الأحد , ديسمبر 14 2025
الرئيسية / اراء / إسرائيل تتغطرس..!

إسرائيل تتغطرس..!

زهير أندراوس*
بات جليًّا وواضحًا كأشعة الشمس في آب اللهّاب أنّ ما يحِّق لإسرائيل لا يحِّق لغيرها، تمامًا مثلما مَنْ لا يملك أعطى لِمَنْ لا يستحِّق، والكلام عن وعد بلفور المشؤوم، الذي منحت الدولة الاستعماريّة والإمبرياليّة بالماضي والحاضر، المملكة المُتحدّة، منحت فلسطين، التي كانت تُسيطِر عليها بقوّة السلاح، ولكن لا تملكها بأيّ حالٍ من الأحوال، للحركة الصهيونيّة، التي كنّا وما زلنا وسنبقى نؤمن بعدم أحقيتها بالحصول على فلسطين وطرد شعبٍ كاملٍ من أرضه وتشريده إلى الدول العربيّة المُجاورة، وهنا نستذكِر الشهيد غسّان كنفاني، الذي قتله (الموساد) الإسرائيليّ، عندما أرسى مقولته المأثورة: “قَتْلُ امرئٍ في غابةٍ جَريمةٌ لا تُغْتَفَرْ وقَتْلُ شعبٍ آمن مسألةٌ فيها نَظَرْ”، كنفاني، الذي ارتقى بأمرٍ من القميئة غولدا مائير، والتي وصفته بكتيبةٍ فدائيّةٍ، كان ثاقبًا واستشرف المُستقبل، فها هو شعبنا العربيّ- الفلسطينيّ يُقتَل ويُذبَح ويُجوَّع بالتصوير الحيّ والمُباشِر دون حسيبٍ أوْ رقيبٍ، والأدهى من ذلك، أنّ المُجرِم يلعب دور الضحيّة.
***
إسرائيل، التي تُواصِل دون كللٍ أوْ مللٍ، انتحال شخصية الضحيّة، ترفع سقف مطالبها، فها هم قادتها، الذين يتحدّثون عن إسرائيل الكبرى، يُطالبون دون أنْ يرّف لهم جفنًا بنزع سلاح حزب الله وحماس، ولا نستبعد البتّة أنْ تطرح دولة الاحتلال على الأجندة تجريد أنصار الله في اليمن من أسلحتهم، أيْ خلق الشرق الأوسط الجديد، الذي يُتيح لأطماعها غير المنتهية أنْ تتحقق على أرض الواقع، فإسرائيل، التي لا تُقِّر بحيازة أسلحةٍ غيرُ تقليديّةٍ، تمتلِك، بحسب التقارير الغربيّة الموثوقة، ترسانةً نوويّةً قادرة على تدمير الشرق الأوسط وأوروبا برّمتهما، ولكن في الوقت عينه، شنّت بمُساعدة رأس الأفعى، أيْ الولايات المُتحدّة الأمريكيّة، هجومًا عنيفًا ضدّ إيران بهدف تدمير البرنامج النوويّ في الجمهوريّة الإسلاميّة، فمِنْ أين هذه الوقاحة والصفاقة؟ أليس مكتوبًا في التوراة، التي تعتمدون عليها “ويجِبْ أنْ تُحِّب لغيرك ما لنفسك؟”، لماذا تُحرِّفون دينكم بما يتماشى مع مصالحكم وأطماعكم التي لا تعرف الحدود؟ وهنا المكان وهذا الزمان للتأكيد أنّنا ضدّ الأسلحة غيرُ التقليديّة ونصبو لعالمٍ خالٍ من هذه الأسلحة، التي كانت واشنطن آخر مَنْ استعملتها ضدّ مدينتيْ ناغازاكي وهيروشيما في الحرب العالميّة الثانيّة، واليوم بعد مرور حوالي 81 عامًا، ما زال الكثير من الأطفال هناك يُولدون مع إعاقاتٍ جسديّةٍ خطيرةٍ.
***
فلندَع النوويّ الإيرانيّ جانبًا ونُحاوِل سبر أغوار نزع سلاح حزب الله في لبنان، وهو المطلب الذي يحظى بدعمٍ للأسف من قوى لبنانيّةٍ تكِّن العداء لهذا التنظيم، بالإضافة لدولٍ عربيّةٍ تُثير الفتن والقلاقل، بما يخدِم في نهاية المطاف مصالح السيّد الأمريكيّ ومُساعده الإسرائيليّ، حيثُ تسعى واشنطن وتل أبيب والرجعيّة العربيّة لإشعال الحرب الأهلية في بلاد الأرز، وهو الأمر الذي سيقضي على ما تبقّى من لبنان، التي كانت تُسّمى “سويسرا الشرق الأوسط”، فها هي الجارة سوريّة، التي تنازل حُكمها الجُدُدْ من الجولاني وحتى آخر نفرٍ لإسرائيل، فردّت باحتلال الجولان كاملاً وباتت تقصف ما شاءت ومتى أرادت، وهي باعتقادنا المُتواضِع جدًا ستعود للحرب الأهليّة، التي بدأت عمليًا في مناطق مُعينةٍ من بلاد الشام.
***
نسأل وبالصوت العالي: أين أنتم يا حُكّام تل أبيب من قطعان وسوائب المستوطنين المدججين بالأسلحة الذين يتّلقون الدعم من جيش احتلالكم وشرطة الوزير الإرهابيّ، إيتمار بن غفير؟ بربّكم ودينكم لماذا لا تنزعون منهم أسلحتهم ليتوقفوا عن ارتكاب الجرائم شبه اليوميّة في الضفّة الغربيّة المُحتلّة؟ هل هذا نابعٌ فيما هو نابعٌ من مقولتكم العنصريّة إنّ “العربيّ الجيِّد هو العربيّ الميِّت”؟ حتى متى ستُواصلون الكذب على العالم والزعم من على كلّ منبرٍ، هذا إذا بقيت منابر تسمح لكم بالتحدّث، بأنّ حماس إرهابيّة وإسرائيل ديمقراطيّة؟ هل هذا هو العدل الذي تتبّجحون به؟ أقمتم الدنيا ولم تقعدوها بعدما أدلت الراهبة الأمريكيّة، أغابيا ستيفانوبولوس، بحديثٍ متلفزٍ، وهي التي عاشت لمدّة عشرين عامًا في فلسطين، حيثُ كشفت النقاب عن أنّ المسيحيّين في الأراضي المقدّسة، أيْ في فلسطين التاريخيّة، يُواجهون وضعًا صعبًا للغاية، مشابهًا لوضع المسلمين، بسبب هويتهم الفلسطينيّة، وأضافت في معرِض ردّها على سؤالٍ إنّ حماس حركة مقاومة تدافع عن شعبها وأرضها.
***
اللافت، أوْ بالأحرى الأمر الذي غدا بديهيًا في هذا الزمن الرديء، هو التخاذل العربيّ في جميع القضايا المُلتهبة في الشرق الأوسط، أشبعونا وأتخمونا بالشعارّات الرنانّة والشجب والاستنكار بأشّد العبارات والتعبير عن الامتعاض، الأمر الذي يؤكِّد المؤكَّد أنّ الأمّة العربيّة، وتحديدًا الأنظمة الحاكمة، لا تُشارِك في اللعبة، ولا تجلِس حتى على دكّة الاحتياط، بلْ باتت من جمهور المشجعين، الذي يشتري التذاكر بتريليونات الدولارات، والأخطر من ذلك، أنّ وضع أمّتنا العربيّة من المُحيط إلى الخليج في حالة جزرٍ مستدامٍ دون أملٍ بأيّ مدٍّ يُنقذ شرفنا وكرامتنا، أوْ ما تبقّى منهما. والمؤسِف، المُعيب، المُهين والمُذِّل أنّه في الوقت التي ترفع إسرائيل من سقف غطرستها واستكبارها يطأطأ العرب رؤوسهم صاغرين.
***
وختامًا هذا نداءٌ من القلب والعقل على حدٍّ سواء: يا أبناء أمّتي العربيّة، تذّكروا مقولة فولتير “التاريخ لا يُكرِّر نفسه على الإطلاق، إنّما الإنسان هو الذي يفعل ذلك”، ولا تنسوا ما كان قد قاله حكيم الثورة وضميرها، المُرتحِل الباقي، د. جورج حبش: “ثوروا فلن تخسَروا سوى القيد والخيمة”.
*كاتب فلسطيني

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

عبدالقادر هلال : رجل ترك بصمة في قلب صنعاء

  بقلم / عادل حويس في كل عام عندما يحل الثاني عشر من ديسمبر تلتقط …