خالــد شــحام*
يبدو المشهد مروعا ! ليس فحسب مشهد الجثث الملقاة في شوارع غزة أو السويداء أو الساحل السوري ، بل هنالك مشاهد أكثر ترويعا وهولا ، أولها هو مشهد جثثنا جميعا الملقاة في كل مدن العرب التي يجب أن تباد على الدور ليبقى شعب الله المختار ، ولدينا مشهد مرعب (لمشاعر) الرئس ترامب وهو (يشعر بسلبية شديدة ) على قصف الكنيسة في غزة ويطالب بتحقيق بينما ينعم بالايجابية على ذبح ستين ألف فلسطيني وألوف أخرى في لبنان وسوريا واليمن وايران ، لدينا أيضا مشهد مرعب للمقبرة العربية الكبرى الصامتة طولا وعرضا التي تمارس الرقص والطرب والفن والحياة داخل القبور ، لدينا أيضا مشهد مروع أكثر اسمه الانتصار الاسرائيلي في عزل غزة عن الوجدان العربي ، وعزل لبنان و اليمن و سوريا عن الجسد العربي ، وحتى أنها نجحت في عزل مكونات سوريا الواحدة ، الدرزي عن العلوي عن السني وعن سائر التصنيفات الاسرائيلية التي تهب في هواء المنطقة العربية المنكوبة ، لقد أصبح الموت ضرورةً يومية للمسلم والمسيحي والدرزي والعلوي والسني والشيعي حتى دون أن يفهم أحدهم لماذا يموت الآخر .
لدينا مشهد مروع آخر لوجه روبيو أو ويتكوف وهو يطمأننا بأن المفاوضات تسير على ما يرام وأن الوفد المفاوض سيبقى في الدوحة ، أو أن هنالك سوء تفاهم بسيط يجري في سوريا أو حول لبنان ، أو أن هنالك تقدم ايجابي في المفاوضات مع ايران ، لدينا سادتي مشهد مروع كبير يتألف من جثامين صور صغيرة منها لإمرأة فلسطينية جَفَّ لحمُها ودمعها لأنها لم تتناول طعاما منذ خمسة أيام ووجهها الشاحب يصرخ لكل من يتفرج :- وامعتصماه ، واخالده ، وا محمداه ، وا … أي شيء حي ، ثم هنادي التي تسكن بقرب المقابر وتزيل العفن عن رغيفٍ متحجر لنقعه في بعض الماء لتطعم صغارها وتطعمنا جميعا من ألم غزة وتبلل قسوة قلوب الأنظمة العربية ، صورة أخرى لألوف الجوعى الذين فقدوا معالم وجوههم وهم منبطحون أرضا لأن أمريكيا رخيصا يطلق عليهم الرصاص وينكل بهم ، اكفان أخرى بقياس الذراع لأطفال غزة ونحيب الأمهات الذي اخترق الشاشات وكسر الزجاج وارتج له عرش الرحمن فيما يلعب جنرالات العرب لعبة الثلاث ورقات حتى نهاية الليل ، لقد تركونا يا رب الكون وباعونا إربا ، والغول الأمريكي يأكلنا وهم يتفرجون على دماء غزة ودماء كل شعوبهم التي تنتظر السكين .
لم أعد قادرا على كتابة رأي أو تحليل لمسار الأحداث لأننا يجب أن نقفز إلى طبقة أعلى لرؤية جسد الجريمة ، لقد بات من الواضح لجميع من يتابع مجريات أحداث هذا الزمان بأننا أمام عصابة من المجرمين تقود هذا العالم إلى حتفه ونهاياته ، لم يعد لدينا قادة عظماء أو قادة ثائرون أو محررون أو حكماء ، لدينا فقط عصابة لا يمكن وصفها إلا بكلمة عصابة مهمــا تزينت بمصطلحات الزيف من دولة أو رئاسة أو هيئة عالمية أو نظام عالمي جديد أو أي شيء من محسنات المنظر القبيح ، مهمــا كان مسمى تلك العصابة التي تتكشف كل يوم أكثر وتظهر خارطة نفوذها و أعضائها وحجم سيطرتها على هذا العالم بشرقه وغربه وعجمه وعربه إلا أن الشيء المؤكد أكثر أن هذه الحرب التي تشن على العالم هي حرب عقائدية مهمـــا حاولنا التحليل أو التفكير أو النفي ،إنها حرب ذات معالم وجذور مرتبطة بقناعات ونصوص دينية خفية ، بائدة ، مستأجرة من كتابٍ منقوع بالدم البشري ، السؤال الأساسي الذي يدور في مخيلتي أحيانا حول هؤلاء : ما الذي يعبدونه بالضبط ؟ ما هو الشيء أو الذات أو الإله الذي يأمرهم بقتل كل هذا العدد من البشر كل يوم ؟ ما هو نوع الاله الذي يتم التقرب إليه بذبح الأطفال والنساء والأبرياء ؟ ما هي معايير هذا الشيء الذي يؤمنون به ويطلب منهم تحويل الأرض إلى جحيم وجعل حياة البشر التعساء أشد تعاسة واكثر بؤســأ ؟ ما هو الأله الذي يؤمن به أمثال المتدينين نتانياهو وايتمار وسموتريتش وبن ترامب و روبيو وويتكوف وكامل سلسلة العصابة والذي يطالبهم بذبح العرب والمسلمين وقصف المدن الآمنة ووضع العالم على الحافة ؟ ما هي هذه النوعية من الكائنات ؟ هل هم بشر ؟ ما هي الديانة التي يعبدونها وتسمح لهم برؤية هذا العذاب والاستمتاع به والطرب على أصوات المعذبين والجرحى والمصابين والممزقين إربا ؟ نحن سادتي أمام شريعة شيطانية تحكم عالم اليوم بلا مواربة ولا خفــاء ، إلهها المعبود أنتم تعرفونه جيدا وتستعيذون بالله منه كل يوم ٍوكل صباح ، هذه هي الحقائق التي يرفض الكثيرون الايمان بها ولكنها تترجم نفسها كل حدث أكثر وتتجسد أكثر حتى يأتي إلههُم الموعود وتصدق الرؤيا وتتحقق النبؤات .ما يحدث في منطقتنا اليوم ومنذ طوفان الأقصى شيء لايكاد يصدقه عقل ، ولكنه يصبح قابلا للتصديق والفهم والرؤية إذا أمكن التامل جيدا في الفقرة السابقة ، والفقرة السابقة تقول لكم بكل بساطة بأن هذه العصابة بصدد تشكيل عالم جديد خاضع لمعايير مغايرة لكل ما عرفته البشرية في التاريخ الماضي ، لقد تجرأت هذه الفكرة بإطلالة اجنداتها مع غزوة كورونا التي أطلقت في العام 2020 ، وها هي تستمر بنفس الإيقاع بفرض معالم جديدة تلغي كل السابق ، قليل من النظر وستجدون اننا مشهد غير مستوعب وغير قابل للخضوع لمنطق أو عقلانية أو قوانين او اعراف تحت أي نوع ، لقد تم الدوس تماما على كل القوانين العالمية ، تم تحطيم كل أسس العالم القديم المستقر نسبيا وتم تجاوز خطوطه الحمراء والسوداء ، مؤسسات الأمن العالمي تهشمت وتكشفت عن عجزها وهزالها أمام السطوة الجديدة ، محكمة العدل والجنايات الدولية بالكاد وعلى خجل تمكنت من احداث إدانة متواضعة لإثنين من المجرمين من ضمن صف طوله كيلومترات من المجرمين والقتلة وسافكي الدماء من رؤساء دول وصحافيين وإعلاميين ودكاترة جامعات وأصحاب شركات وجيش بكامله مجرم ، مجلس الأمن والقوى العظمى تشلحت من أكاذيبها وتعرى جسدها الضعيف في منصة الرقص الدموية ، ما يحدث في غزة لم يعد شيئا قابلا للتصديق إلا ضمن منطق رؤية دينية تقدم الدم الفلسطيني على مذبح النظام الشيطاني الذي يطل بقرنيه على العالم ، هذا ما يحدث والمسألة تتعدى الأفكار السطحية حول تهجير واحتلال وقضاء على مقاومة وتوفير الامن للشعب المختار ، الشيء الغريب في هذه العصابة التي تفعل كل هذه الجرائم وترتكب كل هذه الخطايا الهائلة هو أن دافع الايمان الذي يحركهم يقدمه لكم ويشرحه بسرعة قصوى المدعو جيف ابشتاين الذي يعود ملفه ليطفو بقوة على السطح الأمريكي كعميل موساد ، لكي يفهم شعب الولايات المتحدة كيف يتم حكمه وسَوق سياسييه .
دافع الايمان الذي يحكم هؤلاء ويدفع بولائهم الى حدوده القصوى ليس الإيمان والهيلولويا للنصوص البائدة المصاغة قبل ألفي سنة ، بل هي مقاطع فيديو مصورة في اوضاع مُخلة تم التقاطها في السرير أو في حفلة جنس جماعي أو طقوس تعري حيوانية تم التقاطها في لحظات الانغماس لأفراد العصابة في جزيرة أو فندق ملغوم بالكاميرات أو قصر مشيد بالجواري والحلي والقناطير المقنطرة ، باختصار شديد هذا هو ما يحرك العالم في هذا العصر البذيء المليء بالمنحرفين والمجرمين الذين يريدون وضع الجريمة كقانون جديد فوق رقبة البشرية جمعاء ، وإزالة كل العقائد الأديان ومحاربة أي منهج يعارض العقيدة المشار إليها في هذه المقالة ، نعم سادتي سبب الصمت على جرائم القتل اليومية في غزة هومقطع فيديو فاضح مخصص لكل صاحب قرار أو قوة ، سبب الدعم والترسانة المفتوحة لجرائم الصهاينة وتصويت الكونجرس هو مقاطع فيديو لآخرين في اعلى السلطات ، سبب الخنوع والتواطؤ وارتكاب الخيانة على الملأ وعلى الجهر وامام كل الشعوب هو مقاطع فيديو ، سبب هذه المواقف الغريبة هو مقاطع فيديو بكل بساطة وضعت كل مراتب السلطة والقوة كفئران أمام عصابة المجرمين التي تقود هذا العالم المعيب .
حيال كل هذه المرحلة الدموية المشبوهة من عمر العالم والقوى الكبرى الأكثر رذالة فيه ، لا بد من شيء كوني يعيد الإتزان المفقود ، شيء يكافح هذا الانحطاط بالارتقاء ، ويواجه الرذيلة بالفضيلة ، ويواجه هذه الفوضى المعيبة والعبث بثقافات الشعوب والأديان وايمان البشر بالتصدي والتحدي لمسار الإذلال ، هذا الشيء دائما وأبدا كان هو الإنسان ، الإنسان المقاوم بالايمان والفكرة والكلمة واليد والروح ، الإنسان المصنوع من فكرة الإحسان والرحمة والبحث عن العدل ورفض الامتهان والتحول إلى حيوان ، هذا الإنسان المتفجر لا يهم لو كان الفئة القليلة ، لأن قانون الفئة القليلة يشبه إصبع الديناميت الذي يفجر الجدران الصلدة التي يستحيل الظن باختراقها ، إنه نافذ وفاعل في سنن هذا الكون وهذا الخلق .
كل هذا الكم الكبير من الجبروت والقتل والظلم الفادح هو مدخلات ضرورية للملحمة الكبرى ومعركة الخلاص الكبير ، وكل هذا الاحتشاد إنما هو جزء من وصول الذرورة وتكامل مسرح الهزيمة الأخيرة لحلف الأحزاب وجماعة مقاطع الفيديو وجزيرة الشهوات المسجلة ، وفي الوقت الذي يقوم فيه المجرم ترامب الكاذبب الأكبر بدور التخدير والخداع وترويج خدعة السلام والمفاوضات و خدعة إحلال الأمن في المنطقة ، يتحرك جيش المخربين الصهيوني في وضع معالم جديدة للمنطقة تفضي إلى استعباد مطلق لشعوب العرب والمسلمين ، استعباد لا قائمة من بعده ، لكن قانون الفئة القليلة الخارق لتحصينات المكان والزمان أعلى وأقوى وأكثر ، حيث يطل علينا حاكم فلسطين أبو عبيدة في كلماته التي أعادت وهج المعركة ونور الثبات إلى القلوب المنهكة واليائسة ليقول مرة أخرى بأننا صامدون ولن نستسلم حتى النهاية ، ويأتي كلام اليمن العربي العروبي ليؤكد حقيقة الحيــاة لشعوب العرب وأنه لا زال على العهد والوعد حتى مع كل الألم ، وتأتي أصوات من قلب الغرب ، من نشطاء ومغنيين وصحافيين ومواطنين أحيـاء يؤكدوا بإشارات صغيرة أن حلف الشيطان مهزوم وكيده وجبروته الضعيف مكسور حتى النهاية .
الجميع اليوم مدعو إلى المنطقة المشتعلة في حفلة البقاء أو الإندثار ، لقد صار الحق بائنا والباطل بائنا ، لا يمكن لأحــد أن يستمد وجوده أو شرعيته إلا من خلال إشهاره الوقوف ضد الكيان الصهيوني والامبريالية الأمريكية ، إن سوريا التي نعرفها تقف على مفترق طرق خطير بعد الاستفراد بها وتخلي العرب والعربان عنها وإغراق قيادتها الجديدة بالوعود الكاذبة والمخادعة ، هذه القيادة التي لا تزال في المنطقة الرمادية وترفض الخروج إلى النور وإشهار الكلمة الصحيحة .
لا تزال غزة البطولة هي مركز توجيه المعركة وهي مركز القرار الذي سيحسم مصير هذه المنطقة ، ولا يزال اليمن العربي غنيا بأهله وشعبه وقيادته التي تستشرف المستقبل وتقود الصعود العربي ، و لا يزال الخير والأمل في شعوب العرب قائما وموجودا بوفرة ولا تغرنكم صناعة اليأس والهزيمة وروح الاستسلام ، إن النتيجة النهائية لهذه المعركة محسومة سلفا ومكتوبة بدماء الشهداء ، النصر للمقاومة وللشعوب الحرة التي اختارت الوقوف في وجه الجبروت والإذلال .
*كاتب فلسطيني
اليمن الحر الأخباري لسان حال حزب اليمن الحر ورابطه ابناء اليمن الحر