منير الشامي
ما يحدث في الإمارات بعد إعلان تطبيع نظامها مع العدوِّ الصهيوني شيءٌ لا يُصدَّقُ، فعلامَ يبدو أن التطبيع هناك تجاوز مفهومَه من إعلان خضوع النظام للعدو الصهيوني إلى مفهوم واسع جِـدًّا شمل خضوع شعب الإمارات ونظامه وسماءَه وترابه وبحاره ومدنه بكل مبانيها العامة والخَاصَّة وشوارعها وكل أزقتها للعدو الصهيوني، وفود سياحية يهودية تصل هذه الدويلة على مدار الساعة، ولا أستبعد أن تلك الوفود ليست سياحية كما يروج لها، بل إنها وفود تستضيفُها الإماراتُ على نفقتها الخَاصَّة وتكرِّمها رسميًّا ثم يتم توزيعهم للإقامة مع أسر إماراتية؛ لأَنَّ ذلك أصبح حلم الأسرة الإماراتية وغاية أُمنياتها، وهو ما أكّـدته وأبرزته الكثيرُ من المصادر الإعلامية والمواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي بصور ظهرت فيها السعادة الغامرة لبعض الأسر الإماراتية برجس صهيوني بين أفرادها وداخل منزلها.
المدن الإماراتية هي الأُخرى شأنُها شأنُ أهلها تبتهجُ وتسعدُّ بما يناسبها من الثقافات والمعتقدات الصهيونية، فدبي وبرجها الأطول في العالم احتفيا معاً بشمعدان يهودي ضخم أمام برج دبي، ومُستوطنون إسرائيليّون احتفلوا بعيد الأنوار “حانوكا” بالإمارات، وصور تذكاريّة جمعتهم مع إماراتيين بزيّهم الرسمي ومقاطع مُتداولة لصلوات تسامح مُشتركة، وقِبلتها الهيكل جمعتهم أَيْـضاً في أول “حائط مبكى” يهودي ومُدن إماراتيّة أُخرى على موعدٍ مع حفلات احتفاء بعيد min read الصهيوني والذي سيقام في 2021/1/13، ما يعني أن التطبيع الإماراتي والإسرائيلي، تطبيع عاطفي بالدرجة الأولى، وليس سياسيًّا ولا اقتصاديًّا ولا تكنلوجيًّا؛ كون هذه الأمور تمّت في الماضي وتحقّق فيها الاندماجُ بين الطرفين، كما يبدو أنّ ترويج حالة ارتباط وثيق مع الشعب اليهودي الإسرائيلي، يحظى بدعمٍ ما من قبل السلطات الإماراتيّة، والتي لا يُمكن وفق مُعلّقين، أن تمر تلك المشاهد التطبيعيّة المُبالغ فيها، دون مُوافقتها والتي كان قد انتقدها المُستشار والأكاديمي السياسي الإماراتي عبد الخالق عبد الله، وعبّر في تغريدةٍ سابقة عن تفاؤله بتراجع الود الإماراتي لإسرائيل.
“وسائل إعلامية إماراتية”، استمعت بدورها لتفسيرات عديدة إماراتيّة حول المنطق الإماراتي في تفسير هذا الود الشعبي لإسرائيل البعيد عمّا تفرضه السياسة، بأنّ بلادَهم ترغب من الترحيب غير المسبوق بالإسرائيليين، والتأكيد على مسح القضية الفلسطينية من قواميسهم بل ومن ذاكراتهم، وهو ما يعني إنكارَ حقِّ الشعب الفلسطيني وإنكار القدس الشريف والحرم الثالث فيها.
فهل نحن أمام تطبيع أم أننا أم تهويد ويهودة؟!
لقد أصبح من حق الإماراتيين اليوم أن يروا الداخل الفلسطيني المحتلّ يُسحق، ويرى وتيرة الدمويّة ضد الفلسطينيين تتضاعف، وانتهاكات إسرائيل تتوسع، والقتل في الفلسطينيين يتزايد يوميًّا على الحواجز الإسرائيليّة بحجّـة الشك بحمله سكّيناً، أَو بدون حجّـة وَالمُستوطنات تتمدّد على حساب أراضي فلسطين المحتلّة، وَالاعتقال للفلسطينيين ويتوقف، فقتله أفضل لتكون هذه الثمرة التي يجنيها شعب فلسطين من تطبيع الإمارات مع العدوّ الصهيوني، ليبقى السؤال هل تُقدّر إسرائيل هذا السلام والود الذي فتحت أبوابه الإمارات العبريّة؟!
اليهود حَـاليًّا، يحتفلون بعيد الأنوار أَو عيد “حانوكا”، وهو عيد فيما يبدو جرى تسليطُ الأضواء عليه بشكلٍ كبير، وبعد أن جرى نصب شمعدان ضخم أمام مبنى برج دبي الشهير، كما التقط الإسرائيليّون بكُل أريحيّة، صورًا تذكاريّة أمام البرج، الذي كان يُعتبر فخرًا للعرب المخدوعين ما قبل التطبيع في مشهد تنموي إماراتي وضعها في مصاف الدول الحديثة، ولم يقتصر المشهد على احتفاء اليهود بعيدهم، بل التقط مُواطنون إماراتيّون بزيّهم التقليدي صُورًا مع المُستوطنين الإسرائيليين.
وبحسب صُحف إسرائيليّة، أقام المطرب الإسرائيلي يشاي لابيدوت حفلاً عند الشمعدان في دبي، ولن يقتصر الاحتفال على دبي، فعدد من المُطربين الإسرائيليين الآخرين سيقومون بحفلات بمُدن إماراتيّة مُختلفة.
ومع الشهرة العالميّة المُسجّلة لبرج دبي، أَو خليفة الشهير، ينجح الإسرائيليّون، بأعيادهم، وتراثهم، وهياكلهم، الترويج لمزاعم تاريخيّة، تُنشئ أجيالاً عربيّة وإسلاميّة، تُؤمن أن الحقَّ التاريخي في فلسطين، ليس سوى مزاعم فلسطينيّة، والمسجد الأقصى، مكانه الصحيح هيكل سليمان.
نصب الشمعدان أَو شمعدان الهيكل، ليس مُجَـرّد احتفال عابر، وإنما دلالة يهوديّة على حقّهم في بناء هيكلهم المزعوم، وعاصمتهم القدس المحتلّة، أحد الباحثين الإماراتيين غرّد حول نصب الشمعدان أمام برج خليفة قائلاً: “الإمارات ترفع نصب شمعدان الهيكل أمام برج خليفة كمُشاركة رمزية من سمو الشيخ محمد بن زايد للأصدقاء الإسرائيليين في حقّهم في بناء الهيكل المقدس وعاصمتهم أورشليم والاحتفال بعيد الحانوكا اليهودي”.
منصّات تواصل اجتماعيّة، كانت قد تداولت مقاطعَ فيديو، لصلوات مُشتركة من صحراء دبي بين إماراتيين وإسرائيليين، باتّجاه هيكل سليمان، كنوع من أنواع التسامح، نشطاء تحدّثوا عن دراسة إضافة الهيكل في مساجد الإمارات، إلى جانب القِبلة.
حساب “إسرائيل في الخليج” المُوثّق على “تويتر”، وصف نصب وإضاءة شمعدان عيد الأنوار في برج خليفة دبي، بأنه لفتة مُثيرة.
ويحتفل اليهود بعيد الأنوار، لمُدّة ثمانية أَيَّـام، من العاشر ديسمبر، وحتى 18 ديسمبر، وتعني كلمة “حانوكا” باللغة العبريّة “عيد حانوكا”، هو تدشين الهيكل من جديد، بعد ترميمه على يد الحشمونيين، ويبدو أنّ الإسرائيليين يعون جيِّدًا اختيار تدشينه لأوّل مرّة على العلن أمام برج خليفة الشهير، وعلى أرض عربيّة إسلاميّة خليجيّة الإمارات.
وبحسب موقع وزارة الخارجيّة الإسرائيليّة، فَـإنَّ عيدَ الأنوار أَو حانوكا، ضمن عشر حقائق أوردها الموقع عنه، كان لافتاً لرأي اليوم، بأنّ من بين أبرز تلك الحقائق عن هذا العيد، بأنه يجري تشجيع الأطفال فيه على دراسة التوراة، أطفال الإمارات يجدر الإشارة هُنا، ظهر بعضهم وهم يضعون العلم الإماراتي- الإسرائيلي على قُمصانهم، احتفالاً بالتطبيع، عدا الأصوات الإماراتيّة التي روّجت للاحتفال ووصفته بالتاريخي، كان بقيّة النشطاء، يستهجنون نصب الشمعدان اليهودي في دبي، والإمعان في إظهار الود لمُستوطنين، غالبيّتهم خدم أَو سيخدم في جيش الاحتلال الإسرائيلي، فيما يضع البقيّة يدهم على قلوبهم، بانتظار إعلان محطّة قطار التطبيع التالية في طابور طويل من الدول العربيّة، والإسلاميّة، بعد الإمارات، البحرين، السودان، والمغرب.