الثلاثاء , يونيو 17 2025
الرئيسية / اراء / هارفارد وترامب!

هارفارد وترامب!

د. بسام روبين*
تعودنا سماع أخبار معارك الساسة مع الجماعات المسلحة، أو أن نشهد صراعاتهم مع الدول المعارضة لأجنداتهم، لكن أن تتحول جامعة أكاديمية مرموقة إلى ساحة مواجهة مفتوحة، فذلك يعكس حجم التحول العنيف في أدوات الضغط والتطويع لدى من يعتقدون أنهم أوصياء على الديمقراطية وحرية التعبير، فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي أتقن لغة التهديد والإبتزاز في الداخل والخارج، وجد في جامعة هارفارد عقبة فكرية نخبوية يصعب ترويضها تعتبر منارة للعلم، ومكانا تنصهر فيه الآراء المتباينة، وتختبر فيه الحقائق المجردة، فتحولت في نظره الى هدف يجب إخضاعه فلم يتقبل ترامب يوما معارضة الرأي أو إختلاف النهج حتى لو صدر عن أقدس صروح المعرفة.
ولعل ما يحدث اليوم بين ترامب وهارفارد ليس صراعا تقليديا بل هو تصادم جوهري وصراع بين مشروع سلطوي يريد تحويل كل المؤسسات إلى أدوات طيعة بيده، وبين مؤسسة أكاديمية راسخة تقاوم تغول السياسة على المعرفة وإستقلالية الفكر ، بينما تحركت هارفارد للدفاع عن حرية طلابها في التعبير عن مواقفهم المناصرة لفلسطين أو المعارضة للسياسات العنصرية، كان ترامب يضغط ويلوح بالعقوبات ويمارس الضغوط العلنية ويحث على إستهداف الأكاديميين والطلبة، مكررا ذات الأسلوب الذي يستخدمه ضد حماس، وإن إختلفت الأدوات.
فنراه يحاول تصنيف كل من يعارضه كإرهابي، ولا يفرق كثيرا بين فكر مقاوم في غزة وبين فكر حر مستقل في قاعات كامبريدج، فالفكر الحر يخيفه كما تخيفه صواريخ تطلق من اليمن وكلمة الحق تزعجه أكثر من بيانات الإدانات الدولية الفاترة.
لذا لا تقف هارفارد وحدها، بل تمثل واجهة رمزية لصراع عالمي أوسع حول الحق في التفكير والرفض والمساءلة، تماما كما تفعل حماس في الميدان، إذ تدفع ثمن خيارها في المقاومة وموقفها من الإحتلال، الفرق أن حماس تحاصر بالصواريخ والطائرات، وهارفارد تحاصر بسيوف الإعلام الموجه والممول، وبالتهديدات المبطنة ضد تمويلها وإستقلاليتها الأكاديمية ومحاولات تشويه سمعتها.
ad
فالجامع المشترك بينهما في نظر ترامب ليس وحدة الهدف ولا وسيلة النضال، بل وحدة الإزعاج الذي تسببه هاتان الجهتان لمشروع الهيمنة الأمريكية الصهيونية الذي يدعمه، وهنا مكمن القلق، حين يصبح التعليم الحر شأنه شأن المقاومة المسلحة مستهدفا وملاحقا ومهددا.
لكن هارفارد، كما غزة، لن ترهبها الضغوط، فصروح المعرفة لا تهدم بالخطابات الشعبوية، واذا ما نجح ترامب او من على شاكلته في فرض إرادته عليها قسرا، فسيكون ذلك نذيرا ببداية تقويض المجتمع الأمريكي وإنزلاقه نحو الإستبداد، ولكن الإرادات الحية لا تقهر بالعنجهية السياسية سواء أكانت تحمل سلاحا أم فكرا، والعالم اليوم بدأ يفرق بين من يقف إلى جانب الحق والحرية، وبين من يريد فرض رأيه بالقوة، سواء أكان ذلك من البيت الأبيض، أو على أسوار الجامعة.
وفي ظل هذا المشهد، نقول: إذا كانت غزة تدفع الثمن لأنها قاومت، فإن هارفارد تدفع الثمن لأنها فكرت بحرية وتحدت الهيمنة.
ad
وفي الحالتين، فالمقاومة لا تهزم ما دامت تعرف أن الفكر والسلاح وجهان لكرامة الإنسان وأن كليهما وجهان لجوهر واحد يرفض الخنوع .
*كاتب اردني

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

هل يستسلم نتنياهو أمام إيران!

د. بسام روبين* لطالما حاول بنيامين نتنياهو أن يصدر صورة القائد القوي القادر على حماية …