الخميس , يوليو 17 2025
الرئيسية / اراء / أيام قبل السقوط الكبير!

أيام قبل السقوط الكبير!

 

زياد فرحان المجالي*
في لحظة اختلط فيها الألم بالغضب، أطلق عبد الباري عطوان صرخته، محذرًا من لحظة فاصلة تعيشها القضية الفلسطينية والمنطقة بأسرها. لم تكن صرخته ترفًا إعلاميًا، بل كانت بمثابة شهادة من خندق الكرامة، من رجل أدرك حجم الخطر الذي يوشك أن يغلق الدائرة الأخيرة حول فلسطين.
ما يُروَّج له كاتفاق تهدئة في غزة ليس إلا غلافًا سياسيًا لخطة أوسع، هدفها إنهاء مرحلة المقاومة وفتح الطريق أمام مشروع إقليمي تقوده إسرائيل من خلف الستار، بتواطؤ أطراف عربية وصمت دولي. عطوان وصف ما هو قادم بأنه أخطر من أوسلو وكامب ديفيد، لأن هذه المرحلة لا تسعى فقط لتجفيف منابع الدعم، بل لتفتيت البنية النفسية والسياسية للمقاومة.
خطة الاحتلال لم تعد تعتمد فقط على القصف أو الاجتياح، بل بدأت تأخذ شكلًا أكثر خطورة: تشكيل ميليشيات داخلية تحت مسميات مدنية، تعمل على تطويق فصائل المقاومة، وزرع الانقسام في المجتمع الفلسطيني. مواقع تلك المجموعات لم تعد سرًا، من شرق رفح إلى أطراف الشجاعية، تتغذى على تمويل خارجي، وتنتظر لحظتها لتقويض ما تبقى من الصمود.
لكن دائرة الخطر لا تنتهي داخل حدود غزة. إسرائيل بنت جدارًا حول الضفة الغربية، واليوم تعمل على بناء طوق سياسي إقليمي: دول عربية مطبّعة، سوريا محيّدة بالضغط، لبنان يُحاصر من بوابة الجنوب، وإيران مُستهدفة في عمق أمنها واستقرارها. الطوق يكتمل، والحصار لم يعد جغرافيًا، بل سياسيًا واستراتيجيًا.
في هذا السياق استخدم عطوان تشبيهًا قاسيًا ولكنه دقيق. نتنياهو، في المشهد الراهن، لا يُمثّل مجرد زعيم إسرائيلي، بل هو “المرياع” الذي صنعته الولايات المتحدة وتركته يقود قطيع الأنظمة العربية نحو الذبح. المرياع، كما يُعرف في ثقافة البادية، هو الكبش الذي يُربّى في عزلة عن القطيع، ويُستخدم لاحقًا لقيادته إلى حيث يريد الراعي. وهكذا تفعل إسرائيل، عبر نتنياهو، حيث يسير العرب خلفه طواعية، دون إدراك أن الطريق لا تقود إلى سلام، بل إلى شطب تاريخ.
سوريا تُغرى بوهم رفع العقوبات. لبنان يُجبر على الصمت عند حدوده. دول الخليج تُفتح أمامها بوابات المال والسلاح مقابل نسيان فلسطين. أما المقاومة، فتُطارد في معقلها، وتُجرّد من غطاءها الشعبي والسياسي باسم التهدئة.
صرخة عطوان لم تكن خطابًا عاطفيًا، بل كانت تنبيهًا مرًا من رجل لا يعيش في عزلة، بل يشعر أن خيمة غزة تعيش فيه، وأن رائحة التراب هناك لا تفارقه. حين قال إن الكرامة ضاعت، كان يشير إلى لحظة عربية بات فيها الجوع والركوع يتقدمان على القدس.
هذه ليست نبوءة بل وصف دقيق لخطوة محسوبة يجري تنفيذها الآن. إن مرّت هذه الصفقة، فإن فلسطين لن تبقى إلا كاسم في المقررات، والمقاومة ستصبح ذكرى يتم تأبينها تحت شعارات التنمية والانفتاح.
السقوط لا يأتي دفعة واحدة. أحيانًا يبدأ بصمت. ثم بهدنة. ثم بطوق. ثم لا شيء.
*كاتب اردني

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

نزع السلاح والتوازنات الجديدة في قلب المعركة…!

زياد فرحان المجالي* مع تصاعد الحرب على غزة ودخولها شهرها الـ21، تتكثّف الضغوط الدولية للتوصل …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *