بقلم/ احمد الشاوش*
كان أهل صنعاء المحترمين يقولوا لقليل الادب والسرسري..” ياسعيد أخرى بعيد ” .. وكان قليل الحياء يستحي أن يقدم على تصرف مشين أمام اسرته وجيرانه واصدقائه ويحاول ان يصنع من نفسه ملاك او شخصية محترمه على أقل تقدير امام الآخرين .
اليوم صارت قلة الادب والحياء والخجل ثقافة وبرنامج عمل لدى بعض المراهقين والشباب الصعاليك لاسيما في ظل العولمة وثورة الانترنت التي سهلت ونشرت ثقافات تتنافى مع عقيدتنا واخلاقنا وهويتنا وثقافتنا ، ان لم تكن قد تأثر بها بعض الكبار مع الاسف الشديد في زمن التغيير والتحولات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والولاءات العجيبة.
لقد حول بعض مجانين السياسة وتجار الحروب ومصنعي الازمات في عموم اليمن حياة المواطن اليمني الى جحيم والاسرة الى نار والمجتمع الى شرار .. بعد ان كانت الحياة طبيعية والنسيج الاجتماعي والوحدة الوطنية أكثر تماسك ومحبة وتكافل وراحة بال.
بالامس كان الرئيس والوزير والقاضي والمعلم والطبيب والمهندس والجندي والموظف والعامل قاصد الله ياكل ويشرب ويلبس ويحصل على فرصة عمل ووظيفة ويتقاضى مرتباته ومكافآته واضافياته وبدلاته وحقوقه ، ورجل الاعمال وتاجر الجملة والتجزئة وصاحب البسطة يشتغلون قرعة ، والحركة الاقتصادية عجيبة تدور مثل عقارب الساعة والعامل يشتغل ويكسب من عرق جبينه بعيداً عن الهم والغم ومنغصات البلدية وغيرها من الجبايات والجميع سُعداء وكل في فلك يسبحون ، وكان للدولة شم وطعم . ومؤسساتها أشبه بخلية نحل للموظفين والعمال والكوادر والكفاءات المنتجة .
وفي الزمن الجميل كان للموسيقى والطرب الاصيل حضور ومساحة كبيرة في قلوب ووجدان ومشاعر واحاسيس الشعب اليمني في مجالسهم ودواوينهم واستراحاتهم واحتفالاتهم ومناسباتهم واسواقهم ومقاهيهم وأثير اذاعاتهم ، وكان لعمالقة الفن والطرب واللحن والشعر والغناء والقصيدة الحضور الاكبر في قلوب عشاق الفن والحياة.. رغم المعيشة المتواضعة وستر الحال وبساطة الناس والحياة وايقاعها الفريد ونغمها الجميل والاستقرار النفسي للجميع.
كانت الناس تبحث عن أغاني الفنان احمد السنيدار ، وعلي الانسي ، وأيوب طارش ، ومحمد الحارثي ، وعلي السمة ، وعلي الخضر ، ومحمد سعد عبدالله ، وعطروش ، وعبدالباسط عبسي وفيصل علوي والزبيدي ، وعلي حنش وعبدالكريم علي قاسم وحمود زيد عيسى والعوامي وفؤاد الكبسي وعبدالرحمن الاخفش وتقيه الطويلية ونباته وثابته ومنى علي ، وفقاً للهوى والمزاج الشعبي العام الذي توفرت ابسط وسائل الحياة بشرف وكرامة ورضا..
وفي ظل دولة الحُب والوفاء وستر الحال صنع اليمنيون المحبون للحياة أجواء السعادة وكيفوا وتكيفوا وأنجذبوا واستمعوا الى نجوم الفن ، أمثال ابوبكر سالم بلفقية ، ومحمد عبده ، وعبدالرب ادريس ، وعبدالمجيد عبدالله ، والرويشد ، وطلال مداح ، والجسمي ونبيل شعيل والعطاس ، واحمد عبيد قطعبي ومحمد جمعة خان ..
لقد عاش صفوة المجتمع اليمني من الادباء والشعراء والمثقفين لحظات من السعادة وسنوات من الابداع والعطاء والتذوق والاريحية وكان لصوت السيدة كوكب الشرق ام كلثوم ، والصوت المخملي للفنانة فيروز ، واسمهان وفريد الاطرش ، وعبدالحليم حافظ ومحمد عبدالوهاب وهاني شاكر وفهد بلان ن وديع الصافي وصباح فخري ، نوال الزعبي ، وعاصي الحلاني ، وراغب علامة ، ومريام فارس ، ورده الجزائرية ، وسميرة توفيق ، ووليد توفيق ، وملحم بركات ، وماجده الرومي ، ونجوى كرم ، ونانسي عجرم الاثر الكبير في قلوب عشاق الفن والطرب الاصيل ..
كان زمن جميل بكل ماتعنية الكلمة لامجال فيه للجهل والبندقية والتخوين وثقافة الذبح بالسكين من الوريد الى الوريد بفتوى سياسية أو مذهبية أو مناطقية ، وانما زمن سقطت فيه العبودية والظلم وتم فيه تقديس العلم والفكر والثقافة والمعرفة والتنمية والطموح والغد المشرق.
اليوم طيرو لنا أهل الجنة وأهل النار كل شيء ومازد تكحلت عيوننا بالنوم من شظف العيش ومشاغل الحياة اليومية ومتابعة القرص اللقمة والبحث عن هلال راوتب الموظفين قبل الموت وبعد الموت ، وآلية خُرنق طلعت أشبه بكاميرا ” خفية”.
وكما يقولون ” الحجر تلحق الذليل ” ، تحلق الطواير فوق رؤوسنا والقصف الصاروخي للموانئ والمطارات والمصانع والجبال والاسواق والمنازل وقاعات الافراح والاحزان ، وهُدنه باردة واتفاقيات ساخنة وتفاهمات من تحت الطاولة وفوق الطاولة وزوامل عنقودية متفجرة والمنكوب اولاً واخيراً هو المواطن المضربة على مدار الساعة.. حبيبي طاب علمك حتى مازد درينا أين السماء من القاع ..
طارت الفرحة .. وطيروا لنا السعادة وعلى قول المثل اليمني ” لولا سعيدة لبيت ردم مازد بقي ردمي”.. طعفروا بالفن والفنانين والادباء والشعراء والوطنيين والشرفاء ، والشعير والبر .. وطيفروا بالثقافة والمثقفين وتحولت الفنون والالحان والقصائد الغنائية البديعة الى اطلال ، بعد ان صعد عصر الفجايع والقاح والقيح ، رغم انه كان بالامكان المحافظة على تلك الفنون الجميلة وروادها بدلاً من محاربتها وملاحقة وطعفرت الفنانين في صالات الافراح والاعراس واحترام ارادة الاخرين بما ينسجم مع المرونة وروح العصر وثقافة الشعب .
شلو لكم الكراسي والمناصب والسلطة والثروة ..الشعب يريد ان يعيش فقط .. نريد ان نلتقط انفاسنا لحظة من الزمن ونقول أووووووووف ياغارتاه غيروا علينا.. لله يامحسنين .. جزاكم الله الف خير..
كان اهالي صنعاء وكل المدن اليمنية تقوم فجر وتصلي جماعة وتقرأ القرآن وبيوت صنعاء مثل خلية النحل بتلاوة محمد حسين عامر ، والقريطي ، والصفي محبوب ، ويحي الحليلي ، وعبدالباسط عبدالصمد .. تلاوة وابتسامة ونشاط وحركة وبساطة وطيبة وتعايش وتسامح وتكافل وبيع وشراء بالمعروف يرد الروح .
كنا ننتظر برنامج “فتاوى” الذي يقدمه عز الدين تقي ، وبرنامج قضايا واحداث للاعلامي الكبير عبدالله الكهالي ومن ثم الاستماع الى نشرة الاخبار والاغاني الصنعانية واللحجية الجميلة بلهفة وشوق كبير ، وكل الناس تحب الزين.. مالذي جرى ، وماالذي غير الناس ياسيد الناس ؟ ..
*رئيس تحرير سام برس
shawish22@gmail.com