د.حسناء نصر الحسين*
بخطى ثابتة تتسم بالهدوء تسير الدولة السورية لرسم الخطوط العريضة لمرحلة جديدة تنفض من خلالها غبار عشرية الدم والنار ، باذلة كل الجهود على كافة المستويات للبدء بعملية التعافي والخروج من أزمة معقدة حاولت تفكيك خيوطها خلال السنوات القليلة الماضية والتي اتسمت بالمضي قدماً في موضوع مكافحة الإرهاب المنحسر في عدة جيوب جغرافية ، بالإضافة لفتح صفحة جديدة مع معظم الدول العربية وعلى رأس هذه الانجازات الكبيرة عودة العلاقات مع المملكة العربية السعودية ، لتنعكس هذه الخطوة المباركة بانفراجات على مستوى شركات الطيران السورية ومشاركة الحجاج السوريين في موسم الحج لهذا العام فضلا عن عودة الرحلات الجوية بين الدولة السورية وكل دول الخليج العربي وهذا بالتالي سينعكس على تحشين الواقع الاقتصادي للدولة والشعب السوري بالإضافة لتسريع وتيرة الحل السياسي وما قرار دولة قطر بإغلاق مقرات ما يعرف بالائتلاف السوري “المعارض ” الا خطوة بالاتجاه الصحيح لطي صفحات سنوات طوال من الدم والنار .
القيادة السورية مستمرة في المضي قدما في عملية التعافي على مستوى علاقاتها الإقليمية والدولية دون المساس بخطوطها الحمر التي تشكل ثوابتها الوطنية ، ولعل ما صرح به رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني وحديثه عن الجهود العراقية المبذولة في الوساطة بين دمشق وانقرة لإعادة تطبيع العلاقات التركية مع دمشق وقال “إن هناك خطوات ملموسة في هذا الاتجاه في الأيام القادمة ” وهذا التصريح للسوداني يفسر ما جاء على لسان وزير الدفاع التركي يشار غولر بأن أنقرة تفكر في سحب قواتها من سورية اذا تم تأمين الحدود التركية وأضاف بأن أنقرة تريد علاقاتها جيران وصداقة دائمة مع الدولة السورية بما يضمن امن واستقرار البلدين ، وهذا يعني بأننا قد نشهد تحولات كبيرا في ملف الشمال السوري لناحية بدء خروج القوات المحتلة التركية واذرعها في الشمال هذا بالإضافة لانتصار الجيش العربي السوري للشروط الحدودي والمناطق التي ستسلمها أنقرة للدولة السورية وإيجاد الحلول للملف القوات الانفصالية الكردية المعروفة بالإدارة الذاتية وهذا الملف لن يحل دون تنسيق تركي – أمريكي – سوري قد يكون موجودا بعيدا عن أعين وسائل الإعلام ريثما تنضج الحلول الجذرية في هذا الملف الذي أصبح ضرورة ملحة فرضتها المتغيرات الإقليمية والدولية ، هذا بالإضافة الى رغبة الدول الغربية في العودة إلى دمشق وكانت قد عبرت عدة دول عن رغبتها في ذلك لإيجاد حل لأزمة اللاجئين السوريين وادراك هذه الدول بأن حل هذا الملف يأتي بالتنسيق والتعاون مع الدولة السورية ، وهذا التحول في الرؤية الغربية فرضته هذه المتغيرات منها الحرب الروسية – الأوكرانية ، والحرب الإسرائيلية – الفلسطينية التي ضاعفت من حدة الأزمات الدولية وزاد من التحديات التي تواجهها هذه الدول وهذا يدفع باتجاه إعادة فتح السفارات الغربية في دمشق ولعل ما تم تداوله عن زيارة أجراها جهاز المخابرات الإيطالية إلى دمشق يمهد لهذه الخطوة الغربية اتجاه دمشق .
ولأن في العلاقات الدولية ليس هناك صداقات دائمة ولا عداوات دائمة بل هناك مصالح دائمة علينا أن نرحب بكل هذه الخطوات التي تعيد لسورية موقعها الطبيعي على الساحتين الدولية والاقليمية بما سينعكس بشكل إيجابي على تحسين الواقع الاقتصادي للشعب السوري وبالتالي يسهم في إيجاد حلول مستدامة لقضية النازحين السوريين بالإضافة لملف الإرهاب الدولي وطريقة التعاطي مع هذه التنظيميات سلماً عبر ترحيلهم لدول أخرى لإعادة تدويرهم كما تقتضي مصالح مشغلهم ، أم حرباً وبذا يتولى الجيش العربي السوري مهمة القضاء على شرورهم وهذا ما ستكشف عنه قادم الأيام .
*كاتبة سورية وباحثة في العلاقات الدولية