الجمعة , نوفمبر 22 2024
الرئيسية / اراء / ادعوهم لأمهاتهم

ادعوهم لأمهاتهم

مريم الدجاني *

بعد الحديث حول الاستحقاق الاجتماعي للأم في تسمية أبنائها على اسمها كونها هي التي تحمل وتلد وتُرضع وتُربي، يُظهر العلم دعمه لهذا الحق، فالبويضة المخصبة تحتوي على كروموسوم x من الام و كروموسوم x او y من الأب. حتى الآن يبدو الأمر مناصفة، لكن إذا عرفنا أن البويضة تحتوي على النواة وأجزاء الخلية الأخرى كالميتوكوندريا المسؤولة عن صناعة الطاقة، بينما يقوم الحيوان المنوي بتقديم نصف كروموسومات النواة فقط. وهنا يبدو جليا أن الميتوكندريا كلها من الام لأنها ليست من النواة وإنما في الخلية نفسها فليس من الممكن ان نأخذها من الأب. فماذا لو أضفنا أيضا أنه وحسب الدراسات الحديثة التي تثبت أن حمل المرأة للطفل يجعله يأخذ منها الخلايا الجذعية التي تكونها فيما بعد. ناهيك عن الرضاعة التي تنقل الخلايا الجذعية أيضا. وهذا لربما يكون التفسير العلمي لأخوة الرضاع في الاسلام. حيث انهما يأخذان نفس الخلايا الجذعية من الأم. فمن المنطق إذن أن يسمى الولد على اسم الأم لأنه ينتمي إليها بيولوجيا. أما إذا تتبعنا تسمية الأطفال على آبائهم، فلم يظهر ذلك إلا عند انتصار المجتمعات الأبوية على المجتمعات الأمومية تاريخيا.
يقال أن الثقافة عملية طويلة الأمد تابعة من الشعور بالذنب الذي أحس به الابناء نتيجة لقتلهم أبيهم، الأمر الذي نتج عنه الكبت الجنسي الخلاق للحضارة. يعتمد فرويد على افتراض أسبقية النظام الذكوري والتي مفادها أن الحضارة بما فيها الدين هي من صنع الرجل، باعتبار أن عقدة أوديب هي عقدة الرجل. غير أنه من المسلم به الآن أن الميتريكية (النظام الأمومي) حيثما وجدت في التاريخ الأولى قد سبقت البطريكية (النظام الأبوي)، وهذا يعني أن نظرية سلطة الأم الأولية قد ألغت الرأي القبلي الذي بناه فرويد بشأن نشأة الحضارة في كتابه الطوطم والتابو، إذ افترض فرويد أن عقدة أوديب هي المحرك الأول في هذا التطور. وبخصوص مسألة البطريكية والمتريكية لم يقم فرويد في أطروحته أي وزن للصراع بين الجنسين، ولا يمكن أن يكون انتقال السلطة من نظام لآخر أن يكون مر هكذا بسلام، دون أن يترك أثرا في تطور البشرية.
أما في القرنين العشرين والواحد والعشرين، فقد بدأت النساء في شغل وظائف كان من المتعذر عليهن فيما سبق الوصول إليها. وهذا التطور الحديث نسبيا اقترن في كل مكان بالقلق وبالارتباك والإزعاج والعنف، فتقاسم الامتيازات لا يتم بسهولة. وفي محاولة الفهم في ضوء نظام راسخ تاريخيا، فبالرغم من أن كلا الجنسين ضروريان من أجل التناسل، إلا أنه منذ العصور القديمة في أغلب المجتمعات حظي جنس واحد بمعاملة تفضيلية. وكان هذا يعني أن عائلة واحدة فقط من العائلتين المعنيتين كانت هي تقرر المكان الذي سيعيش فيه العروسان الجديدان: إقامة أبوية مع عائلة العريس، أو إقامة أمومية مع عائلة العروس. وفي الثقافات التي جرى فيها استبدال الصيد وجمع الثمار بالزراعة واسعة النطاق، وعندما أصبح للرجال سيطرة أكبر على عملية الزرع بفضل اختراع المحراث، بدأت العلاقات العائلية تنتقل من الإقامة الأمومية إلى الإقامة الأبوية، وصار على الشابات من النساء أن يتعاملن بشكل أكبر وأكبر مع عائلة الرجل بدلا من عائلاتهن. وكان الأمر ينتهي بالنساء الشابات في محيط غريب عنهن، تحت إشراف الآخرين وخاضعات لقواعدهم، بينما كان يظل الزوج مقيما بارتياح مع عشيرته في أرض العائلة. وهذا يعني أن زوجة الابن تأتي من الخارج وتجلب دما غريبا إلى الأسرة. وبالنسبة لأسرة الفتاة يعني هذا المسار أن مصيرها هو أن ترحل إلى أسرة غريبة وأن أطفالها سينتمون أيضا إلى آخرين. وفي ثقافات كثيرة تعتبر الفتيات في مرحلة انتقالية في بيوت عائلاتهن. أما الأطفال فينتمون عادة إلى عشيرة الزوج، بينما لا تنتمي أمهاتهم كليا إلى أي مكان. ويوضح علم النفس التطوري أنه في المجتمعات أبوية الإقامة تتعرض الزوجات لخطر العنف على هيئة تحرش وإيذاء واغتصاب واستغلال أكثر مما يوجد في سياقات الأسرة أمومية الإقامة.
وكثيرا ما جرى اعتبار النساء ملكية خاصة بالذكور. لذلك لم يكن ينظر إلى الاغتصاب كتعد على سلامة المرأة، لكن كانتهاك لملكية المالك. وبدفع تعويض للمالك الأصلي كان الأمر ينتهي بالضحية في يدي المغتصب، مالكها الجديد. كما يحصل عندنا في جرائم الشرف، وتزويج الضحية بمغتصبها. وقد انتظمت المجتمعات الأبوية بنفس الطريقة التي بني عليها النموذج العائلي والذي يمارس في الآباء السلطة على عائلاتهم.
لكن لا يجب أن يفوتنا أن وجود المجتمع الأمومي، وهو مجتمع الجنس المهيمن فيه هو النساء، كان في أواخر العصر الحجري، واستمر ستة أو سبعة آلاف سنة. ففي أوقات الأزمات، عندما كان بقاء الجماعة عرضة للخطر بسبب ظروف بيئية أو ديمغرافية، كانت هناك حاجة كبيرة للمزيد من القدرة على الإنجاب، وبالتالي المزيد من النساء. وأصبحن هن مصدر الحياة والرجال مجرد أشياء للاستعمال مرة واحدة. وبعد اختراع النساء للزراعة بدأن في زرع الطعام قرب بيوتهن. وبفضل توفيرهن الجوهري المتزايد للحاجة اليومية المشتركة للطعام ازدادت هيبة النساء، خاصة عندما كان رجال الصيد يعودون إلى البيت بأيادي فارغة، وفي الأماكن التي بدأت المكانة الاجتماعية للنساء تهيمن على الحياة الاجتماعية، طور الرجال مجتمعات سرية من أجل تحسين وضعهم في مواجهة النساء. حيث باتت خصوبة المرأة السحرية ذات البعد الأسطوري في الإنجاب، وكذلك في الزراعة، في الخلق، تأكيدا على سلطة المرأة. ثم أدى اختراع الذكور للمحراث وترويض الثيران وغيرها لجره عبر التربة إلى توازن جديد بين الإسهامات الذكورية والأنثوية، وبلغة الاقتصاد، كانت زراعة المحراث الذكوري تتفوق على زراعات الذرة والدرنات الأقدم التي اخترعتها النساء بفضل
الحصاد الأكبر بكثير. ثم تطورت المجتمعات الزراعية إلى مراكز حضرية حوالي ٤٠٠٠ قبل الميلاد. وبدأ تكوين القرى ومن ثم المدن الذكورية بالطبع.
نستطيع القول أن ما حصل (أسطوريا) باختصار: في الأصل كان يجري تمثيل الإلهة الأم كشخصية مستقلة وكمصدر مانح للحياة دون تدخل ذكوري، تطورت هذه الصورة إلى شكل من أشكال التعاون الجنسي، أولا كان على إله السماء أن يمطر بذوره المخصبة، قبل أن تتمكن الأرض من إنتاج أي شيء. وفي النهاية تلاشت الأرض الخالقة والمنتجة تدريجيا من الصورة، وأصبحت عملية الخلق مسؤولية كاملة لزوجها المقدس أو تم الاستيلاء عليها من قبل إله ذكر مستقل من السماء بدون قرينة أنثى. ولربما كانت الأنثى هي الخلق الأول، في مرحلة ما، دونتها الأساطير، تسبق الإصحاح الأول من الكتاب المقدس حين يخلق الرب أول البشر على صورة ذكر وأنثى كشريكين متساويين، بينما في الإصحاح الثاني يكون خلق الرب لحواء من ضلع آدم، وينتهي بها المطاف (مُعينا) لآدم الرجل الذي لا يفتأ يحاول إثبات دونية حواء التي انتقلت آليا إلى كل النساء من بعدها، لتعمل كمبرر لممارسات التراتبية الجنسية في اليهودية والمسيحية والإسلام.
وهنا يمكن أن نعود فنطرح بتساؤل ما قاله فرويد سابقا: (أن الرجل هو الذي أنشأ الدين، كنوع من أنواع السلطة)، وأضيف أنا، (على المرأة!)
*كاتبة فلسطينية

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!

محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …