المهدي بوتمزين*
في الوقت الذي وجد فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفسه على شفارات منحدر سيهوي بحاضره ومستقبله السياسي وربما حتى الشخصي، بسبب الأزمات الخارجية والداخلية التي يعاني منها مع حلفاءه وخصومه. اَخرها اتهامه لواشنطن رفضها تسليمه شحنات أسلحة وذخائر، وهو الذي يواجه صراعا داخليا مع هيئة أركان جيشه بسبب الخلافات الكثيرة خاصة حول استمرار الحرب في غزة، التي اعتبرها محلل الشؤون العسكرية عامود هارئيل أنها ساحة أنهكت الجيش الإسرائيلي وهو بحاجة إلى فترة استراحة، لكن نتنياهو يجبره على مواصلة القتال .
بنيامين نتنياهو اليميني البولندي الأصل يعاني من “أزمة العمر السياسي ” الذي أشرف على نهايته بعد أن فقد قوته إثر «عرض العار » و «الرايات السوداء» و «السابع أكتوبر» داخليا،ثم نصب «الرايات الحمراء» في طهران التي ستفتك بما بقي من مناعة ذاتية مزعومة، دافعها التشبت بكرسي السلطة ولو على حساب شعبه وجيشه والقوانين الدولية . فإذا كان أفيغدور ليبرمان قد صرح أن حكومة “بيبي” ليست يمينية ولا يسارية بل حكومة كارثية، فإنه يحق لنا أن نتساءل هل يريد نتنياهو تأسيس “مملكة إسرائيلية” أم خلق “غيتو”جديد ؟
أمام هذا النكبة الإسرائيلية المعاصرة يمارس نتنياهو سياسة «الخبز والسرك» لإلهاء مواطنيه الذين بات من الممكن نعتهم برعايا الملك نتنياهو، الذي يحاول صرفهم عن الوضع الداخلي المزري وذلك بتصدير الأزمة إلى ساحات بعيدة والإكتفاء بالمشاهدة والإنتظار المطبوعين بالقلق الدائم، وهكذا ينجح في إبقاء جيشه وشعبه مشغولين بخطر وجودي قادم ؛ وفي نفس السياق المصلحي الضيق يحاول الظهور كمنقذ للبلد على غرار ما يفعله رؤساء اميركا الذين تخلصوا من “رموز الشر” التي نفختها اَلاتهم الإعلامية ومنهم من صنعتها مكاتبهم الأمنية . إلا أن المفارقة هنا كبيرة جدا، فطهران ليست هي بغداد أو كابول أو دمشق ولن تكون مدرج كولوسيوم لنزوات الرئيس الطائش نتنياهو، بل أن إيران تدرك أن الغرب يحاول دفعها لتقمص دور البطل ومن ثم إسقاطها على خشبة المسرح العالمي، كما يحاولون تماما إسقاط روسيا بدفعهم الممثل الكوميدي فولوديمير زيلينكسي بطل مسلسل “خادم الشعب” على مسرح أوكرانيا .
إن المزاج العام حاليا داخل إسرائيل وخاصة وسط الحكومة جد عاصف ومضطرب يوحي بكارثة سياسية وأمنية قريبة؛ بعد إقدام تل أبيب على اغتيال إسماعيل هنية داخل العاصمة طهران، وهنا نقدم موقف المواطن العربي تجاه ايران، ثم منظورنا الشخصي للوضع بعد هذا الإغتيال .
إن موقف المواطن العربي من إلجمهورية الإسلامية الإيرانية يختلف حسب درجة تمكنه من أدبيات السياسة . فالمواطن البسيط تأثر بالدعاية الغربية التي تشارك فيها بعض الدول العربية والخليجية، والتي تحرض ضد إيران ومحور المقاومة، وهنا من المنطقي أن نجد هذا المواطن ضد إيران وحركات المقاومة . وتبعا لذلك فهو يعتبر طهران جزء من العرض، وأن تواجدها في العراق وسوريا واليمن هو عنصر من أجرأة سايكس-بيكو، أي أن ثورة الخميني الإسلامية فصل من فصول المسرحية العالمية.
هذا الإعلام الموجه ضد إيران، لعب دورا أساسيا وخطيرا جدا في خلق “رهاب التشيع”، وهذا مفهوم على مستوى علم النفس وتحديدا علم النفس الاجتماعي في غياب جهاز ممانعة مماثل يكبح هذا التأثير ويعدله ويصححه . هذه الممانعة تتم عبر خلق امبراطورية إعلامية ضخمة وإحداث مراكز لتدريس اللغة الفارسية والبعثات الثقافية والسينما والرياضة وغيرها من أدوات الدبلوماسية الموازية .
اما المواطن العربي المتابع للشأن السياسي فموقفه إما أن يكون داعما لإيران في مواجهة الإمبريالية الغربية، خاصة أنها من أول المدافعين عن غزة وفلسطين، أو معارضا لها بسبب تحركاتها في سوريا والعراق . فمن المهم بالنسبة لإيران أن تأخذ بعين الإعتبار صورتها في العقل العربي وأن تتعامل كحليف للشعوب العربية وليس العكس .وأشير هنا أنه من حق إيران أن تتدخل في منطقتها الإستراتيجية حماية لأمنها القومي، لكن هذا التدخل يجب أن يكون في سياق جيوسياسي أو جيواستراتيجي وليس أيديولوجيا أو دينيا . ويمكن أن أجري في هذا الصدد مقارنة بين الدور التركي والإيراني في سوريا وتجلياتهما لدى الشعوب العربية، لنجد أن الدور التركي كان سِلْمِيًّا وسَليمًا، بينما التواجد الإيراني شابته العديد من الأخطاء والتجاوزات .
يطرح الشارع العربي تساؤلات حول كيفية وتاريخ رد إيران على اغتيال إسماعيل هنية، وهل ستثأر برد أكبر مما فعلت بعد مقتل قاسم سليماني وهو الأقرب لها من هنية أم أنها مشاركة في المسرحية وستكسر الجدار الرابع بخرق الأداء تلطيفا للأجواء ؟
إن هذه التساؤلات يسهل الرد عليها، أولا بما صرح به السيد حسن نصر الله أن التأخر في الرد هو جزء من الرد تحقيقا للحرب النفسية . كما أن واشنطن عرضت على طهران تغيير حكومة نتنياهو مقابل عدم الرد، إلا أنها أغلقت الباب على جميع من يحاول ثنيها عن الإنتقام لإغتيال إسماعيل هنية . والرد قادم لا محالة، وطهران هي من تختار الوسائل المناسبة للردع حسب قدراتها الدفاعية والهجومية ومرجعية جهدها الإستخباراتي . ويكفي هنا أن نذكر أن ايران لو أرادت “مجازا” التخلي عن المقاومة في غزة لتمكنت من الحصول على جميع أصولها المجمدة ولتم رفع العقوبات عليها وربما تمكينها من السلاح النووي ومنح المرشد الأعلى خامنئي جائزة نوبل للسلام . لأن العقدة التي تؤرق إسرائيل وحلفاؤها حاليا هي غزة والمقاومة، خاصة حماس وذراعها العسكري كتائب القسام .
*كاتب مغربي
شاهد أيضاً
كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!
محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …