د. شهاب المكاحله*
في أول جولة خارجية له منذ عودته إلى الرئاسة، حطّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رحاله في الخليج العربي اليوم الموافق 13 مايو 2025، في زيارة تشمل الرياض والدوحة وأبو ظبي، وتنتهي يوم الجمعة الموافق 16 مايو. زيارةٌ تحمل في طيّاتها دلالات استراتيجية تتجاوز الطابع البروتوكولي، وتكشف عن ملامح تحالفات جديدة، وصفقات كبرى، وإعادة تموضع أمريكي في منطقة تعجّ بالتغيرات. زيارة ترامب إلى الرياض قد تشهد إعلانا بشأن الدولة الفلسطينية ضمن صفقة كبرى مع السعودية.
المال أولاً: اقتصاد الخليج في خدمة أجندة ترامب
تتضح الأجندة الاقتصادية للزيارة من حجم الأرقام المطروحة: من السعودية، يطالب ترامب بضخّ استثمارات تفوق التريليون دولار في البنية التحتية الأمريكية، تليها صفقات تسليح بقيمة تتجاوز 100 مليار دولار، أبرزها نظام دفاعي صاروخي بقيمة 3.5 مليار دولار. في المقابل، يمنح ترامب المملكة فرصة إثبات زعامتها الإقليمية، وتعزيز برنامجها النووي السلمي، وربما العسكري لاحقا، بالتوازي مع دعم رؤية 2030 وسط تحديات مالية متزايدة.
ويُتوقع أن تشمل الصفقة الجديدة، بحسب المصادر، توريد أنظمة أسلحة متقدمة من شركة “لوكهيد مارتن”، من بينها طائرات النقل العسكري “سي-130″، وصواريخ ورادارات متطورة.
أما في قطر، فتأخذ المصالح طابعا أكثر خصوصية. من جهة، يُنتظر أن يتسلّم ترامب طائرة فاخرة من طراز “القصر الطائر”، بقيمة تُقدّر بين 400 و500 مليون دولار، كهدية من الديوان الأميري. ومن جهة أخرى، تسعى الدوحة لترسيخ دورها كوسيط أساسي في ملفات غزة وحماس، وتطمح لتخفيف العقوبات عن النظام السوري، بالتنسيق مع تركيا وبتفاهمات أولية مع واشنطن.
أبو ظبي: من اتفاقيات أبراهام إلى مركز الذكاء الاصطناعي العالمي
دولة الإمارات العربية المتحدة تدخل اللقاءات من موقع قوة، مستندة إلى ريادتها في مسار التطبيع مع إسرائيل منذ عام 2020، وتطمح إلى توسيع رقعة “اتفاقيات أبراهام” إقليميا. إلا أن الطموح الإماراتي يتجاوز السياسة إلى التكنولوجيا، حيث تسعى أبو ظبي إلى نيل دعم ترامب لرفع الحظر عن رقائق الذكاء الاصطناعي الأمريكية، مثل شرائح NVIDIA ، ما يعزز خطتها لأن تصبح مركزا عالميا في هذا المجال بحلول 2031.
وفي المقابل، ينظر ترامب إلى الإمارات كشريك استثماري موثوق، بعد أن تعهدت في وقت سابق باستثمارات تبلغ 1.4 تريليون دولار في الولايات المتحدة.
“مؤسسة ترامب” أعلنت خلال الأسابيع الماضية عن إطلاق مشروعين عقاريين بارزين في كل من الإمارات وقطر، في إطار مساعٍ لتعزيز الشراكة الاقتصادية مع دول الخليج.
ففي دبي، كشفت المؤسسة عن مشروع “فندق وبرج ترامب الدولي” بقيمة تُقدّر بمليار دولار أمريكي، فيما أعلنت شركة “الديار القطرية”، التابعة لصندوق الثروة السيادي القطري، عن توقيع اتفاق مع شركة “دار جلوبال” لتطوير مشروع “نادي ترامب الدولي للغولف” في قطر، الذي سيحمل العلامة التجارية لترامب.
غياب إسرائيل وحضور سوريا
من أبرز مفاجآت الجولة غياب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن أي من محطات الزيارة. مؤشر لا يمكن تجاهله، خاصة مع فتور العلاقات الأمريكية الإسرائيلية مؤخرا بسبب رفض نتنياهو تقديم تنازلات.
في المقابل، تشير تقارير إلى لقاء محتمل بين ترامب ورئيس المرحلة الانتقالية لسوريا أحمد الشرع في الرياض، في خطوة تعكس نضوج مقاربة أمريكية جديدة تجاه دمشق، قوامها رفع العقوبات مقابل تنازلات أمنية وسياسية محدودة.
مصر خارج المعادلة؟
اللافت أيضً هو الغياب الكامل لمصر عن جدول الزيارة. لا الرئيس عبد الفتاح السيسي دُعي، ولا ورد اسمه في البيانات الرسمية. هذا الغياب يطرح تساؤلات حول مكانة القاهرة في الحسابات الأمريكية الجديدة، وعمّا إذا كانت واشنطن باتت ترى في الخليج مركز الثقل الحقيقي في معادلة الشرق الأوسط.
زيارة ترامب إلى الخليج ليست مجرد جولة دبلوماسية، بل إعادة رسم للمصالح والنفوذ. فبين طموحات الدول الخليجية في تعزيز نفوذها الإقليمي والتكنولوجي، ومصالح ترامب الاقتصادية والشخصية، تتشكّل معادلة جديدة عنوانها: “الصفقات أولًا، ثم السياسة”.
ويبقى السؤال مفتوحا: هل نشهد ولادة نظام إقليمي جديد تُدار فيه الملفات الكبرى من الرياض وأبو ظبي والدوحة، فيما تتراجع أدوار القاهرة وتل أبيب ودمشق وعَمان؟ أم أنها مجرد تكتيكات انتخابية لرئيس لا يتقن إلا لغة الصفقة؟
*كاتب اردني