الاء السعودي*
أن يهاجم دونالد ترامب زهران ممداني ويصفه بـ”الشيوعي المتطرف” لمجرد فوزه بترشيح الحزب الديمقراطي لمنصب عمدة نيويورك، فهذه ليست مفاجأة على الإطلاق!! ترامب لم يكن يوما مدافعا عن الديمقراطية أو العدالة!! بل كان رمزا صريحا للعنصرية المؤسسية، والنفاق السياسي، والانحياز الأعمى لكل ما هو قمعي واستعماري!! لكن لنتحدث بوضوح: ممداني ليس فقط سياسيا تقدميا، او مجرد صوت معارض، بل هو شخصية فاعلة استخدمت أدوات التشريع والمقاومة المدنية والقانون الدولي، لتحويل قضية فلسطينية إلى مسألة محورية في السياسة المحلية الأميركية!! هو يربط بين مطلب العدالة في غزة والشفافية المالية داخل نيويورك: لا أموال شعب تصرف لتمويل مستوطنين وجرائم حرب!! وهذه وحدها تهمة كافية في نظر ترامب لاعتباره “خطرا على الأمة”، لأن الفلسطيني في العقلية الترامبية، ليس شخصا، بل “عائق” او “مشكلة” يجب تجاهلها أو شيطنتها!! وهنا بيت القصيد: ليس الخطر أن يترشح ممداني لعمدة في مدينة يشكل اليهود فيها نسبة ١٥٪ من السكان هناك، بل الخطر أن تتحول المطالبة بالعدالة للفلسطينيين إلى تهمة في بلد يُفترض أنه يحترم حقوق الإنسان!! بالإضافة إلى أن الرئيس الامريكي “ابو طويلة”، لم يخف موقفه العنصري تجاه الأجانب والفلسطينيين مطلقا! بل انه هو الرئيس الأميركي الوحيد ايضا الذي:
أغلق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن في ٢٠١٨، وهو المكتب الدبلوماسي الوحيد الذي كان يمثل الفلسطينيين رسميًا في العاصمة الأميركية..
أوقف تمويل وكالة الأونروا التي تقدم خدمات أساسية للاجئين الفلسطينيين، في محاولة واضحة لتصفية قضية اللاجئين من جذورها..
أعلن القدس عاصمة لإسرائيل في خرق مباشر للقانون الدولي، وضرب بعرض الحائط أي إمكانية لسلام عادل…
بارك ضم الجولان السوري المحتل، في سابقة دولية غير قانونية، معتبرا أن الاحتلال ليس فقط مقبولا، بل قابِل للتطبيق وللتثبيت بتوقيع أميركي..
طرح “صفقة القرن” التي منحت إسرائيل كل شيء، ومنحت الفلسطينيين “فتاتا مشروطا” مقابل التخلي الكامل عن حقوقهم التاريخية..
دافع عن جرائم الحرب في غزة، معتبرا أن إسرائيل “تدافع عن نفسها”، حتى عندما كانت تسقط مئات الأطفال بالقنابل في مدارس الأونروا والمستشفيات…
أما داخليا، فترامب لم يكن فقط معاديا للفلسطينيين فقط، بل للعرب والمهاجرين عموما، فإذا عدنا بالزمن للوراء، سنجد انه:
أصدر قرار الحظر الشهير “Muslim Ban” الذي استهدف رعايا دول ذات أغلبية مسلمة، وضم دولا عربية مثل سوريا والعراق واليمن والسودان..
وصرح في أكثر من مناسبة أن “العرب يكرهوننا”، في خطاب صريح لصدام حضاراتي عدائي..
تغاضى عن جرائم الكراهية ضد العرب والمسلمين في الداخل الأميركي، ورفض حتى الاعتراف بتصاعدها خلال فترة حكمه..
وايضا هو ذاته ترامب الذي:
وصف الدول الإفريقية وهايتي بأنها “حفر قذرة” (Shithole countries) خلال اجتماع في البيت الأبيض عام ٢٠١٨، متسائلا: “لماذا نسمح للناس القادمين من هذه الأماكن بالمجيء إلى هنا؟”..
ووصف المهاجرين اللاتينيين بأنهم “مغتصبون ومجرمون”، وفي عام ٢٠١٦، هاجم ترامب القاضي الفيدرالي “غونزالو كورييل” الذي كان يشرف على قضايا متعلقة بجامعة ترامب الوهمية، وقال إن القاضي “غير مؤهل” لأنه من أصول مكسيكية، في واحدة من أكثر الهجمات القضائية عنصرية في التاريخ السياسي الأميركي الحديث..
وشكك في جنسية باراك أوباما لأنه أسود، وقلل من قيمة حياة السود خلال احتجاجات “Black Lives Matter”، واصفا المحتجين بأنهم “قطاع طرق”، وأمر الشرطة بـ”السيطرة عليهم بالقوة”، ووقف إلى جانب الشرطة حتى بعد جرائم موثقة لهم..
وهاجم النائبات من أصول غير بيضاء، حيث قال عن أربع نائبات تقدميات (بينهن إلهان عمر ورشيدة طليب): “ليعدن من حيث أتين” رغم أن ثلاثا منهن ولدن في أميركا، وهذه العبارة تستخدم تقليديا ضد المهاجرين هناك..
أما عن هجومه الشخصي على ممداني، فوصفه له بأنه “ذو مظهر سيء وصوت مزعج وليس ذكيا” لا يمكن فصله عن إرث ترامب الطويل في السخرية من أصحاب البشرة السمراء، والمهاجرين، وكل من لا يتحدث مثله او تعلم في مدرسة تفكيره وتتلمذ على ايدي معلمي الكراهية والمقت والبغض!! وفوز زهران ممداني، وهو من الأصوات القليلة في السياسة الأميركية التي تتبنى خطابا غير تقليدي ومباشر ضد الاحتلال الإسرائيلي، هو ليس مجرد تطور انتخابي محلي، بل هو كابوس لترامب، لأنه يثبت أن الجيل الجديد من الأميركيين لم يعد يخاف من قول الحقيقة: أن ما يحدث في غزة هو جريمة، وأن الولاء لإسرائيل لا يعني الصمت على القتل، وأن العدالة ليست نتاج صفقات البيت الأبيض، بل تصدح من أصوات الناس..
ترامب يدرك أن أمثاله يفقدون الأرض، وأن المدينة التي اعتاد أن يصورها كقلعة للبيض الأغنياء المحافظين عموما، أصبحت تحتضن مرشحا تقدميا يشكل خطرا على “أميركا ترامب”!! لأن أميركا التي يخاف منها ترامب هي أميركا التي تحاسب القتلة، لا تكرمهم!! وممداني يشكل صوت يفضح النفاق الغربي الذي يروج للديمقراطية بينما يصمت على الإبادة الجماعية والقتل المتعجرف، ويرى في رشقات الصواريخ وضربات البنادق على المدنيين “عمل بطولي” و”دفاع عن النفس” لا “مجزرة” او “انتهاك حقوق الانسان”!! ويصفق لها تحت قبة البرلمان، أما من يدعو إلى العدالة أو يطالب بمساءلة مجرمي الحرب، فيُتهم بالتطرف و”الشيوعية الغوغائية” ويجرد من السردية الأخلاقية!!
*كاتبة اردنية
