الجمعة , نوفمبر 22 2024
الرئيسية / اراء / ماذا يجري لنا يا غزة؟!

ماذا يجري لنا يا غزة؟!

خالد شــحام*
من نافذة عليا في المبنى كان يمكنني الاطلال على المدينة المضاءة التي يعانقها الليل والمطر، ما هو المصير الذي ينتظر مدن العرب إذا انتصر جيش الظلام؟ طرقات الماء الخفيفة هي الشيء الوحيد الذي يربت على سمعي لاستيقظ من شرودي بك يا غزة فقد أصبح خوفي عليك صخرة تثقل صدورنا جميعا أينما نذهب، المساعدات والهدنة والمعبر وساعة من نوم هي زينة الحياة الدنيا بين يديك يا غزة لكن المقاومة والرفض وصنعاء هي الباقيات الصالحات وخير أملا .
قبل قليل استمعت إلى الناطق الرسمي يتلو معلقة الموت اليومي لأعداد الشهداء والجرحى ويتلو بمعية ذلك جدول الخطايا المستعادة من المدينة حاضرة البحر لبني اسرائيل، نحن نكاد نهذي يا غزة لأننا مكبلون حتى في وعينا وبلغ العلو الكبير ذروته وفاض الدم حتى سفوح عواصم الرماد، لن يتمكنوا منك يا عاصمة الصمود العربي ولن يظفروا برشفة من نصر على أطلالك وجراحك المثخنة، اصبري قليلا فالفجر يقترب من تلالك الشمالية والشمس تمهلهم ثلاث ليال سويا.
ماذا يجري لنا يا غزة؟ ماذا يجري لهذا العالم وكيف وصلنا إلى نقطة العدمية؟ هل يعقل أن كل هذا الطوفان من الجريمة يحدث من أجل طوفان الأقصى المقدس؟ هل يعقل أن هذا القدر من القتل والتوحش يحدث لأن شعب الله المختار تم الإعتداء على أكذوبته؟ هل يعقل أن كل هذه الدبابات والطائرات والبوارج والمدافع حضرت لتحقيق (الدفاع عن النفس) ضد المجوعين والأطفال والأبرياء ومدينة محاصرة من العرب والعجم؟
لقد صار لزاما الان بعد كل هذه الشهور المنقوعة بالدم الفلسطيني إجراء تحديث لجملة من حقائق لا يمكن الانحناء عنها، ضمن الرؤية السنتمترية الأولية فيما يجري وحسب السياق المرئي فقد أعلن جيش المجرمين بأنه يقوم باقتحام وتدمير غزة عن بكرة أبيها لتحطيم قدرات حماس والقبض أو قتل قياداتها تحت ذريعة (اعتداء ) المقاومة على المستوطنات وأسرها لعدد من المجرمين المستوطنين، انطلت علينا جميعا هذه السردية التي مثلت جرعة المورفين الأولى والتي أعقبها زوال بعض الغشاوة لتأتي الرؤية المترية لنفهم أبعد قليلا ونتأكد بأن مشروع تجريف غزة حجرا وإنسانا كان قرارا سريا مبطنا ومغلفا بطبقة رقيقة من المسوغات السابقة، استلام غزة جاهزة مفرغة لإعادة أحلام (غوش قطيف) وشاطىء (نوفا) هو الأصل والباقي تفاصيل، و بعد شهور أربعة عصيبة من القتل المتواصل والعالم يتفرج ويشرب العصير ويأكل حبوب البوب كورن بمعية الفرجة تشابكت الصورة لأن محور المقاومة ضد الحلف الأمبريالي الصهيوني -الأمريكي بدأ يستشعر خطورة النوايا المبيتة فتدخل لبنان ثم اليمن ثم العراق لتبدأ معالم جديدة من الصورة تتوضح أكثر وبدأنا نضرب أخماس بأسداس والعرب بحماس لنفهم بأن هنالك خطة كبيرة تجري تحت ذريعة رد الفعل على طوفان الأقصى، خطة تقضي بتمكين الكيان الصهيوني من الإقليم مسنودة بروح الخضوع من الداخل العربي الإسلامي وتحويله إلى الحاضنة الجديدة للكيان الصهيوني وتتويجه ملكا على رؤوس الشعوب الغارقة في برامج الإفقار والتجهيل والتغرير والتعهير وانهيار العملات والبطالة والبحث عن مستلزمات العيش الأولية، هذا البرنامج ظاهره إحلال السلام والوئام بقداس التطبيع الكبير المنتظر والضحك على الزمان ببعض الهيلمان، لكن المرجح جدا في التقدير الأولي أن مصر تمثل المستهدف الأساسي عبر ممر غزة وقد تتحول فصالات معبر رفح إلى الفتح بالعكس وانتقال الزخم المرعب إلى الجهة الثانية، إن اقتلاع ضرس غزة الموجع ليس إلا تمهيدا لصناعة جغرافيا جديدة حان قطافها بعد صبر طويل وبعد زراعة جراحية داخلية منذ زمن غير قليل للتحضر لهذه اللحظات الفاصلة في مملكة التلمود يعقبها إقتلاع ضرس أشد كبرا ووجعا اسمه ايران .
كل الرؤى السابقة هي الرؤى الرادارية ذات النطاق الأقصر والتي لا تتعدى عشرات الأمتار في أكبر تجلياتها وسط هذا الضباب الكثيف في موسم الشتاء الأمريكي، أما الرؤية الكيلومترية فهي تقول أكثر وأشمل من كل ذلك وتزعم بأننا نواجه النظام العالمي بلحمه وشحمه وهو يستعرض وجهة نظره وأسلوبه ورسالته من خلال مسح غزة والفتك بكل شيء فيها ليضع هذه الرسالة في عين محاولات التمرد الصاعدة مهما كانت جنسيتها أو أفكارها أو نهجها،هذا هو مصير مدنكم ومساكنكم وسكانكم إن حاولتم الوقوف بوجهنا : روسيا، الصين، ايران وكوريا الشمالية أما شعوب العرب المدجنة فلا توجد أية رسالة لهم لأنهم أسقِطوا من حساب هذا النظام منذ أخفقت اختبارات الربيع العربي وتمت إعادة امتطاء الثور الهائج والضحك عليه ببعض الشعير الأمريكي المحسن .
لم يعد في زماننا هذا أي قادة حقيقيين ممن يحتلون واجهة الأحداث ويظهرون في مكانة القوة الحكيمة والإنسانية وذلك ضمن القيادات العالمية الكبرى، لقد ولى زمان الرجال وتم استنتساخ ظاهرة أشباه الرجال والأقزام والمنكمشين وتوزعت ظاهرة الانكماش إلى أقصى حدود المعمورة، ما يوجد لدينا هو بورصة للنخاسة في زمن العبيد المحدث والمصقول بالتقنيات والبهرجات، لدينا منسق مجلس الأمن القومي يتحدث من خلف الميكروفون مثل بينوكيو ويتمدد أنفه ثلاثة أشبار كلما تحرك فكه وتشعر بأنه تم اختياره لأنه لا يفقه شيئا ما يقول، لدينا وزير خارجية مكون من مرواغة مع خليط من الدجل والشعوذة السياسية ينطق بحروف وكلمات تم تحفيظه إياها كي لا يتلعثم أو يرتبك وهو يتكلم عن تحرير (رهائن ) اسرائيليين فيما شعب بأكمله تجري إبادته وقتل أطفاله، لدينا رؤساء مهرجين يصلحون لتقديم القهوة والشاي في المقاهي أكثر من صلاحيتهم للحديث في السياسة أو الرجولة حيث يقدمون كل يوم فكرة مختلفة، لدينا أشباه خنازير وأشباه قردة، 10% من جيناتهم عربية والباقي مجهول النسب، لدينا سياسيون غربيون يمكنهم عمل كل شيء إلا الحق أو النزاهة، لدينا طاقم امريكي يصلح للخدمة في الحانات وتقديم البيرة على الطاولات أكثر من فهمه في السياسة او القدرة على الكذب حتى بالقدر المقنع، لدينا مرشحون للرئاسة متعفنون وفاسدون حتى النخاع لا يصلحون لإدارة حظيرة أبقار، كل هذه الحظيرة تقودها حفنة من دهاليز الطبقة العميقة الحاكمة التي يمكنكم إطلاق أي اسم عليها ولكنها لا تظهر على الإطلاق وهي التي تحرك هذه الدمى وتحرك الصحافة وتضع ما يقوله الإعلام .
من ينظر إلى سلوك وشخصيات الإدارة الأمريكية يمكنه أن يتأكد 100% بأن هؤلاء لا يمكن ان يصلحوا لإدارة مدرسة ولا يمكن أن تصدر منهم رؤى أو أفكار بحجم اللعبة الكبيرة، من يرى تضامن ووقفات الشركات والسلاسل التجارية مع الكيان وتبرعاتهم وانحيازهم غير المنطقي يفهم بأنه يواجه عبيدا يتبعون جداول من الاوامر ليس غير ولا تهمهم كل الخسائر المادية التي خُدِعنا بها وهللنا لها، من ينظر إلى عضوية النظام العالمي وعبيده وتوابعه ومستفيديه والمستثمرين في منفعيته من العجم والعرب والجامعات والشركات والتجار وممالك الإعلام لا يرى سوى منظومة كبيرة واحدة ذات عقيدة واحدة اسمها الرأسمالية اللادينية الشيطانية والتي اتخذت قرارا موحدا بالتصويت بإبادة غزة وشعبها وعدم ترك أحد على قيد الحياة لغايات لا تزال حائرة بعض الشيء لكن اهمها على الإطلاق هي انها تجرأت ووقفت بوجه النظام، هذا هو النظام الذي يرسم ما يحدث في عالمنا وهو الجوهر الحقيقي الذي تواجهه غزة من خلال وكلاء ودويلة وجيش مجرم وداعمين من كل حدب وصوب وما جيش الاحتلال وعصابته إلا مستأجرين لهذه الغايات، الحكاية وما فيها مهما تم اللف والدوران هي ما وضعته الآية الكريمة كمبدأ ثابت لا محيد عنه لكل من فيه ذرة من عقل : (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ) وليس المستهدف هنا هو المسلمين فقط وليس الدين إلا كيف تعيش ولأجل ماذا تعيش، نحن نواجه عصابة الشيطان التي تتسيد هذا القسط من التاريخ وترغب في تفكيك الأديان والعرى الإنسانية وحرف الفطرة والحكم بما تنبأت به السنة النبوية من الحكم الجبري الأشد إجراما وقسـوة وترهيبا، وهو ما ترونه اليوم رأي العين وليس بأسطورة ولا خرافة ولا مزاحا ولا تأويلات شعوذية.
إن عمليات الاغتيال التي وقعت مساء الأربعاء في العراق واعقبتها عملية الاغتيال في النبطية تدعو إلى تساؤلات مهمة جدا وتلفت الانتباه إلى حالة الانكشاف الهائلة التي نعاني منها والتي تدفع أيضا إلى التفكير بهندسة الأحداث التي يتم إخضاعنا لها ونظن في قرارة أنفسنا بأنها من تلقاء نفسها أو من صنع أيدينا وهي أفكار لا يمكن تحييدها أو غض التأمل فيها .
على الرغم من متانة وسطوة النظام العالمي العميق وهيمنته على عالم اليوم من خلال السلاح والنفط والطاقة والاتصالات والإعلام وتقنيات الذكاء الصناعي وسيطرته شبه المطلقة على عقول الشعوب وظاهرة الحكم وجهاز الأمن العالمي المركزي إلا أنه كيان هشّ ومبيت الضعف في مركزه لأنه يخضع لقاعدة قرآنية أساسية لا محيص عنها ( إن كيد الشيطان كان ضعيفا )، لقد تمكنت غزة من كسر أنف جبروت هذا النظام والصمود في المفرمة الفولاذية التي لا يمتلك أي جيش عربي مؤهلات الصمود بوجهها لا عقائديا ولا عسكريا، لقد دفعت الجريمة في غزة بالأمور في متاهات ومساقات لم يكن لها حساب، أبرزها صحوات الشعوب الغربية قبل العربية وصعود ورقة فلسطين من جديد وبروز مستويات شعبية من التحدي لم تكن مفترضة الظهور.
وسط هذه العتمات تتسلل شعاعات من نور لا يحتسب لها حزب الشيطان أي حساب، بذور من أمل تتفوق على أعتى الخطط وتكسر كل إطارات التحكم والسيطرة، أول هذه الشعاعات هو البنية الفكرية لسكان غزة التي تعرضت لامتحان كبير وعسير وتمكنت من اجتيازه بروح القرآن والصبر والاحتساب والتعاضد غير المسبوق رغم بشاعة الجريمة ومخلفاتها، أسطورة المقاومة الفلسطينية التي أوقدت نار الأمة لتستنير في درب الظلمات وتحدي الحكم الجبري الذي لا يرحم، شعاع النور الذي أوقده اليمن البطولي رغما عن كل الضغوط والتضحيات والثمن الفادح، لا يمكن لشعوب العرب إلا أن تنحني تعظيما ومحبة لشعب اليمن الذي يتزاحم في الساحات بالملايين ليضرب المثل الأعلى في الوفاء العربي الإسلامي في أجمل تجلياته، ان العمل المعجز الذي قدمه اليمن هو ضرب البارجات البحرية، وضرب البارجات في الديانة الأمريكية العسكرية يمثل ضرب المركز العصبي للاستكبار ويحدث أعلى توتر في الجسد المستكبر، إنه يشبه توجيه الحذاء نحو وجه جورج بوش الابن التي فعلها البطل منتظر الزيدي، إن هذه البوارج هي رمز الاستعلاء والاستكبار الأمريكي الأقصى وتوجيه ضربات نحوها حتى لو لم تحقق شيئا يعني بان الروح العربية حية وحاضرة ولم تدفن كما يزعمون وكما يتآمرون وتكسر كل الأطر والعقيدة النفعية التي لا يرى النظام غيرها .
لقد خسر حزب الشيطان معركته في غزة خسارة فادحة ضمن حيز مقاييس الانتصار المعنوي والعسكري خلافا لفشله في أوكرانيا وسوف تتكرر خسائره القادمة ضمن نهج المقاومة الذي ألهمته فلسطين لكل الشعوب، هذا النظام يعيد تكييف استراتيجياته والتفافاته واللعب على كل السبل والوسائط لتحقيق نهوضه وبقائه ومسير خططه، معركة غزة تقترب من أيامها الأخيرة بسبب ثبات المقاومة وتضامن انصار الله الأبطال وضربات المقاومة اللبنانية البطولية والعراقية، الخسائر الكبيرة التي مُنِي بها حزب الشيطان لم يعد من الممكن احتمالها، قريبا جدا سنفرح بوقف هذا العدوان ورضوخ الأحزاب لشروط المقاومة وإعلان انتصار غزة و محور المقاومة وإن غدا لناظره لقريب .
*كاتب فلسطيني

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!

محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …