فؤاد البطاينة*
في بلادنا عجائب معاصرة، اثنتان منها في غزة، وواحدة في سورية. في غزة ليس المقصود في الأولى أن يرتكب عبدة الشيطان مذابح ومحارق بحق مدنيين جلهم أطفال ليسوا طرفا بالقتال، وتعجز كلمات القواميس عن وصف وحشيتها، بل المقصود أن تُرتكب برفقة صمت العالم المتحضر وأصحاب المبادئ والقيم والقانون دون محاولة منهم لوقفها، ومن ضمنهم العرب والمسلمون. أما الثانية فهي عجز المجرمين رغم استخدامهم كل مبتكرات آلات التدمير الشامل بقيادة الإمبراطورية الأمريكية لما يقارب السنتين، أقول عجزهم عن قهر مجموعة فلسطينية مقاتلة تحت الحصار لإجبارها على الإستسلام. أليسوا الأجدر بجائزة صناع السلام الحقيقيين، وأليس حقاً أن نخلع على اليمن اسم الدولة العظمى ودارة العرب والمسلمين.
أبحث هنا عن الإستشرافات والتصورات القادمة في فلسطين والمنطقة، وهو أمر مطروح على الجميع ويخضع للتكهنات والتحليلات. لكن مع الأخذ بالإعتبار أن الصراع على الأرض هو بين أمريكا مع الكيان المُعرف بقاعدتها العسكرية، والمقاومة الفلسطينية بلا سند خارجي سوى هتافات الشعوب في المسيرات بينما العواطف وحدها لا تعمل، وصلوات المسلمين والمؤمنين وأدعيتهم ضعف وردة وهروب ، وحكام العرب يجتمعون في جامعتهم على أجندة فيها كيف نساعد على تنفيذ مخطط العدو في غزة، وليس فيها إغاثة دم وأفواه أطفال غزة، وأنه ليس في الدول العربية واحدة قادرة على الدفاع عن نفسها أو المواجهة العسكرية.
كذلك علينا استحضار أهداف الصراع على أن محوره منذ عامين في غزة. فرغم إعلان العدو بأن القضاء على مقاومتها هو هدفه، إلا انها في الواقع أطماع بلا حدود وتتخطى غزة التي تمثل عقبة الدفاع والهجوم له، ومفتاح انطلاقه لما بعدها بثمن يصل لإبادتها تماماً لكي لا يترك بعدها شيئا اسمه الإسلام أو الوطن العربي ولا من ولد عربياً أو مسلماً، وهذا ما على الأنظمة العربية معرفته لتعرف الثمن الذي تقبضه مقابل ماذا، وما على شعوبنا إدراكه من نتائج كارثية عليها وعلى أجيالها تترتب على صمتها عن حكامها . أما هدف المقاومة كمتحد وحيد للعدو واحتلاله، فقاعدته هي الصمود في غزة لاستكمال مشروع التحرير .فالأهداف هي ما بين النظرية والقدرة على التنفيذ. والميدان يحكم تعديلها أو تطورها.
نحن العرب والمسلمين، وكذا العالم على اختلاف اتجاهاته من الصراع، ينتظر نتائج الميدان المتبلورة في غزة فيما إذا كانت ستنتهي بنجاح العدو بهدفه المعلن أو بفشله والاعتراف بحضور المقاومة الفلسطينية. في كلا الحالتين سيبدأ حينها التدخل والعمل السياسي العربي في التعامل مع التفاصيل. وهذا التدخل تختلف طبيعته ووجهته حسب النتائج المتبلورة، حيث سيترتب على حالة نجاح العدو في غزة تداعيات سياسية موضوعية كبيرة لها استحقاقات إخضاعية على دول الجوار.
استحقاقات تعطي التدخل السياسي العربي صفة المتأثر والطرف المحاور، ويصبح نظاما مصر والأردن في مواجهة الحقيقة. إنها مرحلة التقدم لتصفية القضية الفلسطينية ورسم اللوحة النهائية لسورية.أما إن فشل العدو في غزة فسيكون هذا نقطة تحول لنهج المقاومة على كل الصعد العربية والدولية، وبأثر إيجابي كبير على وحدة الشعب الفلسطيني خلف المقاومة، وإسقاط صوت الحلول السلمية الوهمية وأي نوع من التطبيع الفلسطيني.
آتي الى سورية، وهي الدولة التي كانت منذ نشأة الصراع العربي – الصهيوني ونشأتها في السياق السايكوسبيكي، القلعة التي يلوذ بها عرب الرفض والمقاومة والصمود، والتي يُدرك عقل العدو بأنها السيف المشهر بوجه كل متعاون أو مطبع، والعقبة الكأداء في طريق المشروع الصهيوني وكل طرق تصفية القضية الفلسطينية. كل هذا تبخر بالتدريج ابتداء من عام 2011 إلى أن وصلنا لواقع مرير على الأرض السورية تحت عنوان خفض التصعيد، ثبَّت ورسخ الإحتلالات بتوافق جميع الأطراف بدون استثناء، وترك مساحة جغرافية لنظامها. وهو واقع كبل الرئيس وجعل منصبه بروتوكوليا على أشلاء. وأنهى سورية الدولة عملياً وأبقى عليها نظرياً للحظة المناسبة.
جاءت اللحظة بعد نكسة المقاومة بكل تداعياتها. وأنهت أمريكا من موقع المنتصر مضمون التوافقات بالرشوة الخادعة وإن اختلفت طبيعتها بين روسيا وتركيا، وتم نقل السلطة نقلاً لقيادة الثوار أي لعملائها ومرتزقتها في مسرحية يُكشف عنها عندما يكشف عن مسرحية داعش، وهؤلاء لا يملكون أي قرار سياسي أو عسكري. وهكذا انتهت سورية الى حضن الصهيونية وكيانها مباشرة، وكل نزاع داخلي في سورية أو حدث سياسي أو عسكري أو إداري لافت، أصبحت أمريكا هي طرفيه، ومستشاريها ومموليها من الأنظمة العربية الضالعة في التآمر، والكيان ذراعها العسكري. أعتقد أن سورية لا يخطط الآن لها التقسيم أمريكياً، بل ستبقى مستعمرة للصهيو أمريكي يُرحّل اليها بضاعته في سياق تصفية القضية وبلورة إعادة تشكيل المنطقة، رهن الظرف. وتركيا ستأخذ نصيبها بالتفاوض لتغطية هواجسها لحين وقتها، وستدفع نفسها ثمنا لسياساتها المنافقة إن لم تعتدل.
وفي الختام أوجه ملاحظتي الى النظام الأردني محذرا من ملعوب الكيان الخطير، بفرضه منطقة منزوعة السلاح في جنوب سورية من طرف واحد، وقيامه مستغلاً أحداث السويداء بترسيخ الفكرة وكأنها أمر مقضي جرى خرقه، بينما الهدف هو توسيع احتلاله وتمركز جيشه ومعداته على الحدود الأردنية الشمالية بما يعنيه هذا من تهديد مباشر ونوايا مستقبلية مبيتة ضد الأردن. إنه عمل مرتبط ببناء الجدار على الحدود الغربية ذات الديموغرافيا التي تهدد الكيان في الحالة العدائية التي يراها قادمة مع الأردن. وإلا بين من ومن هذ المنطقة العازلة ؟ هل بينه وبين سورية منزوعة السلاح ومحتلة أراضيها وصديقة ومستسلمة ومرجعيتها أمريكية ؟ أم أن اسطوانة قطع التواصل بين إيران وحزب الله ما زالت صالحة ؟ لربما لحماية الأردن من التهريب.
*كاتب اردني
اليمن الحر الأخباري لسان حال حزب اليمن الحر ورابطه ابناء اليمن الحر