وفاء لهم، ولا يبكون رموز من ضحّى ووفى، حالة من الفرقشة النّضالية عارمة، سيكتبها التاريخ بمداد الأسى والحيرة. فتيار الغدر والظلام جلب الهزائم مرة أخرى، وساهم في سقوط كيانات عربية، بينما هو مشغول في التمكين وتنفيذ مخططات سابقة، ترى أنّ الجماعة أهم من المجتمع، والتنظيم أهمّ من الأمة.
تجربة جامدة تتمادى في عودها الأبدي. كلّما تمكّن هذا الرهط كلّما استلّ خنجر الغدر وبادر إلى التآمر والطِّعان، وكلما وقع على منخره رفع شعار المظلومية، فرّار غير كرّار متى اشتدّ الخطب، منشار حديد الأسنان، مفترس صعودا ونزولا.
انتظروا، فسوف يطول نواحهم، وسوف يقولون في موكب أوبرالي: وامعتصماه. لقد سخروا من كل نصيحة، وطغوا في المنطقة ولم يرحموا أحدا، وظنوا أنّهم طليعة أمّة، بينما هم قِراد عاضّة على ذيل اجتماعها .
بعد كل هذا، قلنا ولا زلنا نقول: انتبهوا لمكر التّاريخ، فهو تجلّي لمكر الله الأعظم.
*كاتب ومفكر مغربي

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

الطابور الخامس!!؟

  بقلم/ احمد الشاوش* كنا نسمع بالامس عن طوابير خفيفة وأزمات نادرة سرعان ما تدق …